خيم رثة متراصفة في شارع "اكلينيك" وسط العاصمة الموريتانية. داخل الخيم شباب وكبار في السن، عيونهم شاخصة في المارة، وملابسهم لا تشير إلى فقر شديد ولا إلى ثراء. تقترب منهم فتسمع تمتمات وأدعية، وفي أيديهم مسبحات كبيرة ولافتة للنظر. على الحيطان التي تسند الخيم رسومات غريبة، وداخل الخيم آيات قرآنية وأدعية ومجموعة عقاقير وأعشاب. شاب يجلس على طرف سجادة متوسطة الحجم، وصاحب الخيمة على طرفها الآخر، والصمت يستمر قبل انطلاق الحديث.
هنا، في "اكلينيك" المشعوذون لا يشبهون الأفلام، لا شعرهم فوضويا ولا شديد الأناقة. لا يرتدون سترات طويلة ولا ألوانا مزركشة. شكلهم عادي، ولكن طبيعة "مهنتهم" ليست عادية بالمرة.
ممارسة العرافة يطلق عليها الموريتانيون عبارة "لَحْجَابْ"، وهي مهنة تشغّل آلاف الموريتانيين وتجذب آلاف الزبائن. عرض وطلب، بيع كلام، وشراء لأمل أو سعي خلف معجزة. نظرياَ، هي سوق كما كل الأسواق التجارية، ولكن الفارق أنه في هذه السوق الغريبة، كل التجار "يحاورون" الجن، وكل التجار ملاحَقون من الأجهزة الأمنية، وكل التجار الذين يعودون إلى أماكنهم برغم الملاحقات يدفعون الرشاوى، ويستغلون علاقتهم (الواسعة نسبياً) مع أطراف من السلطة وعدد لا يستهان به من الأثرياء، لكي يحافظوا على "مصدر الرزق".
بعد مفاوضات شاقة، يتغلب الشيخ محفوظ (68 عاماً) على نفوره من الأحاديث الإعلامية. هو عميد المشعوذين في سوق "اكلينيك"، وهو لا يثق فى الصحافيين الذين يصفونه بـ"الساحر"، على حد تعبيره. يشرح محفوظ قصته مع "لحجاب"، فقد ورث هذا العمل عن والده. لكن قبل أن يصبح شيخ العرافين، عاش محفوظ 30 عاما في الغربة، عاد إلى وطنه لينضم إلى جيش من العاطلين عن العمل، عندها قرر العمل في المهنة الموروثة.
لكن هذه السوق العشوائية، تصنع الثروات فعلاً. ففي بلد لا يتعدى فيه الحد الأدنى للأجور 111 دولاراً، يبيع المشعوذ أحرازه (عقاقير وأحجبة وغيره) بمبالغ تصل إلى 150 دولاراً لكل حرز. ويستقبل هؤلاء عشرات الزبائن يومياً، ليصل العدد في غالبية الأحيان إلى 20 زبوناً. لكن الشيخ محفوظ يقول بتواضع، إنه يحصل يومياً على ربح يصل إلى ما بين 120 و300 دولار، ليصل مدخوله إلى 9 آلاف دولار شهرياً. ووفق متوسط الأجور في موريتانيا، يعتبر المشعوذون من الطبقة الوسطى، وبعضهم من الأثرياء.
أما الشيخ تابه ولد السالك وهو يمارس "لحجاب" أيضاً، فأسعاره أدنى من شيخ شارع "اكلينيك"، بحيث يشير في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن أكثر رواد خيمته هم من النساء. أما أسعار "لحجاب" لديه فتتفاوت بين 3 و6 دولارات، "بحسب قدرة الزبون".
من شارع "اكلينيك" ننتقل إلى محل "الرقية الشرعية" الذي يديره الشيخ محمد يسلم في حي كارفور في نواكشوط. الأخير يحرص على التمييز بين السحر والشعوذة من جهة والرقية من جهة أخرى، ويقول إن مهنته لا تُستخدم فيها الجداول ولا الطلاسم، وإنما ترتكز على قراءة الأدعية القرآنية. أما أرباحه، فهي بحسب يسلم، تأتي من مبالغ مالية يضعها الزبائن في صندوق موجود عند مدخل منزل الشيخ محمد يسلم، المحاذي لمحله. يرفض يسلم الحديث عن حجم هذه المبالغ، ولكنه يقول إنها تكفي لنفقات استمرارية محله.
الباحث الاقتصادي سيدي ولد عبد المالك يرى في حديث مع "العربي الجديد" أن ظاهرة الشعوذة ترفد الاقتصاد الموريتاني بحركة تجارية موازية، ويلفت إلى أن المستفيدين من هذا النوع من النشاط الاقتصادي قسمان: القسم الأول هم مجموعة من المنحدرين من أفريقيا، وغالبية أرباح هؤلاء يتم تحويلها إلي بلدانهم الأصلية. أما القسم الثاني فهم "الحجّابه" الموريتانيون وبعضهم من طبقات اجتماعية متوسطة إلى ثرية، وهذه المجموعة تتقاضى أموالاً باهظة من زبائنها، وتُضخ هذه الاموال في الدورة الاقتصادية الموريتانية.
ولا تقتصر سوق "لحجاب" على العاصمة فقط، إذ تنتشر بكثافة في عدد من قرى الأطراف، وتشغّل الآلاف من الموريتانيين، وكذلك تدخل ضمن دورة اقتصادية موازية، بحيث يستفيد من انتشار هذه الظاهرة سائقو السيارات الذين يوصلون الزبائن إلى العرافين ويحصلون على نسبة من الربح، وعدد كبير من الوسطاء الذين يسوقون للعاملين في هذه السوق عبر النشرات وجلب الزبائن. إضافة إلى تشغيل تجار الأعشاب، وتجار الصاغة؛ حيث إن بعض "الأحراز" التي يصنعها المشعوذون تتطلب مثلاً استخدام الأحجار الكريمة.
ممارسة العرافة يطلق عليها الموريتانيون عبارة "لَحْجَابْ"، وهي مهنة تشغّل آلاف الموريتانيين وتجذب آلاف الزبائن. عرض وطلب، بيع كلام، وشراء لأمل أو سعي خلف معجزة. نظرياَ، هي سوق كما كل الأسواق التجارية، ولكن الفارق أنه في هذه السوق الغريبة، كل التجار "يحاورون" الجن، وكل التجار ملاحَقون من الأجهزة الأمنية، وكل التجار الذين يعودون إلى أماكنهم برغم الملاحقات يدفعون الرشاوى، ويستغلون علاقتهم (الواسعة نسبياً) مع أطراف من السلطة وعدد لا يستهان به من الأثرياء، لكي يحافظوا على "مصدر الرزق".
بعد مفاوضات شاقة، يتغلب الشيخ محفوظ (68 عاماً) على نفوره من الأحاديث الإعلامية. هو عميد المشعوذين في سوق "اكلينيك"، وهو لا يثق فى الصحافيين الذين يصفونه بـ"الساحر"، على حد تعبيره. يشرح محفوظ قصته مع "لحجاب"، فقد ورث هذا العمل عن والده. لكن قبل أن يصبح شيخ العرافين، عاش محفوظ 30 عاما في الغربة، عاد إلى وطنه لينضم إلى جيش من العاطلين عن العمل، عندها قرر العمل في المهنة الموروثة.
لكن هذه السوق العشوائية، تصنع الثروات فعلاً. ففي بلد لا يتعدى فيه الحد الأدنى للأجور 111 دولاراً، يبيع المشعوذ أحرازه (عقاقير وأحجبة وغيره) بمبالغ تصل إلى 150 دولاراً لكل حرز. ويستقبل هؤلاء عشرات الزبائن يومياً، ليصل العدد في غالبية الأحيان إلى 20 زبوناً. لكن الشيخ محفوظ يقول بتواضع، إنه يحصل يومياً على ربح يصل إلى ما بين 120 و300 دولار، ليصل مدخوله إلى 9 آلاف دولار شهرياً. ووفق متوسط الأجور في موريتانيا، يعتبر المشعوذون من الطبقة الوسطى، وبعضهم من الأثرياء.
أما الشيخ تابه ولد السالك وهو يمارس "لحجاب" أيضاً، فأسعاره أدنى من شيخ شارع "اكلينيك"، بحيث يشير في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن أكثر رواد خيمته هم من النساء. أما أسعار "لحجاب" لديه فتتفاوت بين 3 و6 دولارات، "بحسب قدرة الزبون".
من شارع "اكلينيك" ننتقل إلى محل "الرقية الشرعية" الذي يديره الشيخ محمد يسلم في حي كارفور في نواكشوط. الأخير يحرص على التمييز بين السحر والشعوذة من جهة والرقية من جهة أخرى، ويقول إن مهنته لا تُستخدم فيها الجداول ولا الطلاسم، وإنما ترتكز على قراءة الأدعية القرآنية. أما أرباحه، فهي بحسب يسلم، تأتي من مبالغ مالية يضعها الزبائن في صندوق موجود عند مدخل منزل الشيخ محمد يسلم، المحاذي لمحله. يرفض يسلم الحديث عن حجم هذه المبالغ، ولكنه يقول إنها تكفي لنفقات استمرارية محله.
الباحث الاقتصادي سيدي ولد عبد المالك يرى في حديث مع "العربي الجديد" أن ظاهرة الشعوذة ترفد الاقتصاد الموريتاني بحركة تجارية موازية، ويلفت إلى أن المستفيدين من هذا النوع من النشاط الاقتصادي قسمان: القسم الأول هم مجموعة من المنحدرين من أفريقيا، وغالبية أرباح هؤلاء يتم تحويلها إلي بلدانهم الأصلية. أما القسم الثاني فهم "الحجّابه" الموريتانيون وبعضهم من طبقات اجتماعية متوسطة إلى ثرية، وهذه المجموعة تتقاضى أموالاً باهظة من زبائنها، وتُضخ هذه الاموال في الدورة الاقتصادية الموريتانية.
ولا تقتصر سوق "لحجاب" على العاصمة فقط، إذ تنتشر بكثافة في عدد من قرى الأطراف، وتشغّل الآلاف من الموريتانيين، وكذلك تدخل ضمن دورة اقتصادية موازية، بحيث يستفيد من انتشار هذه الظاهرة سائقو السيارات الذين يوصلون الزبائن إلى العرافين ويحصلون على نسبة من الربح، وعدد كبير من الوسطاء الذين يسوقون للعاملين في هذه السوق عبر النشرات وجلب الزبائن. إضافة إلى تشغيل تجار الأعشاب، وتجار الصاغة؛ حيث إن بعض "الأحراز" التي يصنعها المشعوذون تتطلب مثلاً استخدام الأحجار الكريمة.