حطّت 120 دار نشر جزائرية رحالها في مدينة سطيف، إحدى أكبر حواضر الشرق الجزائري، في إطار "المعرض الوطني للكتاب" الذي تشرف على تنظيمه "وزارة الثقافة" ويستمر حتى 14 أيار/ مايو الجاري.
وتنوعت العناوين المعروضة بين كتب أدبية وفكرية وسياسية ودينية وكتب موجهة للأسرة والأطفال. وكان حضور الكتاب القادم من المشرق العربي لافتاً، من خلال التوكيلات والنشر المشترك، كما يتجلى ذلك في أجنحة "الاختلاف" و"فيسيرا" و"ميم".
وجهّز القائمون على المعرض برنامجاً ثقافياً غنياً يشمل محاضرات فكرية وتاريخية، وأمسيات أدبية، وورشاً تكوينية وعروضاً تربوية مسرحية موجهة للأطفال، ما سيسمح لزوّار المعرض بالإلتقاء مع الكّتاب المشاركين، مثل منير زلاقي وعبد الحكيم بوبكر اللذين سيلقيان محاضرتين عن الكاتب نور الدين عبّة، والمفكر محمد بن عبد الكريم، والباحث علاوة عمارة من جامعة قسنطينة الذي سيتحدث عن "تشكلات الهوية الجزائرية عبر التاريخ".
واقتربت "العربي الجديد" من بعض الهواجس المتعلقة بواقع الكتاب الأدبي في الجزائر، من حيث نشره وتوزيعه وتلقّيه، من خلال نخبة معنية به مباشرةً، مثل الكاتبة والناشرة آسيا علي موسى، صاحبة دار "ميم"، التي قالت إن هناك حالة حيرة بين رغبتها كناشرة متورطة في الفعل الإبداعي، وكاتبة تطمح إلى أن تصل إلى القراء الذين باتوا حلماً بعيداً.
وأضافت صاحبة "عفواً إنه القدر" أنها تنتقل -بمنشوراتها الأدبية- بين المدن الجزائرية، مع ما يترتب على ذلك من متاعب مختلفة، لتحضر المعارض التي عادة ما تكون خاوية: "إننا كثيراً ما نطرح سؤال المقروئية بسطحية عميقة، ولم نملك الجرأة الكافية للذهاب إلى جوهر المشكلة المتمثلة في أن هناك منظومة نشر قديمة لإنسان جديد في الجزائر".
وسألتها "العربي الجديد" عن سبب استمرارها في النشر، رغم هذا الواقع الصعب، فأكدت أنه خاضع لإيمانها بوجوب البحث عن بدائل صحية لهذا الواقع، بدلاً من الانسحاب منه.
وأشارت الناشرة سميرة بن إدريس، صاحبة دار "الإبريز"، إلى أن الأمر يختلف قليلاً مع المنشورات الأدبية المكتوبة باللغة الفرنسية، ذلك أن القارئ الجزائري الذي يطالع بالفرنسية من النوع الذي يبحث عن الجديد دائماً.
وبرّرت الناشرة حكمها هذا بعدة معطيات، منها أن الناشر "المفرنس" في الجزائر يعتمد سياسة ترويج ناجعة، كالاستعانة بوسائط الاتصال الجديدة، والاحتكاك المباشر بالإعلام، علماً أن الصحف الناطقة بالفرنسية ـ وفقاً لها ـ أكثر اهتماماً بالكتاب من الصحف الناطقة بالعربية.
ولم تسلم سياسة توزيع الكتاب من انتقادات صاحبة دار "الإبريز" التي قالت إن الجزائر فشلت ـ بعد نصف قرن من الاستقلال ـ في الوصول إلى شبكة توزيع قوية ومحترفة تتماشى مع خارطتها الجغرافية والسكانية.
ونقلت "العربي الجديد" هاجس التوزيع إلى إلياس فرداغ، ممثل شبكة "العزة والكرامة" للنشر والتوزيع، فأنكر وجود أزمة توزيع في الجزائر لأن الموزعين ـ وقد باتوا كثراً في السنوات الأخيرة ـ يوصلون الكتاب إلى المكتبات، لتبقى الكرة في مرمى المعني الأول به، أي القارئ؛ داعياً منظومة النشر في الجزائر إلى التكامل من أجل تقديم إغراءات إضافية لهذا القارئ، من خلال دراسة علمية وميدانية للتوجهات الجديدة للقراءة.
وفي المقابل، يرى الروائي سفيان مخناش أن القارئ الجزائري يقتات على المعارض التي هي قليلة أصلاً، ودليله في ذلك هو خلو المكتبات من جديد النشر، بما فيها تلك الموجودة في المدن الكبرى، مثل الجزائر العاصمة ووهران وسطيف.
وأشار صاحب مخناش إلى أن الكتاب الجزائري لا يعاني من سوء التوزيع في الداخل فقط، بل في الخارج أيضاً، حتى أن الكاتب الجزائري الذي ينشر كتبه داخل الجزائر، يجد حرجاً في التعاطي مع تساؤلات أصدقائه غير الجزائريين، في شبكات التواصل الاجتماعي، عن النقاط التي يمكن أن يجدوا فيها كتبه.
وقال مدير المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ومحافظ معرض الجزائر الدولي للكتاب، حميدو مسعودي، إن وزارة الثقافة لا يمكن أن تحل مكان الناشرين الخواص لإيصال الكتاب الجزائري إلى الخارج. ولتعويض ما يوجد من نقص في هذا الإطار، تكفّل الوزارة عرض ما لا يقل عن 2500 عنوان من جديد الناشرين في جناحها بالمعارض العربية والدولية.
من جهتهم، عبّر بعض زوّار المعرض لـ"العربي الجديد" عن استحسانهم لموقع إقامة المعرض في حديقة "التسلية" وسط المدينة، مقابل استهجانهم لتوقيته المتزامن مع التحضير لامتحانات آخر السنة في الجامعات والمدارس.