* أين تكمن أهمية تحقيق السلام في مالي بالنسبة لدول الجوار؟
دائماً ما تؤثر تداعيات الأزمة في مالي على دول الجوار، على مختلف الأصعدة الأمنية والاقتصادية والسياسية. مالي ليست بعيدة عن تونس أو الجزائر، خصوصاً إذا أدركنا أن مجموعات مسلّحة مثل المرابطون وأنصار الدين وتنظيم القاعدة بالمغرب العربي، ترابض في شمالها. وهي تُشكّل خطراً مباشراً على جميع دول المنطقة. ولهذا عندما تمكنّا من التوصّل إلى اتفاق بين الحركات الأزوادية وحكومة مالي، فقد عزلنا هذه التنظيمات، ووفّرنا المجال لتوجيه ضربات عسكرية سهلة لقواعدها. إن استقرار مالي هو استقرار لغرب إفريقيا ولشمالها أيضاً.
كذلك توجد ارتباطات وثيقة بين ما يجري في مالي وبين ما يجري في ليبيا، وتتوفّر لدينا معلومات مؤكدة وموثّقة، تُفيد بوجود تعاون بين التنظيمات في البلدين. لا تعترف هذه التنظيمات بحدودٍ ولا بجنسيات، ولهذا نعتقد بأن حلّ أزمة مالي سيكون له تداعيات إيجابية على الدول المجاورة، بما في ذلك تونس. بالتالي بذلت الجزائر أقصى ما في وسعها، من أجل دفع الأطراف داخل مالي إلى الحوار والتوافق، وشجّعت أيضاً على التعاون مع الأمم المتحدة، ومع وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة ومعي، وهو ما ساعدنا كثيراً على التوصل إلى الاتفاق، الذي وصفه مجلس الأمن بـ"التاريخي"، ومن شأنه أن يفضي إلى إنهاء الأزمة نهائياً. خصوصاً أن جذور الأزمة تعود إلى مطلع ستينات القرن الماضي، وبفضل هذا الاتفاق بات هناك أمل جدّي للشروع عملياً في إنهاء النزاع المسلّح الذي استمر كل هذا الوقت. وفي رأيي لذلك نتائج هامة جداً على الصعيد الإقليمي، لأن الأزمة الليبية لن تُحلّ إلا حين تتم تسوية أزمة مالي، ومن جهة أخرى لن يهدأ الوضع في تونس إلا إذا استعادت ليبيا هدوءها واستقرارها.
* يفهم من كلامكم أن إغلاق ملف مالي من شأنه أن يعجل بتسوية الأزمة السياسية والأمنية داخل ليبيا؟
نعم، لأن إنهاء حالة الاقتتال بين مكوّنات المجتمع في مالي، من شأنه أن يُسهّل معالجة الأزمة بين الأطراف الليبية، وسينعكس ذلك إيجاباً على الأوضاع داخل تونس.
اقرأ أيضاً: مالي .. هل يصمد الاتفاق مع الأزواد؟
* ما هي أبرز مقومات اتفاق مالي؟
يستند الاتفاق إلى أربعة محاور أساسية: البعد الأمني والبعد السياسي وحقوق الإنسان والبعد التنموي القائم على العدالة الاجتماعية. ومن شأن هذه الإجراءات تلبية الحدّ الأدنى من مطالب الحركات الأزوادية، التي تتشكّل أساساً من عرب وطوارق، والتي كانت تطالب بالاستقلال. لا يحقق لهم هذا الاتفاق الانفصال عن مالي، لكنه يضمن لهم العديد من المطالب المشروعة، مثل حقهم في التنمية، وحقهم في تسيير شؤونهم بأنفسهم، وتأمين أمنهم بالاستناد إلى قواهم الذاتية. وقد انتهجت في التفاوض معهم أسلوب المراحل، الذي اعتمده الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، الذي سبق له أن زار شمال مالي في العام 1964. وعندما زرت تمبكتو وجدت إمام الجامع الكبير الذي كان أول مسجد إفريقي بني في العام 1325، وأطلعني على صورة والده، الذي كان أيضاً إماماً لنفس المسجد وهو إلى جانب بورقيبة. ولو لم تكن مالي مهمّة بالنسبة لتونس لما زارها الرئيس بورقيبة.
* هل هناك استعداد جدي من قبل الأطراف في مالي للالتزام بتنفيذ الاتفاق؟
كانت تنسيقية الحركات الأزوادية التي تضمّ جميع الحركات السياسية الحاملة للسلاح، آخر طرف يوقّع على الاتفاق. وقد أقنعنا قادتها بأهمية ما يُضمّنه الاتفاق لهم، من مطالب لصالح مواطنيهم، على أن يواصلوا المطالبة بتحقيق مطالبهم الأخرى عن طريق الوسائل السلمية. المهم أن يحمي الاتفاق السلامة الترابية لمالي ويعترف بحقوق الشعب المالي بشمال البلاد. وقد تم التوافق على ذلك رغم أنه لا يستجيب لجميع المطالب، لكنه يقطع الطريق أمام الفوضى ويوفر السلم لهذا البلد. وبذلك تكون تونس قد ساهمت في تسوية هذه الأزمة الخطيرة.
* إذا ما استقرت الأوضاع في مالي، كيف سينعكس ذلك على التنظيمات المسلحة التي تهدد غرب إفريقيا وشمالها؟
ما نتوقعه في هذا السياق، كنتيجة لتطبيق الاتفاق، هو تظافر الجهود من أجل عزل التنظيمات المسلّحة والجماعات الإجرامية. لن يكون ذلك أمراً سهلاً، لأنه ليس من مصلحة هذه الجماعات تحقيق السلم والاستقرار في مالي. وستعمل على عدم الالتزام بتنفيذ هذا الاتفاق. ولكن مع ذلك سيكون ضربهم أكثر يسراً، لوجود حوالي ثلاثة آلاف عسكري فرنسي، فالقوات التابعة للأمم المتحدة غير مفوّضة للحرب وإنما مُكلّفة بتحقيق السلم وحمايته، وبعثتنا تضمّ في صفوفها حوالي 14 ألف شخص بين عسكريين وأمنيين ومدنيين، وقد يرتفع الرقم إلى حدود 16 ألفا، بميزانية تتجاوز المليار دولار. ويشكل ذلك قوة كبيرة عسكرية ومدنية للمحافظة على السلم. وستساهم تونس في هذه القوة من خلال الأمنيين الذين تم انتدابهم، وقد يلتحق بهم جزء من العسكريين.
اقرأ أيضاً مالي: اتفاق السلم والمصالحة بين الآمال والمخاوف