تغزو اليوم المقاربات المتعدّدة التخصصات ميادين المعرفة، من التاريخ إلى علوم السياسة. لم يكن الأمر كذلك قبل عقود قليلة، رغم ذلك برزت محاولات عفوية لمدّ التخصّص الأصلي بروافد مختلفة، كما هو الحال مع المؤرخ التونسي الحبيب الجنحاني والذي كانت كتاباته ودراساته تفتح على مجالات الاقتصاد والسياسة والفكر الفلسفي والدراسات الحضارية، مثل "المغرب الإسلامي: الحياة الاقتصادية والاجتماعية" (1978) و"الحداثة والحرية" (2007).
مؤخراً، صدر في الكويت كتاب بعنوان "طائر الحرية.. الحبيب الجنحاني" (منشورات سعاد الصباح) كتكريم للمؤرّخ التونسي، تضمّن ثبتاً بيبليوغرافياً لأعماله ولقاء مطوّلاً معه، ذا طابع سيري يستعيد فيه الجنحاني مراحل تطوّره الفكري والسياسي، وجرى تقسيمه على مجموعة من الهجرات التي مثلت منعطفات في حياة الجنحاني (تونس، باريس، القاهرة، موسكو، فتونس مرة أخرى) ومكّنته من حالة انفتاح على جميع التيارات الفكرية والسياسية وفهم لها من الداخل.
كما تضمّن الكتاب مجموعة دراسات حول مشوار صاحب "المجتمع الإسلامي العربي: الأسس الاقتصادية والاجتماعية" من بين المشاركين فيها المؤرخ أحمد الحمروني، والناقدة المسرحية فوزية المزي، والإعلامي صلاح الدين الجورشي.
تُجمع هذه الدراسات والآراء على كون الجنحاني نموذجاً لمثقف عربي نجح في تخطّي الثنائية الأيديولوجية للقرن العشرين، بين يسار ويمين، وهي إشارة تفتح على ما يمكن اعتباره نقطة التركيز الأساسية في الشهادات حوله، وهو توازي نشاطه الفكري مع نشاطه السياسي، خصوصاً في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وهو ما يفسّر عنوان الكتاب.
يقف الإصدار عند العتبة الاحتفائية، فلا نجد قراءات نقدية في مؤلفات الجنحاني، كما أنه لا يمكن لهذه الشهادات أن تخرج بصورة مكتملة عنها، وربما كان أولى عند الإقدام على هكذا مشاريع رصد برنامج مدروس يفضي إلى عمل بيوغرافي شامل يمكن ان يكون مرجعياً في وقت لاحق.