13 نوفمبر 2024
الحاجة إلى أحمد آبي مغاربي
التقارب التاريخي بين إثيوبيا وإريتريا الذي توج قبل يومين بزيارة تاريخية لرئيس وزراء إثيوبيا أراضي إريتريا، وإعلان انتهاء الحرب التي استمرت بين البلدين منذ 1961، ما كان ليتحقق لولا وجود رئيس وزراء إثيوبي، اسمه أحمد آبي. ولا غرو أن يصف المراقبون زيارته إلى إريتريا هذا الأسبوع بالتاريخية، واليوم الذي تحققت فيه بأنه يوم تاريخي في حياة القارة السمراء، لأنه استطاع أن يواجه واحدا من أعنف النزاعات في القرن الأفريقي وأطولها، ويضع اللبنة الأولى لإعادة تشكيل العلاقات بين بلدين جارين، جمعتهما الجغرافيا، وفرّقت بينهما الحروب الدامية عقودا.
منذ مطلع الستينيات، عاش البلدان صراعات دامية، أدت إلى اندلاع حروب مدمرة بينهما، استمرت عدة عقود، وذهب ضحيتها أكثر من ربع مليون قتيل، وأتت على مقدّرات البلدين. وأكثر من ذلك، أهدرت كثيرا من الوقت والفرص الضائعة على شعبي البلدين، وعلى القارة السمراء. وعلى الرغم من انفصالهما منذ عام 1993، ظلت الحدود مغلقة بينهما، والصراع مستمرا على شكل حرب استنزاف مدمرة، عطلت التنمية الاقتصادية في البلدين اللذين يعاني شعباهما من الفقر والحاجة، حتى قرّر رئيس وزراء إثيوبيا الجديد، أحمد آبي، وضع حد لسنين طويلة من العبث، بزيارة جعلت العالم يحييه على شجاعته وبعد نظره.
ومنذ وصوله إلى الحكم في شهر مارس/ آذار الماضي، ورئيس الوزراء الإثيوبي الشاب (41 سنة)، وهو يبهر العالم بخطواته الثابتة نحو إنهاء عقود من الحروب والصراعات مع جيران بلده التي استنزفت كثيرا من الوقت والمقدرات وأضاعتها على بلدان المنطقة وشعوبها، فقد نجح آبي، منذ وصوله إلى رئاسة وزراء بلده، في تحسين علاقاتها الاقتصادية مع جيبوتي وكينيا والصومال، وجاء التطبيع مع إريتريا، ليتوّج مسارا ناجحا من العمل، يفتح آفاق العمل مستقبلا لشعوب المنطقة، وفي الوقت نفسه يعطي النموذج لشعوب القارة السمراء التي ما زال كثير منها يعاني من إرث صراعاتٍ عبثيةٍ قديمةٍ تشبه إلى حد كبير تلك التي كانت تكبل طاقات إثيوبيا وإريتريا، وتعرقل تنمية اقتصادهما وتطور شعبيهما.
نجحت زيارة أحمد آبي إلى أريتريا، في الأسبوع الجاري، خلال ساعات، في منح بلاده منفذا استراتيجيا مستقرّا على البحر الأحمر، عبر الأراضي الإريترية، وهو المطلب الذي كان الساسة في إثيوبيا، قبل رئيس وزرائها الحالي، يسعون إلى تحقيقه عبر حروبهم المدمرة وخططهم الجهنمية الساعية إلى تفكيك إريتريا، وإضعاف شعبها، للوصول إلى بحرها! لذلك يقال دائما إن الحروب لا تحل المشكلات، وإنما تؤجلها، ومع كل تأجيل يضيع وقت كثير من زمن الشعوب والدول، أما السلم فهو عملية دينامية متسارعة، ما إن ينطلق حتى تبدأ في التقارب وتكسير الجليد ومحو آثار الماضي الكئيب.
ما كان لهذه الدينامية أن ترى النور وتتحقق لولا وجود شخصية شعبية وكاريزمية، لديها مصداقية معترف بها، مثل أحمد آبي، على رأس دولة كبيرة وتاريخية مثل إثيوبيا. فقبل توليه رئاسة وزراء بلاده كانت إثيوييا على وشك الدخول في حرب أهلية مدمرة، ما دفع رئيس الوزراء السابق، هايلا مريام ديسالين، إلى الاستقالة، تحت وقع احتجاجات عارمة أجبرته على الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين في البلاد، ما مهد الطريق أمام أحمد آبي للانطلاق بإثيوبيا الجديدة نحو بناء مستقبلٍ يقوم على المصالحة مع الداخل، والتطبيع مع الجوار.
دشن آبي سياسته الخارجية بترسيم الحدود مع إريتريا، وتطبيع العلاقات معها وفتح أول سفارتين في البلدين، وزيارة القاهرة وتهدئة الوضع معها عبر إعادة التفاوض حول سد النهضة. وعلى المستوى الداخلي، بدأ آبي بتطهير البلاد من الداخل من الفساد، وتخليصها من سيطرة قوى الأمن والمخابرات التي كانت تحكم من وراء الستار، وأدى حكمها إلى ارتكاب خروقات كثيرة في مجال حقوق الإنسان، وأعلن أمام البرلمان عن إدانته للدور القذر الذي اضطلعت به قوى المخابرات وأمن بلده على مر العقود الماضية في تغذية الخلافات الداخلية بين القبائل والأعراق الإثيوبية الكبيرة، وفي استمرار حرب استنزافٍ طويلة الأمد بسبب نزاع إثيوبيا مع جيرانها. وخلال فترة قصيرة نسبيا، أعطى آبي عدة إشارات قوية إلى الداخل والخارج، بدأ بإقالة قائدي الجيش والمخابرات، وفتح باب الحياة السياسية لمشاركة المعارضة، وحرّر الإعلام من القيود التي كانت تمارس على حريته، وحرّك عجلة التنمية الشاملة في البلاد. ولذلك يعتقد أن محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي ما هي سوى ردة فعل "الدولة العميقة" في إثيوبيا التي أزعجتها نجاحاته على المستويين الداخلي والخارجي، لأنها لا تريد أن تفقد مزاياها ومصالحها التي كانت تتغذى من الإبقاء على الخلافات الداخلية، وإطالة أمد الصراعات الخارجية.
كان الصراع الإثيوبي الإريتري من أطول الصراعات وأعنفها في القارة السمراء، ذهب ضحيته الآلاف، ودمر اقتصاد دولتين كبيرتين، وعطل تنمية شعبيهما وتطورهما عدة عقود. وعلى الرغم من البون الشاسع في المقارنة بينه وبين صراع آخر ما زال يعيق تنمية شمال أفريقيا، إلا أن الخلاف المغربي الجزائري يشبه في كثير من مناحيه الصراع الذي كان يفرق
بين إثيوبيا وإرتيريا. فكلا الصراعين، الإثيوبي الإريتري والجزائري المغربي، عمّر طويلا، الأول منذ 1961، والثاني منذ "حرب الرمال" عام 1963، وللأسباب ذاتها: ترسيم الحدود الموروثة عن الاستعمار، وبحث الجزائر عن منفذ على المحيط الأطلسي، وكلاهما خلف الآلاف من الضحايا، وعرقل تنمية البلدان الأربعة، وعطل تطور شعوبها.
والمفارقة أنه، في بداية الصراع المغربي الجزائري، تدخّل إمبراطور إثيوبيا السابق، هيلاسيلاسي، للتوسط بين البلدين المغاربيين، لوقف الحرب بينهما عام 1963، لتستمر حرب أخرى صامتة هي حرب الاستنزاف من الجانبين، وإلى يوم الناس هذا. كما أن وقف إطلاق النار بين إثيوبيا وإريتريا عام 1993 يعود الفضل فيه إلى وساطة الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة. واليوم ما أحوج المغرب والجزائر إلى شخصيةٍ مثل أحمد آبي، قادر على طي خلافات الماضي، والعبور بالبلدين المغاربيين من حالة الصراع والحرب الصامتة نحو أفق بناء علاقات جديدة مفتوحةٍ على المستقبل، تضع في أولويتها تنمية اقتصاد البلدين، وتطور شعبيهما وتقدمهما، وتنهي مع عقودٍ من هدر الفرص وضياع الوقت الذي لا يقدّر بثمن.
منذ مطلع الستينيات، عاش البلدان صراعات دامية، أدت إلى اندلاع حروب مدمرة بينهما، استمرت عدة عقود، وذهب ضحيتها أكثر من ربع مليون قتيل، وأتت على مقدّرات البلدين. وأكثر من ذلك، أهدرت كثيرا من الوقت والفرص الضائعة على شعبي البلدين، وعلى القارة السمراء. وعلى الرغم من انفصالهما منذ عام 1993، ظلت الحدود مغلقة بينهما، والصراع مستمرا على شكل حرب استنزاف مدمرة، عطلت التنمية الاقتصادية في البلدين اللذين يعاني شعباهما من الفقر والحاجة، حتى قرّر رئيس وزراء إثيوبيا الجديد، أحمد آبي، وضع حد لسنين طويلة من العبث، بزيارة جعلت العالم يحييه على شجاعته وبعد نظره.
ومنذ وصوله إلى الحكم في شهر مارس/ آذار الماضي، ورئيس الوزراء الإثيوبي الشاب (41 سنة)، وهو يبهر العالم بخطواته الثابتة نحو إنهاء عقود من الحروب والصراعات مع جيران بلده التي استنزفت كثيرا من الوقت والمقدرات وأضاعتها على بلدان المنطقة وشعوبها، فقد نجح آبي، منذ وصوله إلى رئاسة وزراء بلده، في تحسين علاقاتها الاقتصادية مع جيبوتي وكينيا والصومال، وجاء التطبيع مع إريتريا، ليتوّج مسارا ناجحا من العمل، يفتح آفاق العمل مستقبلا لشعوب المنطقة، وفي الوقت نفسه يعطي النموذج لشعوب القارة السمراء التي ما زال كثير منها يعاني من إرث صراعاتٍ عبثيةٍ قديمةٍ تشبه إلى حد كبير تلك التي كانت تكبل طاقات إثيوبيا وإريتريا، وتعرقل تنمية اقتصادهما وتطور شعبيهما.
نجحت زيارة أحمد آبي إلى أريتريا، في الأسبوع الجاري، خلال ساعات، في منح بلاده منفذا استراتيجيا مستقرّا على البحر الأحمر، عبر الأراضي الإريترية، وهو المطلب الذي كان الساسة في إثيوبيا، قبل رئيس وزرائها الحالي، يسعون إلى تحقيقه عبر حروبهم المدمرة وخططهم الجهنمية الساعية إلى تفكيك إريتريا، وإضعاف شعبها، للوصول إلى بحرها! لذلك يقال دائما إن الحروب لا تحل المشكلات، وإنما تؤجلها، ومع كل تأجيل يضيع وقت كثير من زمن الشعوب والدول، أما السلم فهو عملية دينامية متسارعة، ما إن ينطلق حتى تبدأ في التقارب وتكسير الجليد ومحو آثار الماضي الكئيب.
ما كان لهذه الدينامية أن ترى النور وتتحقق لولا وجود شخصية شعبية وكاريزمية، لديها مصداقية معترف بها، مثل أحمد آبي، على رأس دولة كبيرة وتاريخية مثل إثيوبيا. فقبل توليه رئاسة وزراء بلاده كانت إثيوييا على وشك الدخول في حرب أهلية مدمرة، ما دفع رئيس الوزراء السابق، هايلا مريام ديسالين، إلى الاستقالة، تحت وقع احتجاجات عارمة أجبرته على الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين في البلاد، ما مهد الطريق أمام أحمد آبي للانطلاق بإثيوبيا الجديدة نحو بناء مستقبلٍ يقوم على المصالحة مع الداخل، والتطبيع مع الجوار.
دشن آبي سياسته الخارجية بترسيم الحدود مع إريتريا، وتطبيع العلاقات معها وفتح أول سفارتين في البلدين، وزيارة القاهرة وتهدئة الوضع معها عبر إعادة التفاوض حول سد النهضة. وعلى المستوى الداخلي، بدأ آبي بتطهير البلاد من الداخل من الفساد، وتخليصها من سيطرة قوى الأمن والمخابرات التي كانت تحكم من وراء الستار، وأدى حكمها إلى ارتكاب خروقات كثيرة في مجال حقوق الإنسان، وأعلن أمام البرلمان عن إدانته للدور القذر الذي اضطلعت به قوى المخابرات وأمن بلده على مر العقود الماضية في تغذية الخلافات الداخلية بين القبائل والأعراق الإثيوبية الكبيرة، وفي استمرار حرب استنزافٍ طويلة الأمد بسبب نزاع إثيوبيا مع جيرانها. وخلال فترة قصيرة نسبيا، أعطى آبي عدة إشارات قوية إلى الداخل والخارج، بدأ بإقالة قائدي الجيش والمخابرات، وفتح باب الحياة السياسية لمشاركة المعارضة، وحرّر الإعلام من القيود التي كانت تمارس على حريته، وحرّك عجلة التنمية الشاملة في البلاد. ولذلك يعتقد أن محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي ما هي سوى ردة فعل "الدولة العميقة" في إثيوبيا التي أزعجتها نجاحاته على المستويين الداخلي والخارجي، لأنها لا تريد أن تفقد مزاياها ومصالحها التي كانت تتغذى من الإبقاء على الخلافات الداخلية، وإطالة أمد الصراعات الخارجية.
كان الصراع الإثيوبي الإريتري من أطول الصراعات وأعنفها في القارة السمراء، ذهب ضحيته الآلاف، ودمر اقتصاد دولتين كبيرتين، وعطل تنمية شعبيهما وتطورهما عدة عقود. وعلى الرغم من البون الشاسع في المقارنة بينه وبين صراع آخر ما زال يعيق تنمية شمال أفريقيا، إلا أن الخلاف المغربي الجزائري يشبه في كثير من مناحيه الصراع الذي كان يفرق
والمفارقة أنه، في بداية الصراع المغربي الجزائري، تدخّل إمبراطور إثيوبيا السابق، هيلاسيلاسي، للتوسط بين البلدين المغاربيين، لوقف الحرب بينهما عام 1963، لتستمر حرب أخرى صامتة هي حرب الاستنزاف من الجانبين، وإلى يوم الناس هذا. كما أن وقف إطلاق النار بين إثيوبيا وإريتريا عام 1993 يعود الفضل فيه إلى وساطة الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة. واليوم ما أحوج المغرب والجزائر إلى شخصيةٍ مثل أحمد آبي، قادر على طي خلافات الماضي، والعبور بالبلدين المغاربيين من حالة الصراع والحرب الصامتة نحو أفق بناء علاقات جديدة مفتوحةٍ على المستقبل، تضع في أولويتها تنمية اقتصاد البلدين، وتطور شعبيهما وتقدمهما، وتنهي مع عقودٍ من هدر الفرص وضياع الوقت الذي لا يقدّر بثمن.