القرار، الذي دخل حيّز التنفيذ فعليا، بدأ بشكل تدريجي، إذ لن يكون انسحابا كاملا من جميع المدن في وقت واحد، وإنما تتم دراسة وضع كل مدينة أمنيا، واتخاذ قرار على ضوئه بالانسحاب وتسليم المهمة للشرطة أو البقاء بها.
ولا يتوقع أن يشمل في الوقت الحالي، أو خلال العامين المقبلين على الأقل، المدن المحررة قريبا من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي شمال وغرب البلاد.
وبحسب مدير الإعلام في وزارة الدفاع العراقية، اللواء تحسين الخفاجي، فقد "بدأ الجيش بالفعل تسليم الملف الداخلي في بعض المحافظات، والانسحاب إلى معسكرات خاصة، وفقا للقرار المتخذ بذلك"، مبينا "سيتم تسليم الملف الأمني لوزارة الداخلية".
وأكد أنّ "انسحاب الجيش باتجاه المعسكرات خارج المدن هو السياق الصحيح، وقد كان وجوده داخل المدن نظرا لحاجة وزارة الداخلية إلى الدعم والإسناد"، مؤكدا "استعداد الجيش لتسليم الملف كاملا للداخلية متى ما أصبحت جاهزة لذلك".
وأشار الخفاجي، في تصريح نقلته وسائل إعلام محلية عراقية، الخميس، إلى أنّ "تسليم الملف الأمني إلى الشرطة المحلية في كل المحافظات هو من الأولويات التي يعمل لأجلها رئيس الحكومة ووزير الدفاع، الذي أكد على ذلك منذ تسنمه المنصب".
ويؤكد مسؤولون في وزارة الدفاع أنّ "قوات الجيش ستكون في الوقت الحالي على مقربة من المدن وجاهزة لإسناد الشرطة المحلية، في حال حدوث أي طارئ بشكل لا يتجاوز بضع دقائق للوصول إلى أي مكان بتلك المدن".
وبحسب ضابط في الجيش، فإن "الانسحاب سيكون بمحيط المدن والبلدات بشكل ملاصق، ويكون بمثابة جدار أمني على باب أو حدود كل مدينة، وسيكون الجيش جاهزا للتدخل خلال دقائق في حال حدوث أي هجوم أو اعتداء، أو تطلب الأمر مساعدة الشرطة بأي طارئ"، معتبرا أن إخلاء الأحياء السكنية والابتعاد عن الأسواق والتجمعات المدنية بشكل عام من قبل الجيش يمنح شعورا للمواطنين بتحسن الأمن ويخفف من الظواهر المسلحة في الشارع".
وأوضح أنّه "تم نقل بعض القطعات العسكرية المقاتلة خارج المدن مع سلاحها، وقد سبقت ذلك مداولة بين قيادات الجيش والشرطة في الخطط الأمنية، وخطط التسليح الذي تحتاجه الشرطة المحلية لإدارة الملف"، مشيرا إلى أنّ "الخطوة ستكون بمثابة اختبار تجريبي لقدرات وزارة الداخلية، وفي حال نجاحها بإدارة الملف، فسيتم الشروع بتطبيق القرار والانسحاب الشامل للجيش من المدن".
وحول مليشيات "الحشد الشعبي" وما إذا ستتخذ الخطوة نفسها، قال: "هذا قرار الجيش ولا علم لنا بمخططات "الحشد"، لكن عمليا أغلب المدن آمنة ولا حاجة لكل هذه الحشود".
وستكون لخطوة إخلاء المدن العراقية من الجيش تأثيرات واضحة في تقسيم المهام الأمنية وفقا للمنظور العسكري، بحسب مختصين.
وقال الخبير الأمني عبد الجبار الخزرجي، وهو ضابط كبير في الجيش العراقي السابق، إنّ "دخول الجيش إلى المدن لا يتم إلا في حال وجود ظرف أمني طارئ يستدعي ذلك، وفقا للعرف العسكري"، مبينا لـ"العربي الجديد"، أنّ "القرار خطوة جيدة في إطار تنظيم عمل المؤسسة الأمنية العراقية وتوزيع المهام بين الجهات الأمنية الرسمية".
وأكد أنّ "الملف الأمني الداخلي كان يدار سابقا بشكل عشوائي، من قبل وزارتي الدفاع والداخلية بكافة تشكيلاتهما، وفصائل المليشيات أيضا، ولم تستطع الحكومة أن تحاسب أي جهة على أي خلل أمني لاشتراكها جميعا"، مبينا أن "القرار ستكون له انعكاسات واضحة على إدارة ملف المدن".
يشار إلى أنّ دخول الجيش العراقي (وهو الجيش الجديد الذي شكّل بأمر الحاكم العسكري للعراق بول بريمر بعد احتلال العراق 2003 وقرار حل الجيش) وتسلمه إدارة المهام الأمنية الداخلية مع وزرة الداخلية، كانا بسبب التدهور الأمني في عموم مدن البلاد، وظل الأمن الداخلي طيلة السنوات السابقة هشّا، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة على البلاد اتخاذ قرار إخراج الجيش من المدن، وهو ما يجعل الخطوة الحالية مؤشرا على وجود تحسن أمني حقيقي في البلاد.