يصعب أن يتجاوز فيلم مستقل، أو غير تجاري، خطوط الأزمة التي يعيشها الفن السابع في مصر اليوم، وأن يحقق حضوراً جماهيرياً. بالأحرى، يصعب إنجاز فيلم كهذا من الأساس، حالياً؛ إذ غالباً ما يموت المشروع قبل تحول السيناريو المكتوب إلى مشاهد مصورة، مع استحالة العثور على منتج قوي.
في المقابل، تبقى الأفلام التجارية، في أوقات كهذه، الوحيدة القادرة على نيل ثقة الممولين، وكبار المنتجين، باعتبارها تستحق، من وجهة نظرهم، مغامرة مالية كبيرة، مضمونة العائدات. شريط "الجزيرة 2"، واحد من هذه الأفلام.
يحمل الشريط، الذي أخرجه شريف عرفة، كل صفات السينما التجارية، حال كحال جزئه الأول. غير أنه يختلف في أن قصته تأخذ مجريات أخرى، غير تلك التي أوحت بها نهاية النسخة الأولى. يبدأ الشريط مع هروب منصور الحفني (أحمد السقا) من سجن "وادي النطرون"، أثناء نقله إلى سجن الاستئناف، ثم التقائه بابنه علي (أحمد مالك)، وشقيقه فضل (نضال الشافعي)، ليصطحبهما معه إلى الجزيرة في مسعى منه إلى استعادة زعامتها.
إلا أنّ الجزيرة لم تعد كما تركها منصور، حيث نكتشف توزيعاً جديداً في موازين القوى. فمن جهة، تتزعم كريمة (هند صبري) قبيلة النجايحة، بعد أن قتلَ منصور آخر رجالها. ويظهر، من جهة ثانية، طرف ثالث أقوى من الجميع، هو الشيخ جعفر (الممثل الراحل خالد صالح) الذي يتزعم الرحّالة، ويخطط للاستيلاء على الجزيرة وأراضيها، وفرض حكمه على أهلها. يجمع الشيخ جعفر حوله جيشاً من المريدين، ويوظّف الخطاب الديني من أجل السيطرة على أراضي الجزيرة، ويقتل ويكفّر كل من يخالفه الرأي.
يعود منصور ويجمع حوله من بقي مخلصاً من أتباعه، ويتعهد للناس بالعمل على إعادة وضع تجارة المخدرات إلى سابق عهده، أيام كانت المنطقة تحت سيطرته، ويحاول صنع تحالفات جديدة. لكنه يفشل في أن يصبح ندّاً لقوة ومكر الشيخ جعفر، الذي قتل شقيقه فضل وأباد من تبقى من عائلة كريمة؛ إلى أن يظهر أخيراً اللواء رشدي وهدان (خالد الصاوي)، الذي تحالف مع منصور في السابق، وهو نفسه من ألقى القبض عليه، ونال ترقية بسبب ذلك. غير أن عودة الضابط للمشهد تستند إلى رغبته بالثأر من الشيخ جعفر الذي قتل عائلته هو أيضاً، أكثر من أي شيء آخر.
تفتح نهاية الفيلم الباب على جزء ثالث، خصوصاً مع مشهد تنصيب فضل، ابن منصور، كبيراً للجزيرة، وعدم بتّ القصة في مصائر الشخصيات. لكن يبدو أن الحكاية قد استنفدت وسائلها التعبيرية، مع عجزها عن المضي قدماً.
يظهر هذا العجز، أولاً، في الحوار الذي ابتعد، في بعض الأحيان، عن الدقة والمنطق، وثانياً، في إقحام أحداث 25 يناير في القصة وإسناد بنائها الدرامي إليها، والتي تأخذ مجريات الشريط بعيداً عما بناه الجزء الأول منه.
بدا كُتَّاب السيناريو، الأشقّاء دياب، محمد وخالد وشيرين، وكأنهم غير معنيين بالالتزام بما باحت به نهاية الجزء الأول. وإذا حكمنا من منطق الزمن السردي للقصة، فإن مؤشرات الزمن آنذاك لا تساعد كثيراً في الوصول بالأحداث إلى 25 يناير وتفاعلاتها المتشابكة.
وعلى العموم، هناك عبث بالزمن داخل القصة؛ عبث بعمر الشخصيات، وبالمدة التي قضاها منصور في السجن، وكأن أن محمد دياب، أحد الأشقاء كاتبي سيناريو الجزء الثاني، ليس هو من وضع سيناريو الجزء الأول.
وعلى أي حال، فإن الشريط، على كل مشاكله هذه، إضافة إلى ضعف لغته الفنية، حصد واردات عالية في شبّاك التذاكر المصري، مستنداً، إلى حد بعيد، إلى توقعات الجمهور المستوحاة من جزئه الأول، وعلى نجاحه. وما يحسب لـ"الجزيرة 2"، في هذا المقام، هو دوره في عودة قوس من الجمهور إلى الصالات شبه الفارغة منذ ثلاثة أعوام.