قادت خلافات سياسية حول السيناريوهات والبدائل المطروحة لخلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى استقرار مواقف جميع الأطراف في أعلى هرم السلطة في الجزائر، على إبقاء الانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل/نيسان المقبل في موعدها وترشيح بوتفليقة لولاية خامسة.
وصبت خلافات غير معلنة في صالح بوتفليقة، الذي ضمن توافقاً أفقياً لدعمه، رغم عدم توفر المعطيات الدستورية لصالحه، كونه يعاني من وضع صحي لا يتيح له إدارة شؤون البلاد ومواجهة التحديات الداخلية والإقليمية. وتذكر مصادر مسؤولة مقربة من دوائر الحكم في الجزائر، لـ"العربي الجديد"، أن "الخلافات التي ظهرت بين أقطاب الحكم في الجزائر حول استحقاقات ما بعد بوتفليقة، وبروز محاولات تدخل من قبل عسكريين سابقين في المسارات الممكنة، دفعت جميع الأطراف المؤثرة، وهي الرئاسة (الفريق الرئاسي المقرب من بوتفليقة) والكارتل المالي، والمؤسسة العسكرية، للعودة إلى نقطة الصفر، والقبول باستمرار الوضع الراهن إلى فترة أخرى".
وتشير إلى أن "هذه الخلافات تكشفت بوضوح في اعتراض رئيس الحكومة، أحمد أويحيى، والذي يشغل منصب الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، على مسألة تأجيل الانتخابات التي كانت تحاول مجموعة الرئاسة طرحها كبديل، وإصراره على تنظيمها في موعدها، على أمل أن يطرح نفسه مرشحاً رئاسياً في حال قرر بوتفليقة عدم الترشح وفقاً لحالته الصحية، أو كبديل جاهز في حال حدوث تطورات مفاجئة بعد انتخابات 2019 تنهي حكم بوتفليقة". وتضيف أن "أويحيى، الذي نجح في استقطاب الكارتل المالي لصالح دعمه في هذه الحالة، يدرك أن تأجيل الانتخابات يمنح الفريق الرئاسي وقتاً ممكناً لإيجاد مرشح بديل". وتكشف المصادر أنه "جرى الحديث في هذا السياق عن بديل مثالي، وهو الدبلوماسي الجزائري والمبعوث الأممي الأسبق إلى سورية، الأخضر الإبراهيمي"، مشيرة إلى أنه "في هكذا وضع وخلافات، تفضل كل الأطراف حسم خلافها السياسي والقبول بالأمر الواقع وتنظيم الانتخابات في موعدها وترشيح بوتفليقة، وهي عملية سياسية تكون أقل كلفة مقارنة بكلفة خرق الدستور والتمديد وتعديل الدستور لاحقاً".
واللافت أن فرز الصراع الواضح بين مجموعات الحكم في الجزائر، خصوصاً بين الفريق الرئاسي الذي يضم شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة وكبار مستشاري بوتفليقة السياسيين، الطيب بلعيز وبن عمر زرهوني ووزير العدل الطيب لوح ووزير الطاقة السابق شكيب خليل، وبين كتلة ما يعرف بـ"مدرسة الإدارة" التي يقودها أويحيى، إضافة إلى وجود جنرالات سابقين متقاعدين ومرتبطين بالقائد السابق للاستخبارات الجنرال، محمد مدين، الذي يستمر تأثيره في الساحات الخلفية، بينهم الجنرال المتقاعد علي غديري، الذي أعلن صراحة عن مواقف سياسية، ودعا الجيش للتدخل لمنع سيناريو الولاية الخامسة لبوتفليقة، كلها عوامل زادت من مخاوف كل الأطراف بشأن عدم وجود ضمانات جدية لتحقيق توافقات ضامنة وتؤمن انتقال السلطة ما بعد بوتفليقة. وهذه المخاوف قد تكون حسمت الخيار باتجاه إبقاء الانتخابات في موعدها واستمرار بوتفليقة في الحكم، كونه يمثل في الوقت الحالي نقطة تجمع لكل القوى. يشار إلى أن القوى تدرك أن الساحة التي تسع الجميع في الوقت الحالي، لن تتسع سوى لمجموعة واحدة بعد بوتفليقة، إذ ترفض كل مجموعة أن تنتقل في حال إزاحتها من مركز السلطة إلى الهامش السياسي.
وبقدر ما أزاح الموقف الأخير للجيش، المؤسسة الأقوى، بشأن الانتخابات الرئاسية والدعوات لتدخله في هذا الصدد، القلق لدى قوى الموالاة وأحزاب السلطة، أنهى الخلافات وعزز إمكان حسم موضوع التوجه إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها في إبريل المقبل، وترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، مثلما أعلنت عنه أحزاب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر، رغم بقاء احتمالات ضعيفة لإمكانية أن يقرر بوتفليقة التنحي عن الحكم، بسبب تردي وضعه الصحي. وفي السياق، يفسر ناشطون وسياسيون عودة الأحزاب والأذرع الإعلامية للسلطة للترويج مجدداً لولاية رئاسية خامسة لبوتفليقة، بعد فترة من سحب هذا المشروع السياسي من التداول السياسي والإعلامي، بوجود مشكلات في التوافق بين الأضلع البارزة في الحكم في الجزائر، حول خليفة مفترض لبوتفليقة في حال لم يترشح الأخير. وبرأي الناشط السياسي، عمار خبايبة، فإن "هناك عدم توافق على من يخلف الرئيس الحالي، وهذا هو الذي يجعل كل الأطراف تقبل بالوضع الراهن، وتقبل باستمرار الرئيس الحالي في منصبه رغم المصاعب الإجرائية التي قد يجدها بوتفليقة في التعاطي مع إجراءات العهدة الخامسة، كتقديم الترشح والقيام بالحملة الانتخابية". ويضيف أن الدافع أيضاً للعودة إلى مشروع الولاية الخامسة، جاء بعد إجراء تقييم أولي لـ "مشروع تأجيل الانتخابات الذي لم يجد الصدى الذي كانت السلطة تنتظره، إذ إن الأحزاب التي أوحي لها بالترويج للتمديد أخفقت في ذلك.
وهناك عامل مهم هذه المرة، وهو إحجام كل الشخصيات القانونية والسياسية عن الدفاع عن المسعى المقترح، بمن فيها الشخصيات المعروفة بدفاعها وتزكيتها لكل أطروحات السلطة". ولا تجد بعض قوى المعارضة في الجزائر، في تحليلاتها للوضع والمؤشرات السياسية ومعطيات توجه السلطة نحو تنظيم الانتخابات في موعدها الدستوري ودعوة بوتفليقة للترشح لولاية خامسة، والتراجع عن سيناريوهات التأجيل والتمجيد وتعديل الدستور لاحقاً، سوى عدم توصل الأطراف والمجموعات الفاعلة في السلطة إلى توافقات حول آلية وطبيعة الشخصية التي يمكن تقديمها لخلافة بوتفليقة. ويعتقد نائب رئيس حزب "جيل جديد"، إسماعيل سعيداني، أن "المجموعات المؤثرة في الحكم لم تتفق على مرشح الإجماع، وهذا التخبط هو الذي دفعها أولاً إلى محاولة طرح مشروع للتوافق السياسي يتضمن إرجاء الانتخابات والتمديد لبوتفليقة، تكفلت بتسويقه أحزاب من الموالاة (تجمع أمل الجزائر)، وأخرى من المعارضة (حركة مجتمع السلم)، وإخفاق هكذا مسعى أيضاً دفع الجميع للعودة إلى الترويج لولاية رئاسية خامسة وتنظيم الانتخابات في موعدها". خلال الأسبوعين المقبلين، ستتضح المعطيات بشكل كامل بشأن الانتخابات الرئاسية، إذ ينتظر أن يعلن بوتفليقة استدعاء الهيئة الناخبة قبل منتصف يناير/كانون الثاني الحالي، لتبدأ مرحلة ضبط التفاصيل.