تحتلّ الاستثمارات الروسية في مجال النفط والغاز مكانة مميزة في الجزائر، لكن روسيا تطمح في المزيد. فالشركات الروسية، التي تملك الحكومة غالبية أسهمها، تضع هذا البلد على رأس قائمة التفضيلات. ويلقى هذا التوجه الاستثماري دعماً حكومياً واضحاً، في بلد يعتمد اقتصاده أساساً على تصدير مصادر الطاقة.
ونقلت وسائل الإعلام الروسية في اليومين الماضيين حديث رئيسة مجلس الاتحاد الروسي، فالينتينا ماتفيينكو، عن أنّ الجانب الروسي نقل إلى القيادة الجزائرية اهتمام روسيا بالنفط والغاز في الجزائر، وبناء وحدات طاقة جديدة، والتنقيب عن الذهب والمعادن الأخرى.
ووفقاً لماتفيينكو، قدّمت أيضاً روسيا اقتراحاً لتطوير التلفزيون الرقمي في الجزائر، وبناء محطات لتشغيل منظومة "غلوناس" الروسية (نظام للملاحة بالأقمار الاصطناعية مبنيّ على الراديو) في هذا البلد العربي الأفريقي، إضافة إلى مشاريع أخرى.
وكان التركيز الأكبر على التعاون الصناعي العسكري والتقني. فقد أعلنت ماتفيينكو أن الجزائر وروسيا بصدد إنشاء مشروع مشترك لصناعة منتجات عسكرية في البلاد.
التجارة لصالح موسكو
وقيّمت رئيسة مجلس الاتحاد شراكة روسيا مع الجزائر بإيجابية عالية، من ناحية الوضع السياسي والمالي المستقر نسبياً في الجزائر، وتخلصها من الديون الخارجية، وتوافر احتياطيات الذهب والعملة الصعبة (تمكنت الجزائر من خفض دينها الخارجي من 75% من ناتج الدخل الإجمالي المحلي في العام 1995 إلى 6% في العام 2010).
ومن المعلوم أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين روسيا والجزائر ليست جديدة، فالجزائر واحدة من أهم ثلاث دول في مؤشرات التجارة مع روسيا. وقد بلغ الميزان التجاري بين البلدين في العام 2012 حوالي 3 مليارات دولار، إلا أن كفته تميل لمصلحة روسيا، في هذه السنة كما في سواها.
ويشير موقع سفارة الجزائر في موسكو إلى أنّ حجم التبادل التجاري بين روسيا والجزائر في 9 أشهر من العام 2010، بلغ حوالي 1،176 مليار دولار (الصادرات الروسية حوالي 1.72 1 مقابل واردات في حدود 400 مليون دولار).
علاقات نفطية قديمة
وبالعودة إلى المصادر الأهم لتمويل الميزانية الروسية، أي شركات الطاقة، فـ"غازبروم" و"روس نفط" و"ستروي ترانس غاز"، تشارك اليوم في مشاريع كبيرة في الجزائر.
يعود تاريخ بدء دخول عملاق الغاز الروسي "غازبروم" الجزائر إلى 9 سنوات خلت، عبر توقيع مذكرة تفاهم مع شركة النفط الجزائرية الحكومية "سوناطراك" للتنقيب عن النفط والغاز ونقلهما وتبادل الأصول وتكرير النفط ومشتقاته. لكنّ هذا المشروع لم يصل إلى مرحلة التنفيذ إلا في العام 2008.
هكذا، بدأ عمل "غازبروم" في العام 2008، حين فازت الشركة بمناقصة لاستكشاف وتطوير النفط الخام، ووقّعت عقداً مع الوكالة الوطنية الجزائرية لتنمية الموارد الهيدروكربونية ومع شركة "سوناطراك". ودخل العقد حيّز التنفيذ في العام 2009. وتبلغ حصة الروس من العقد 49%، مقابل 51% للشركة الجزائرية.
وفي نهاية 2010 أسفرت أعمال التنقيب عن أول اكتشاف روسي للنفط والغاز في الجزائر. وتحقق نجاح آخر في العام 2013، حين أسفرت أعمال التنقيب التجريبية عن اكتشاف جديد للنفط والغاز، حيث تم التوصل إلى تدفق يومي من الغاز يعادل 13 ألف متر مكعب و82 ألف متر مكعب من النفط، من البئر الواقعة في حوض "بيركين" الجيولوجي، في الجزء الشرقي من الصحراء.
علماً بأن التقديرات الأولية تشير إلى احتياطي يبلغ 30 مليون طن من النفط، في الجزء الذي تعمل فيه الشركة الروسية.
خطوط الغاز والنفط
إلى ذلك، عرضت شركة "غاز بروم" الروسية توظيف مليارات الدولارات في بناء خط لنقل الغاز يتجاوز طوله أربعة آلاف كيلومتر، يمتدّ عبر الصحراء من دلتا النيجر إلى شاطئ الجزائر على البحر المتوسط.
إضافة إلى ذلك، فقد فازت شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية بمناقصة للتخطيط لمشروع الفرع الشمالي من خط نقل النفط وتزويده بالمعدّات اللازمة. وسيمتدّ أنبوب النفط هذا من حقل "حاسي مسعود" إلى محطة "أرزيو" على ساحل المتوسط. وفازت الشركة الروسية بهذا العقد في منافسة مع الشركة الأميركية "ويلبروس".
كما أن تحالف "روس نفط" و"ستروي ترانس غاز" فاز بمناقصة للتنقيب عن النفط واستخراجه في الموقع (245) الجنوبي، الواقع جنوب الجزائر، غير بعيد عن الحدود الليبية. وتشير التقديرات الأولية إلى وجود احتياطات قابلة للاستخراج تبلغ 47 مليون طن من النفط، فيما تبلغ قيمة المشروع الإجمالية 1.03 مليار دولار.
طموحات التوسّع
وفازت شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية في مناقصة لبناء أنبوب لنقل الغاز ضمن مشروع "ميدغاز" الدولي، الذي سيتم بموجبه نقل الغاز الجزائري إلى إسبانيا وبلدان أوروبية أخرى، وقد نافست الشركة الروسيةفي هذا العقد شركات من إسبانيا والجزائر والإمارات العربية المتحدة.
شركتا "لوكويل" و"سويوز نفط غاز" الروسيتان لهما أيضاً طموحهما في استثمارات بالجزائر، فقد شاركتا في مناقصة للتنقيب في مناطق جزائرية جديدة. علماً بأن "لوكويل" تخطط لتركيز 25% من استثماراتها في منطقة الشرق الأوسط، وترى في الجزائر إحدى الأولويات. بالتوازي مع ذلك، يخطط في روسيا لاستثمارات تشارك فيها شركة "سوناطراك الجزائرية"، بالتعاون مع "لوكويل" و"غازبروم".
ويرى المستثمرون الروس أن الجزائر تسير في طريق تذليل العقبات البيروقراطية التي تعرقل الاستثمارات الأجنبية في البلاد، مستفيدة من تجربة العام 2009، حين تم عرض 10 تراخيص للتنقيب، لم يبع منها سوى ثلاثة تراخيص.