أضحى الحصول على فرصة عمل دائمة في الجزائر حلما، لدى الملايين من الشباب، خاصة حاملي الشهادات، في بلد يعد من أغنى الدول في القارة السمراء، بفضل عائدات النفط، التي سمحت بوصول احتياطي النقد الأجنبي إلى ما يقرب من 200 مليار دولار قبل نحو خمس سنوات.
تؤكد الحكومة أن نسبة البطالة لم تتعد 11.6% نهاية العام الماضي 2018، مشيرة إلى أن عدد العاطلين بلغ نحو 1.456 مليون شخص، بينما يشكك الكثير من المحللين الاقتصاديين في هذه الأرقام، مشيرين إلى أن الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها الدولة في السنوات الخمس الماضية بفعل التراجع الحاد في إيرادات النفط تسببت في تباطؤ الكثير من المشروعات وتراجع معدلات التشغيل.
ويرى عبد الحق تيزرتي، أستاذ الاقتصاد في جامعة وهران أن "أرقام الحكومة مغلوطة وغير حقيقية"، فالتقارير الحكومية تحتسب فقط العاطلين عن العمل الذين يتقدمون إلى مكاتب التشغيل لتسجيل أنفسهم، بالإضافة إلى أنها لا تحتسب الأشخاص الذين تجاوز سنهم الأربعين عاما من الذين لا يملكون وظائف ثابتة، فكم عاطل عن العمل لم يذهب ليسجل نفسه في مكاتب التشغيل".
ويقول تيزرتي لـ"العربي الجديد" :" كيف يمكن أن ترتفع البطالة بأقل من 0.5%، في وقت يعيش فيه الاقتصاد الجزائري انكماشا كبيراً وتراجعت فيه نسبة النمو بنقطتين، من 4% إلى 2% باعتراف الحكومة، بسبب سياسة التقشف المنتهجة منذ مطلع 2015".
وكثيرا ما تلجأ الحكومة، لدى ارتفاع الضغوط الاجتماعية، إلى فتح التوظيف في قطاعات عدة، دون دراسة الاحتياجات الحقيقية للقطاعات، ما يزيد مما يصفه الخبراء بـ"البطالة المُقنعة" وليس العمل على حلها بخلق فرص عمل حقيقية في مشروعات إنتاجية وتنموية.
ويقول جمال نور الدين الخبير الاقتصادي إن "الحكومة تراوغ في الكثير من الأحيان وتلجأ إلى فتح مسابقات توظيف دون دراسة لواقع القطاع، فهل يُعقل أن يوظف قطاع التعليم أكثر من 140 ألف معلم منذ 2015، وأكثر من 160 ألفاً في الشرطة، وغيرها من الأرقام في قطاعات أخرى"؟
ويضيف نور الدين لـ"العربي الجديد" أنه "يوجد في الإدارات العمومية والمحلية تخمة في الموظفين، نجد 3 إلى 4 موظفين في مكتب يحتاج على الأكثر إلى موظفين اثنين فقط، والمؤسف أن هذا التوظيف "المُقنع" يأتي في قطاعات غير إنتاجية".
وينتقد المحللون استمرار ارتهان الاقتصاد الجزائري لعائدات النفط والطاقة، وعدم الاستفادة بشكل فعال من العوائد الضخمة المحققة سنوات طويلة ماضية، مشيرين إلى ان الحكومات المتعاقبة في السنوات الماضية فشلت في خلق اقتصاد إنتاجي، يخلق الثروة وفرص العمل.
يقول بشير مسيطفى، وزير الاستشراف الأسبق إن "مشكلة الجزائر تكمن في النفط، الذي جعل الحكومة والشعب على السواء يعتمدان على عائدات الذهب الأسود للعيش، فلا الأولى فكرت في خلق اقتصاد متنوع، ولا الثاني أي الشعب شمر على ساعديه وبدأ في العمل".
ويضيف مسيطفى أن " البحبوحة المالية التي كانت تنعم بها الجزائر في سنوات طفرة النفط أنستنا الكثير من الحقائق أولها أن مصير النفط سواء تحت الأرض أو في الأسواق العالمية ليس بيدنا، فلا النفط دائم ولا الأسعار ستبقى مرتفعة، وبالتالي عوض استثمار عائدات النفط المرتفعة في دعم قطاعات إنتاجية أولا كالصناعة والزراعة وحتى السياحة، أنفقنا تلك الأموال لأغراض أخرى، أكثرها سياسية".
ويقول: "الكثير يتحدث في الجزائر عن 1000 مليار دولار تم صرفها منذ عام 2000 إلى يومنا هذا، كثير من الدول في العالم نجحت في إطلاق اقتصاديات قوية بثلث أو ربع هذه الفاتورة".
ومنذ بداية الصعوبات الاقتصادية في الجزائر نهاية 2014، وضعت كل الحكومات المتعاقبة "تنويع الاقتصاد" كعنوان أساسي لبرامجها، وذلك بالحديث عن دعم الاستثمارات الخلاقة للثروة ولمناصب الشغل في مختلف القطاعات.
لكن فرحات علي، الخبير الاقتصادي، يؤكد أن امتصاص البطالة في الوقت الحالي يمر عبر عدة مراحل منها العمل على تطوير القطاعات الصناعية والزراعية وتوسيعها، وعدم الارتكاز فقط على النفط كمصدر ريع للدولة، فضلا عن التنسيق بين نظام التعليم وسوق العمل، وذلك لاستيعاب التخصصات المطلوبة، وتشجيع المشاريع الخاصة، من خلال تقديم قروض مصرفية ودعم حكومي.