عاد محتجّو "السترات الصفراء" إلى الشارع، السبت، للمرة العشرين، خلال أكثر من أربعة أشهر، وذلك رغم قرارات منع التظاهر الصادرة، خشية وقوع مواجهات جديدة.
وتزامن الحراك العشرون مع دعوة أطلقتها المصارف الفرنسية إلى وقف أعمال العنف التي سبق أن استهدفت المئات من فروعها.
بدورها، كررت الشرطة قرارها منع التظاهر في جادة الشانزيليزيه الشهيرة، نتيجة أعمال العنف التي شهدتها هذه الجادة الشهيرة في 16 مارس/ آذار، كما قررت الأمر نفسه بشأن منطقة تشمل قصر الإليزيه الرئاسي والجمعية الوطنية (البرلمان).
وقالت الشرطة، في بيان، إنّه تم إبلاغها بتظاهرتين وأربعة تجمّعات، من دون أن تحدد أماكنها. وعند الظهر كان نحو 300 متظاهر قد تجمّعوا أمام محطة القطارات "غار دو لست" في باريس.
وقالت نادين (51 عاماً)، لـ"فرانس برس"، "نأتي لنفس الأسباب التي كانت قائمة في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني (أول يوم تظاهرات). لم نحصل على شيء".
وكان العشرات من محتجي "السترات الصفراء" يهتفون "الوغد إيمانويل ماكرون، سنأتي ونأخذك".
وقبل أسابيع قليلة من الانتخابات الأوروبية، علّق كثر بطاقاتهم الانتخابية بعد أن مزّقوها على ستراتهم. ومن المتوقع أن يتوجه المتظاهرون بعد ذلك إلى ساحة "تروكاديرو".
ودخل حراك "السترات الصفراء" غير الحزبي، والذي شهد ولادته على وسائل التواصل الاجتماعي، في تمرّد، منذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، ضد السياسة الضريبية والاجتماعية للرئيس إيمانويل ماكرون.
وشهدت تظاهرات هذا الأسبوع توترات وصدامات بمناطق عدة كمدينة أفينيون، التي احتج فيها المتظاهرون على حظر التظاهر في المدينة، فيما كانت طائرة هليكوبتر تحلق فوقهم.
وقد اختار إيريك درووي، أحد وجوه السترات الصفراء البارزين، التظاهر في مدينة بوردو، إلى جانب أكثر من 5000 متظاهر، وتعتبر هذه المدينة إلى جانب العاصمة، أكثر المدن الفرنسية التي تشهد حضوراً قوياً منذ الأيام الأولى للحراك.
ولم تَسْلم مدن مونبولييه وسانت إتيان وكاين وتولوز من صدامات عنيفة بين المتظاهرين وقوى الأمن، نتج عنها تخريب والعديد من الجرحى من الطرفين واعتقالات عديدة.
وفي مدينة روان التحم متظاهرو السترات الصفراء مع مدرّسين غاضبين من الإصلاح الجديد للتعليم.
وكانت أكثر المدن رمزية، هذا الأسبوع، مدينة نيس، حيث خرج مئات المتظاهرين متحدّين قوى الأمن في تظاهرة غير مرخصة، ومروا خلالها أمام مركز الشرطة، مطالبين بسجن ضابط الشرطي المسؤول عن عنف الأسبوع الماضي الذي تسبب في جرح مسؤولة عن حركة أتاك، تجاوزت السبعين من عمرها. ويأتي هذا التحدي إكراماً وإجلالاً للمتظاهرة جينيفييف ليغاي، التي جرحت في الأسبوع الماضي جروحا بليغة تسبب فيها شرطي. وظلت السلطات الأمنية والمدعي العام ومسؤولو البلدية، وعلى رأسهم العمدة كريستيان إيستروزي، الذي يحث الحكومة منذ فترة على فرض حالة طوارئ في مدينته، وحتى رئيس الجمهورية نفسه، ينكرون أي دور لقوى الأمن في هذه المأساة، متحدثين عن دفعها من قبل متظاهرين آخَرين، قبل أن تتأكد قبل يومين، فقط، مسؤولية رجل شرطة.
وكان رئيس الجمهورية ماكرون قد أثار الجدل حينما تحدث، في لقاء له مع صحيفة "نيس-ماتان" عن مسؤولية المُتظاهرة الجريحة في ما حدث لها، بسبب وجودها في منطقة محظورة، متمنيا لها "الشفاء العاجل وشيئاً من الحكمة"، وهو ما اعتبرته ابنتها كلاماً لا يليق برئيس الجمهورية، وطالبته، أمس، بعد تأكد مسؤولية الشرطة، بالاعتذار.
وحسب إحصاءات وزارة الداخلية، التي تشكك فيها حركة السترات الصفراء، فإن عدد المتظاهرين في عموم فرنسا، هذا اليوم، بلغ 33 ألفاً و700 متظاهر، من بينهم 4000 في باريس.
أما إحصاءات حركة "السترات الصفراء" فتتحدث عن 102 ألف و713 متظاهرا، وتتوعد بجولات أخرى قادمة، وكأنّ "الحوار الوطني الكبير" لم يمر من هنا.
ومع تواصل الحراك، مع التفاف شعبي مستمر من حوله، بدأ اليمين الكلاسيكي، المتمثل في حزب "الجمهوريون"، يَفقد صبره، وهو الذي بدأ يطالب بعد بضعة أسابيع فقط من الحراك، بإيقافه بالقوة، وهو ما كرره إيريك سيوتي وكريستيان إيستروزي، في نوع من الابتزاز والمزايدة، عبر المطالبة بإعادة فرض حالة الطوارئ، وما يعنيه من إيقاف للتظاهرات.
كما منعت السلطات الأمنية في سانت إتيان (وسط شرق)، تولوز (جنوب غرب)، ابينال (شرق) وروان (شمال غرب)، التظاهرات، تجنباً لأعمال عنف ونهب. وفي ليل (شمال)، منعت السلطات الأمنية أيضاً "التظاهرات والتجمعات" في "بعض شوارع وسط المدينة"، غير أنّها سمحت بمسار بديل.
وتظاهر، يوم السبت الماضي، 40500 شخص في فرنسا، بينهم خمسة آلاف في باريس، بحسب أرقام وزارة الداخلية التي يشكك فيها تحرك "السترات الصفراء"، والذي أشار بدوره إلى مشاركة 127212 في عموم البلاد.
شكوى المصارف
وفي مقالة نشرتها صحيفة "لوموند"، السبت، دعت المصارف الفرنسية، من جانبها، إلى وقف أعمال العنف التي سبق أن استهدفت مئات من فروعها، على هامش أيام التعبئة خلال تظاهرات "السترات الصفراء".
وقال الأعضاء الستة في اللجنة التنفيذية للاتحاد المصرفي الفرنسي، المنظمة المهنية التي تضم كل المصارف في فرنسا، "لقد آن الأوان بالنسبة للجميع لكي يدينوا الأعمال التي ترتكب بحق المصارف".
وهؤلاء الأعضاء الستة هم رؤساء أكبر مصارف فرنسية (بي بي سي إي، وبي إن بي باريبا، وكريديه موتيويل، وبنك بوستال، وكريدي آغريكول، وسوسيتيه جنرال).
وكتبوا في المقالة "نطالب بتوفير الشروط لكي يتمكن زملاؤنا وكذلك التجار من ممارسة أعمالهم بكل أمان وهدوء، بما فيه فائدة زبائنهم". وقالوا "منذ أكثر من أربعة أشهر، تعرضت مئات الفروع الواقعة في أسفل مبان أو على زوايا طرقات وفي وسط المدن لأعمال تخريب ونهب وإحراق، وتم تهديد موظفينا المصرفيين جسدياً".
وتعرضت أكثر من 760 مؤسسة مصرفية لأعمال عنف، منذ بدء حركة الاحتجاج.