31 أكتوبر 2024
الثورة السورية أمام خطر وجودي
بينما تتلهّى الإدارة الأميركية في تسريب رواياتٍ عن رحيل بشار الأسد وترحيله ودائرته الضيقة، ومن وراء ذلك، تجري تلهية عالم غاضب يتشكّل من أوروبا والخليج والأكثرية السورية، تبدو الأمور تسير في منحىً غير مشابهٍ لهذه الروايات، ولا تتناسق معها، وهذه المقدمات تتناقض تماماً مع الإجراءات والترتيبات الحاصلة على الأرض. والعكس تماماً، فإن السياق الموازي الذي تصنعه روسيا وحلفاؤها، ميدانياً وسياسياً، يلح بشكل وقح وفج على استكمال تغيير المعادلات لصالحه.
لا شيء يدعو إلى التفاؤل على جبهات الثورة السورية، ثمّة إدارة للمرحلة، تتم عبر استراتيجية تدرجية، تسعى إلى شطب الثورة من ساحة الفعل السوري، وتحويلها إلى تمرد سابق، وحالة عدم استقرار جرى تجاوزها، ويجري الأمر عبر تقنية تعطيل الأدوات التشغيلية للثورة، وقتل دينامياتها، وصناعة أمر واقع جديد من خلاله تتحوّل الثورة وأدواتها إلى جهة فاقدة المبادرة العسكرية والسياسية، فيما الطرف المقابل هو صانع التحوّلات والإطار القابل للفعل وللاستمرارية.
دع عنك كل ما يقال عن تفاهم استراتيجي أميركي – روسي على إدارة المرحلة وتوازنات القوى. الواقع أن هذا التفاهم ليس فيه طرف يراعي الثورة السورية بقدر ما أنه يتعاطى مع الوضع بحرفيةٍ تقنيةٍ وحساباتٍ دقيقةٍ، تتعلق بعمليات تموضع استراتيجي، وإدارة للأزمة، وتتعاطى مع الحالة السورية بوصفها جغرافيا وديمغرافيا، يمكن التعامل معها كمقلب، وليس تفاصيل. هكذا هي في الجانب الأميركي، لذا تترك قيادة الأمور لروسيا التي تتصرّف بالتفاصيل، وتنتجها على هواها، والتي إن استمرت بتكتيكاتها ومناوراتها ستؤول إلى نهاية الثورة إلى الأبد.
شكّلت الهدنة التي فرضتها روسيا نقطة انطلاقٍ صوب هدف وأد الثورة السورية، وإنهاء مفاعيلها، من خلال جملةٍ من الترتيبات التي باتت تشكّل البرنامج اليومي العملي والوحيد على الأرض السورية، والذي تتمظهر مخرجاته عبر طيفٍ واسعٍ من الأهداف، تمكن ملاحظتها على الشكل التالي:
- إبعاد الأضواء عن الثورة السورية وعزلها عن دائرة الاهتمام الإعلامي الإقليمي والعالمي، ويبدو أن روسيا بدأت تحقق بداياتٍ ناجحةً في هذا الصدد، شيئاً فشيئاً يجري تهميش الحدث السوري واحتلاله مكانة متأخرة وهامشية في تغطيات الإعلام، وهو أمر يحصل أول مرّة، منذ بدأت الثورة السورية.
- محاصرة مناطق الثوار وقضمها الواحدة تلو الأخرى، فقد سمحت الهدنة لروسيا وحلفائها بإلاستفراد بكل منطقة على حدة، وتصفيتها تباعاً وتحويلها إلى جزر منعزلة ومفصولة عن بقية المناطق، وسمح هذا الأمر بنقل قوات الطرف الآخر من جبهة إلى أخرى، حسب مقتضيات العمل العسكري ومصالحه وأولوياته.
- تثبيط الإجراءات الإقليمية، وتعطيل قدرة شعوب المنطقة وأنظمتها على التأثير بمجريات الأحداث، جميع أدوار الأطراف الإقليمية صارت محاصرة ومعزولة، وبدون أي فعالية، فيما يبدو أنه تمهيد لإخراج أوزانها التفاوضية من العملية السياسية.
- تشريع الاحتلال الشيعي والتفريغ الديمغرافي، كل منطقة تخرج منها داعش أو يجري قضمها
تحت ستار الهدنة، يتم تطهيرها من السكان، وتصبح حقاً للمنظمات الشيعية، أو جزءاً من المشروع الإيراني، على غرار تحرير تدمر التي تحولت إلى عملية صيانة طريق إيران من العراق إلى سورية ولبنان، فيما يقتضي المنطق تفكيك الوجود الشيعي المسلح، أما تركه يعمل براحته يرسم مناطق النفوذ، ويمارس عمليات تفريغ ديمغرافي براحته، كما هو حاصل في القلمون وأرياف دمشق، فهذا يعني أنه مرضي عنه.
- تعويد العالم على هذا النمط، ودفعه إلى الاستسلام النفسي الجمعي لمقولة أن الأسد أضحى واقعاً يتوجب التعود عليه ضمن المعادلات الجديدة، والأكثر الذهاب إلى دمجه ضمن جبهة الحرب على الإرهاب، وتحويله شريكاً أساسياً، كما تطالب روسيا علناً.
- استثمار أعمال العنف في أوروبا، وانتظار ما تجود به داعش، كل عملية لداعش تخصم من رصيد نضال الشعب السوري، وتزيد أسهم بشار الأسد في البقاء، وتراهن روسيا في ذلك على علاقتها مع الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، من أجل تعويم الأسد وإعادة تأهيله من خلال زيارات وفود هذه الأحزاب إلى سورية، والإطلالات الإعلامية الكثيفة عبر وسائل الإعلام الأوروبية.
تعتمد روسيا للتغطية على هذه العملية سياسة التفاهم على بعض القضايا، ثم التراجع عنها، كلّما حصلت تطورات ميدانية، وتحاول فرض هذا الأمر واقعاً سياسياً لا يمكن تجاوزه، وكأن القضية ليست ثورة ومصير شعب، بل صراع عسكري، يفرض المنتصر فيه شروطه. وبذريعة الواقعية واعتماد مبدأ التدرجية، يجري حرف مطالب الثورة بما لا يمس هيكل سلطة نظام الأسد، وحصر مطالبات الثورة في قضايا إخراج المعتقلين، وفك الحصار على المناطق المحاصرة. وهذا يعني أن الثورة تدفع ثمن إنهاء الأزمة من كيسها ورصيدها هي. ولتحقيق ذلك كله، تعمد روسيا إلى تعقيد البيئة التفاوضية عبر استنزاف المفاوضين، وتشتيت انتباه العالم بما يضمن إضعاف القضية المركزية المتمثلة في الثورة على نظام مستبدٍّ، وتحويلها إلى قضايا متشعبة، مثل حقوق الأقليات وشكل الدولة السورية في المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى ربط القضية السورية بملفات أخرى.
الثورة السورية في خطر وجودي، يكفي أنه، حتى اللحظة، لا وجود لضماناتٍ برحيل الأسد، وإخراج النفوذ الإيراني، وتفكيك منظومة المليشيات الشيعية، وكل ما يجري ليس سوى عملية استنزافية لقدرات الثورة، وقضم لمجالها الجغرافي والسياسي، وكلام أميركي مرسل عن نهاياتٍ سعيدةٍ، لا مؤشرات واقعية عن إمكانية حصولها.
لا شيء يدعو إلى التفاؤل على جبهات الثورة السورية، ثمّة إدارة للمرحلة، تتم عبر استراتيجية تدرجية، تسعى إلى شطب الثورة من ساحة الفعل السوري، وتحويلها إلى تمرد سابق، وحالة عدم استقرار جرى تجاوزها، ويجري الأمر عبر تقنية تعطيل الأدوات التشغيلية للثورة، وقتل دينامياتها، وصناعة أمر واقع جديد من خلاله تتحوّل الثورة وأدواتها إلى جهة فاقدة المبادرة العسكرية والسياسية، فيما الطرف المقابل هو صانع التحوّلات والإطار القابل للفعل وللاستمرارية.
دع عنك كل ما يقال عن تفاهم استراتيجي أميركي – روسي على إدارة المرحلة وتوازنات القوى. الواقع أن هذا التفاهم ليس فيه طرف يراعي الثورة السورية بقدر ما أنه يتعاطى مع الوضع بحرفيةٍ تقنيةٍ وحساباتٍ دقيقةٍ، تتعلق بعمليات تموضع استراتيجي، وإدارة للأزمة، وتتعاطى مع الحالة السورية بوصفها جغرافيا وديمغرافيا، يمكن التعامل معها كمقلب، وليس تفاصيل. هكذا هي في الجانب الأميركي، لذا تترك قيادة الأمور لروسيا التي تتصرّف بالتفاصيل، وتنتجها على هواها، والتي إن استمرت بتكتيكاتها ومناوراتها ستؤول إلى نهاية الثورة إلى الأبد.
شكّلت الهدنة التي فرضتها روسيا نقطة انطلاقٍ صوب هدف وأد الثورة السورية، وإنهاء مفاعيلها، من خلال جملةٍ من الترتيبات التي باتت تشكّل البرنامج اليومي العملي والوحيد على الأرض السورية، والذي تتمظهر مخرجاته عبر طيفٍ واسعٍ من الأهداف، تمكن ملاحظتها على الشكل التالي:
- إبعاد الأضواء عن الثورة السورية وعزلها عن دائرة الاهتمام الإعلامي الإقليمي والعالمي، ويبدو أن روسيا بدأت تحقق بداياتٍ ناجحةً في هذا الصدد، شيئاً فشيئاً يجري تهميش الحدث السوري واحتلاله مكانة متأخرة وهامشية في تغطيات الإعلام، وهو أمر يحصل أول مرّة، منذ بدأت الثورة السورية.
- محاصرة مناطق الثوار وقضمها الواحدة تلو الأخرى، فقد سمحت الهدنة لروسيا وحلفائها بإلاستفراد بكل منطقة على حدة، وتصفيتها تباعاً وتحويلها إلى جزر منعزلة ومفصولة عن بقية المناطق، وسمح هذا الأمر بنقل قوات الطرف الآخر من جبهة إلى أخرى، حسب مقتضيات العمل العسكري ومصالحه وأولوياته.
- تثبيط الإجراءات الإقليمية، وتعطيل قدرة شعوب المنطقة وأنظمتها على التأثير بمجريات الأحداث، جميع أدوار الأطراف الإقليمية صارت محاصرة ومعزولة، وبدون أي فعالية، فيما يبدو أنه تمهيد لإخراج أوزانها التفاوضية من العملية السياسية.
- تشريع الاحتلال الشيعي والتفريغ الديمغرافي، كل منطقة تخرج منها داعش أو يجري قضمها
- تعويد العالم على هذا النمط، ودفعه إلى الاستسلام النفسي الجمعي لمقولة أن الأسد أضحى واقعاً يتوجب التعود عليه ضمن المعادلات الجديدة، والأكثر الذهاب إلى دمجه ضمن جبهة الحرب على الإرهاب، وتحويله شريكاً أساسياً، كما تطالب روسيا علناً.
- استثمار أعمال العنف في أوروبا، وانتظار ما تجود به داعش، كل عملية لداعش تخصم من رصيد نضال الشعب السوري، وتزيد أسهم بشار الأسد في البقاء، وتراهن روسيا في ذلك على علاقتها مع الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، من أجل تعويم الأسد وإعادة تأهيله من خلال زيارات وفود هذه الأحزاب إلى سورية، والإطلالات الإعلامية الكثيفة عبر وسائل الإعلام الأوروبية.
تعتمد روسيا للتغطية على هذه العملية سياسة التفاهم على بعض القضايا، ثم التراجع عنها، كلّما حصلت تطورات ميدانية، وتحاول فرض هذا الأمر واقعاً سياسياً لا يمكن تجاوزه، وكأن القضية ليست ثورة ومصير شعب، بل صراع عسكري، يفرض المنتصر فيه شروطه. وبذريعة الواقعية واعتماد مبدأ التدرجية، يجري حرف مطالب الثورة بما لا يمس هيكل سلطة نظام الأسد، وحصر مطالبات الثورة في قضايا إخراج المعتقلين، وفك الحصار على المناطق المحاصرة. وهذا يعني أن الثورة تدفع ثمن إنهاء الأزمة من كيسها ورصيدها هي. ولتحقيق ذلك كله، تعمد روسيا إلى تعقيد البيئة التفاوضية عبر استنزاف المفاوضين، وتشتيت انتباه العالم بما يضمن إضعاف القضية المركزية المتمثلة في الثورة على نظام مستبدٍّ، وتحويلها إلى قضايا متشعبة، مثل حقوق الأقليات وشكل الدولة السورية في المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى ربط القضية السورية بملفات أخرى.
الثورة السورية في خطر وجودي، يكفي أنه، حتى اللحظة، لا وجود لضماناتٍ برحيل الأسد، وإخراج النفوذ الإيراني، وتفكيك منظومة المليشيات الشيعية، وكل ما يجري ليس سوى عملية استنزافية لقدرات الثورة، وقضم لمجالها الجغرافي والسياسي، وكلام أميركي مرسل عن نهاياتٍ سعيدةٍ، لا مؤشرات واقعية عن إمكانية حصولها.