09 سبتمبر 2024
الحالة السورية وتذبذب الموقف السياسي
شهدت الحالة السورية تحليلات ومواقف وآراء عديدة نقدية، على خلفية الهزيمة العسكرية في مدينة حلب، حاولت جميعها تحديد أبرز النقاط والمواقف الواجب تصحيحها، لكي تعود الثورة السورية إلى سكة الانتصارات، وتحقيق أهدافها المنشودة في نهاية المطاف. ومنها على سبيل الذكر، لا الحصر، نقد الاستراتيجية العسكرية القائمة على تحرير المدن والبلدات السورية من سيطرة النظام والمليشيات المتحالفة معه، على خلفية تعامل القوى الحليفة للنظام مع هذه المناطق، والمستندة إلى سياسة الأرض المحروقة، والتدمير والحصار الشامل الذي يؤدي إلى أشكال عديدة من المعاناة والصعوبات للسوريين المقيمين في هذه المناطق، كما طاول النقد الموقف الثوري من القوى الجهادية والإسلامية المتشدّدة، وفقاً لممارساتها الاستبدادية في مناطق سيطرتها، والتي تشي بعدائها الصارخ مع الثورة الأصيلة، في مقابل تعامل أقرب إلى المهادنة مع النظام والمليشيات الحليفة له، وكذلك الأمر بالنسبة لتبعية المجموعات والفصائل المطلقة للقوى الدولية والإقليمية الداعمة لها، حتى باتت تمثل مصالح الداعمين على حساب مصالح السوريين.
غير أن إطلاق معركة شرق دمشق الأخيرة من تحالف القوى والكتائب الإسلامية والجهادية قد دفع عديدين إلى نسيان انتقاداتهم ودعواتهم السابقة، لنشهد اندفاعا إلى التغني بالتقدم اللحظي الذي حصل، ما يضيف فصلا جديداً من التخبط والعشوائية في التعاطي مع الثورة والأحداث السورية. هذه العشوائية التي تهلل للنهج نفسه الذي ثبت خطأه لمجرد تحقيق بعض الانتصارات على قوات النظام وتكبيد رجاله والمليشيات المتحالفة معه، والسوريين القاطنين في الأماكن الخاضعة لسيطرته بعض الخسائر البشرية والمادية والنفسية، مما يكشف عدم جدية الكثير من الانتقادات والدعوات السابقة، ويعيدها إلى موضعها الطبيعي كردة فعل عاطفي غير مبنيٍّ على التحليل العلمي والمنهجي للثورة وللقوى والأطراف الفاعلة على الساحة السورية، إذ يدفعنا هذا الاحتفاء بتقدم جبهة النصرة وأخواتها نحو الطرف الشرقي لمدينة دمشق، وكأنه بصيص الأمل الثوري في الليل الأسود، إلى التساؤل هل كل هزيمة، ولو شكلية، للنظام تصب في خدمة الثورة، وهل للهزيمة على أطراف العاصمة دمشق مكانتها الخاصة؟
تستند أصوات منتشية بتقدم الفصائل الإسلامية داخل مدينة دمشق إلى أن تحرير العاصمة يعني هزيمة أي نظام أو سلطة قائمة في أي حرب، على اعتبار أن العاصمة هي المركز الذي تجتمع داخله جميع خيوط وأدوات وقيادات السلطة الإعلامية والسياسية والعسكرية والأمنية. بينما في الواقع نجد للعاصمة السورية دمشق رمزية سياسية وإعلامية ومعنوية فقط، نتيجة انهيار النظام السوري عمليا وتحوله إلى مجموعات ومليشيات متعدّدة المرجعيات والقيادات، وخصوصاً إيرانية وروسية، كما أن مراكز قوة النظام الإعلامية والسياسية والأمنية تتركز في الطرف الآخر من العاصمة السورية، أما الثقل العسكري فهو على أعلى سفوح الجبال المحيطة بمدينة دمشق، وبالتالي، فإن العاصمة تعد صيداً سهلا للنظام عند أي حاجة لقصفها وتدميرها، وهو ما لا يمكن استبعاده على النظام السوري وحلفائه الدوليين الذين حولوا غالبية المدن والبلدات السورية إلى خراب، والذين لم يتردّدوا في تلويث مصدر المياه الوحيد لدمشق قبل بضعة أشهر فقط. كما أن معسكرات النظام الرئيسية "الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة" لم تتعرّض لأي خطر حقيقي، مع العلم أن أقرب وجود للمعارضة المسلحة منهما كان في مدينتي داريا والمعضمية اللتين تمت خيانتهما على مدار الأشهر والسنوات السابقة من القوى المهاجمة اليوم وغيرها.
ثم من يضمن عدم إعادة تجربة حلب في دمشق، حيث لم تمض بضعة أيام على إعلان جبهة النصرة، وبعض القوى المتحالفة معها، بداية معركة فك الحصار عن مدينة حلب، وتوحيدها بعد تحرير أحد الأجزاء المتبقية تحت سيطرة النظام السوري وحلفائه، حتى شهدنا الانهيار السريع في قواها وقبولها باتفاق الانسحاب من المدينة، من دون الاكتراث لمصير السكان
المدنيين الذين تم الاتفاق على إجلائهم، بعد خروج جبهة النصرة، ليتعرّض المدنيون إلى شتى أشكال الإذلال والتنكيل والقتل والاعتقال من المليشيات المحسوبة على النظام السوري. وهذا الدور القذر لجبهة النصرة في إهمالها وتقصيرها في حماية المدنيين، واهتمامها بتأمين انسحابها فقط، ليس السلوك الوحيد الذي يؤكد أن هذه القوى والفصائل تقف على النقيض من الثورة السورية والسوريين، ولنا في الممارسات والسلوكيات والقوانين التي تفرضها هذه القوى على المدنيين السوريين المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتتراوح بين حملات الاعتقال التعسفية، والاغتيال أحيانا، بحق الناشطين الثوريين، وبحق أي شخص يعبر عن رفضه ممارساتهم وامتعاضها منهم أكبر مثال، بالإضافة إلى فرض الإتاوات وفرض عاداتها على المجتمع من نمط اللباس إلى حظر التدخين، واحتكار السلع الغذائية والطبية وتخزينها، ما يفاقم المعاناة الإنسانية في مناطقها، وكذلك نشهد إقدام الجهاديات على خوض صراعات عديدة فيما بينها، تحت ذرائع شرعية، وبغية زيادة عائداتها المالية من حركة القوافل التجارية من المدن المحاصرة وإليها، أو من أجل السيطرة على بعض البلدات ذات المميزات الاقتصادية، كالبلدات النفطية والحدودية.
وعليه، يمكن بسهولة الخلوص إلى أن إجرام الجماعات الجهادية لا يقل عن إجرام النظام، خصوصاً بعدما تبين أن ما تعجز عنه هذه الجماعات يتكفل به النظام والقوى الدولية. لذا لا يمكننا الاستمرار في الانجرار خلف مشاعرنا العاطفية، ورغباتنا في القصاص والخلاص، من دون الاحتكام إلى التحليل العلمي والمنهجي في التعاطي مع الأحداث والحالة السورية. وهو ما يفرض القطع النهائي مع كل من النظام والتنظيمات الجهادية والقوى التابعة والمقادة من الداعمين الذين يتبادلون الأدوار والمهام في تدمير سورية وتدمير الثورة السورية.
غير أن إطلاق معركة شرق دمشق الأخيرة من تحالف القوى والكتائب الإسلامية والجهادية قد دفع عديدين إلى نسيان انتقاداتهم ودعواتهم السابقة، لنشهد اندفاعا إلى التغني بالتقدم اللحظي الذي حصل، ما يضيف فصلا جديداً من التخبط والعشوائية في التعاطي مع الثورة والأحداث السورية. هذه العشوائية التي تهلل للنهج نفسه الذي ثبت خطأه لمجرد تحقيق بعض الانتصارات على قوات النظام وتكبيد رجاله والمليشيات المتحالفة معه، والسوريين القاطنين في الأماكن الخاضعة لسيطرته بعض الخسائر البشرية والمادية والنفسية، مما يكشف عدم جدية الكثير من الانتقادات والدعوات السابقة، ويعيدها إلى موضعها الطبيعي كردة فعل عاطفي غير مبنيٍّ على التحليل العلمي والمنهجي للثورة وللقوى والأطراف الفاعلة على الساحة السورية، إذ يدفعنا هذا الاحتفاء بتقدم جبهة النصرة وأخواتها نحو الطرف الشرقي لمدينة دمشق، وكأنه بصيص الأمل الثوري في الليل الأسود، إلى التساؤل هل كل هزيمة، ولو شكلية، للنظام تصب في خدمة الثورة، وهل للهزيمة على أطراف العاصمة دمشق مكانتها الخاصة؟
تستند أصوات منتشية بتقدم الفصائل الإسلامية داخل مدينة دمشق إلى أن تحرير العاصمة يعني هزيمة أي نظام أو سلطة قائمة في أي حرب، على اعتبار أن العاصمة هي المركز الذي تجتمع داخله جميع خيوط وأدوات وقيادات السلطة الإعلامية والسياسية والعسكرية والأمنية. بينما في الواقع نجد للعاصمة السورية دمشق رمزية سياسية وإعلامية ومعنوية فقط، نتيجة انهيار النظام السوري عمليا وتحوله إلى مجموعات ومليشيات متعدّدة المرجعيات والقيادات، وخصوصاً إيرانية وروسية، كما أن مراكز قوة النظام الإعلامية والسياسية والأمنية تتركز في الطرف الآخر من العاصمة السورية، أما الثقل العسكري فهو على أعلى سفوح الجبال المحيطة بمدينة دمشق، وبالتالي، فإن العاصمة تعد صيداً سهلا للنظام عند أي حاجة لقصفها وتدميرها، وهو ما لا يمكن استبعاده على النظام السوري وحلفائه الدوليين الذين حولوا غالبية المدن والبلدات السورية إلى خراب، والذين لم يتردّدوا في تلويث مصدر المياه الوحيد لدمشق قبل بضعة أشهر فقط. كما أن معسكرات النظام الرئيسية "الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة" لم تتعرّض لأي خطر حقيقي، مع العلم أن أقرب وجود للمعارضة المسلحة منهما كان في مدينتي داريا والمعضمية اللتين تمت خيانتهما على مدار الأشهر والسنوات السابقة من القوى المهاجمة اليوم وغيرها.
ثم من يضمن عدم إعادة تجربة حلب في دمشق، حيث لم تمض بضعة أيام على إعلان جبهة النصرة، وبعض القوى المتحالفة معها، بداية معركة فك الحصار عن مدينة حلب، وتوحيدها بعد تحرير أحد الأجزاء المتبقية تحت سيطرة النظام السوري وحلفائه، حتى شهدنا الانهيار السريع في قواها وقبولها باتفاق الانسحاب من المدينة، من دون الاكتراث لمصير السكان
وعليه، يمكن بسهولة الخلوص إلى أن إجرام الجماعات الجهادية لا يقل عن إجرام النظام، خصوصاً بعدما تبين أن ما تعجز عنه هذه الجماعات يتكفل به النظام والقوى الدولية. لذا لا يمكننا الاستمرار في الانجرار خلف مشاعرنا العاطفية، ورغباتنا في القصاص والخلاص، من دون الاحتكام إلى التحليل العلمي والمنهجي في التعاطي مع الأحداث والحالة السورية. وهو ما يفرض القطع النهائي مع كل من النظام والتنظيمات الجهادية والقوى التابعة والمقادة من الداعمين الذين يتبادلون الأدوار والمهام في تدمير سورية وتدمير الثورة السورية.