الحج في زمن كورونا... الوباء يفرض موسماً مختصراً

30 يوليو 2020
عدد ضئيل سيحجّ مقارنة بالمواسم الاعتيادية (فرانس برس)
+ الخط -

كورونا فرض قواعد مختلفة في كل المجالات، وحتى الفريضة الإسلامية الأبرز لم تنجُ من هذه القواعد، إذ إنّ حجّ هذا العام في مكة والمدينة ومنى وعرفات، سيكون مختصراً جداً على صعيد الأعداد

قررت السلطات السعودية الامتثال للتعليمات الطبية والصحية ووقف تدفق الحجاج من شتى أنحاء العالم، خوفاً من تحول موسم الحج إلى بؤرة عالمية جديدة لانتشار فيروس كورونا الجديد في المنطقة والعالم حتى. وأعلنت السعودية أنّ موسم الحج هذا العام سيكون مقتصراً على السعوديين وعلى المقيمين في السعودية فقط وبأعداد محددة، بسبب إغلاق الحدود وتخوف السلطات الصحية في البلاد من انتشار العدوى في المشاعر المقدسة ونقلها إلى الملايين داخل المملكة وخارجها.

ومنذ بدء انتشار فيروس كورونا في المنطقة، ثارت عاصفة من التكهنات بشأن تعامل السلطات السعودية مع موسم الحج هذا العام. وهو الموسم الذي يمثل قوة سياسية وثقافية ناعمة ودخلاً اقتصادياً كبيراً، في الوقت التي تعاني فيه السعودية من مشاكل مالية نتيجة انخفاض أسعار النفط وزيادة أعباء تكاليف حرب اليمن عليها. لكنّ السلطات السعودية وجهت نصيحة لحجاج العالم الإسلامي في إبريل/ نيسان الماضي، بعدم الاستعجال في حجوزات الحج إلى حين التأكد من سلامة موقفها. وبالفعل، قررت الرياض في يونيو/ حزيران الماضي اقتصار الحج على السعوديين والمقيمين في السعودية، وهو قرار أحدث ضجة في العالم الإسلامي وسط إدانة من البعض وإشادة من آخرين. ونشرت وكالة الأنباء السعودية "واس" المعايير الصحية التي وصفتها بالدقيقة لاختيار الحجاج هذا العام، إذ قامت بتقسيم الحجاج إلى مجموعتين هم الحجاج غير السعوديين من المقيمين داخلها والذين يمثلون 70 في المائة من عدد الحجاج هذا العام، والحجاج السعوديون الذين يمثلون نسبة 30 في المائة. ويتم اختيار المقيمين داخل السعودية من الأشخاص الذين لا يعانون من أمراض مزمنة، ولديهم شهادة فحص مخبري تثبت خلوهم من فيروس كورونا الجديد، ولم يسبق لهم الحج من قبل، وأن تكون أعمارهم بين 20 عاماً و50 عاماً وأن يوافقوا على الدخول في الحجر الصحي قبل موسم الحج وبعده. أما بالنسبة للسعوديين فإنّ الحج هذا العام سيقتصر على المتعافين من فيروس كورونا بعدما أصيبوا به، والذين سيجري اختيارهم بناء على قاعدة بيانات المتعافين التي تملكها السلطات الصحية في البلاد، بالإضافة إلى الممارسين الصحيين ورجال الأمن تقديراً لدورهم في مكافحة فيروس كورونا خلال الأشهر الماضية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وسيتم حجر جميع الحجاج بعد انتهاء موسم الحج، لضمان عدم نشرهم فيروس كورونا في حال حدوث عدوى خلال ممارسة الشعائر، كما سيتم تخصيص مستشفيات ميدانية في عدد من النقاط داخل مناطق الحج وهي مستشفيات مجهزة بأسرّة للعناية المركزة وبطواقم طبية مخصصة لهذا الغرض. وعن آليات الحج وتدابيره، نشر المركز الوطني السعودي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، الضوابط الصحية التي ستتبعها السلطات خلال الموسم، وتضمنت إلزامية الكمامات للجميع، وإغلاق بعض المناطق وتعقيمها، ومنع لمس الكعبة أو الحجر الأسود خوفاً من انتقال العدوى. وشددت الشروط على ضرورة وضع العاملين والحجاج الكمامات بالطريقة السليمة، وضرورة التخلص منها في الأماكن المخصصة لها. كذلك، شددت الضوابط على التباعد الاجتماعي في صلاة الجماعة وضرورة وضع الكمامات خلالها وتطهير الأسطح ومقاعد الجلوس وأماكن الانتظار ومقابض الأبواب في الفنادق وأماكن التجمعات في الحج بشكل دوري ومنتظم منعاً لانتقال العدوى. وتلافياً لوجود ملوثات في الجمرات التي يتم استخدامها لشعيرة رمي الجمرات خلال الحج، توزع السلطات السعودية جمرات معقمة ومغلفة على الحجاج، مع جدول تنظيمي يضمن عدم تواجد أكثر من 50 حاجاً في كلّ دورة من دورات رمي الجمرات. وكان الحجاج في السابق يقومون بالتقاط الجمرات من على الأرض أثناء ذهابهم في الطريق لرميها، لكنّ هذه الجمرات الموجودة على الأرض كانت تتسبب بجرح كثير من الحجاج بسبب كميات الزجاج والنفايات الموجودة بينها، واحتمالات وجود ملوثات ومواد سامة فيها.

الكعبة

ومنعت التوصيات تواجد أكثر من عشرة أشخاص داخل الخيمة الواحدة من الخيام التي تستخدم في شعائر الحج سنوياً، كما طلبت إلزام الحجاج بإبقاء مسافات كافية بينهم وبين الحجاج الآخرين. وتتولى الجهات الصحية مسؤولية نقل الحجاج من صحن الكعبة وإليها لأداء شعيرة الطواف، كما تتولى مسؤولية تعقيم الحافلات، وإلزام كلّ حافلة بعدم استخدام أكثر من 50 في المائة من طاقتها الاستيعابية، وذلك للحفاظ على مسافة آمنة بين كلّ حاج وآخر، التزاماً بقاعدة التباعد الاجتماعي. كذلك، شددت الضوابط على منع التزاحم عند برادات مياه زمزم، كما منع الحجاج من استخدام أدوات تخزين مياه زمزم خوفاً من تلوثها. وأكدت الضوابط على إزالة سجاد الحرم المكي واستخدام كلّ حاج لسجادته الخاصة.
وفي هذا الإطار، قال مصدر رفيع في وزارة الحج السعودية لـ"العربي الجديد" إنّ أعداد الحجاج هذا العام لن تتجاوز ألف حاج يأتون من داخل المناطق السعودية، وإنّ السلطات قررت "عدم المخاطرة بأرواح المسلمين في سبيل المكاسب الاقتصادية"، بحسب وصفه. ويضيف المصدر في حديثه إلى "العربي الجديد": "موسم الحج هذا العام يمثل التحدي الأكبر للدولة السعودية منذ نشأتها، لأنّ العالم بأكمله يحاول تصيد أيّ هفوة منها في ما يخص ملف الحج، لكنّها، مع ذلك، ستكون بحجم التحدي كما هي في كلّ عام".

وأدى قرار منع حجاج الخارج إلى آثار اقتصادية مدمرة في المناطق المجاورة للحرم المكي، إذ يقول أحمد الغامدي، وهو أحد سكان مدينة جدة لـ"العربي الجديد" إنّ اعتماده السنوي على الدخل الذي يحققه له موسم الحج من النقل انتهى بسبب الصعوبات التي واجهته بها السلطات الأمنية العام الماضي، وبسبب إلغاء الحج هذا العام. ويشرح الغامدي أنّ آلاف الشباب السعوديين الذين يسكنون في المنطقة الغربية من البلاد ويعانون من ظروف اقتصادية صعبة نتيجة للبطالة أو تدني الرواتب، يرون في موسم الحج فرصة كبيرة لجني مكاسب مادية لا بأس بها، لكنّ كلّ شيء تبخر هذا العام بالذات.
وحاول سياسيون خليجيون وعرب الحصول على استثناءات من قبل السلطات السعودية لأداء شعيرة الحج هذا العام، خصوصاً مع قلة الأعداد والراحة النسبية التي سيحصل عليها الحجاج مقارنة بالمشاق التي تحدث لهم كلّ عام بفعل الازدحام والاكتظاظ، لكنّ السلطات السعودية رفضت السماح لهم بدخول البلاد، واقتصر الحضور على حجاج الداخل من سعوديين ووافدين، وبأعداد محدودة.
وما زال قرار السلطات السعودية بالتعطيل الجزئي للحج وقصره على الحج الرمزي يثير جدلاً وعاصفة من الانتقادات في العالم الإسلامي، بين من يراه خطوة غير مقبولة بسبب مخالفة التعاليم الإسلامية التي تنص على عدم منع أيّ حاج من الذهاب للحج مهما كانت الظروف، وبين من يؤكد الأحقية الدينية لمن يتولى موسم الحج بالحفاظ على حياة الناس واتخاذ كافة الإجراءات لمنع انتشار العدوى. ويقول رئيس حزب الأمة الإسلامي، الأستاذ في جامعة "الكويت" الدكتور حاكم المطيري إنّ تحويل الحج إلى مجرد مظاهر ومراسم يمثل خطوة خاطئة بحق المسلمين وجريمة كبرى لا يمكن التسامح معها. ويضيف المطيري قائلاً إنّ السلطات السعودية فتحت المجمعات التجارية والنشاطات الاقتصادية بشكل كامل لكنّها ترفض أن تسمح بالحج لكلّ المسلمين، وهو ما يخالف التعاليم الدينية.

من جهته، يقول الطبيب فهد العنزي، الخبير في الصحة الوقائية من الكويت لـ"العربي الجديد" إنّه على خلاف مع السعودية في الشأن السياسي، لكن من منطلق طبي فإنّ قرارها كان صائباً وشجاعاً في الوقت نفسه، مضيفاً أنّ التضحية بأرواح الناس لا يجب أن تقع أبداً، لأجل مناكفات سياسية تضرّ بالجميع. ويعتبر العنزي أنّ موسم الحج إذا نظم بشكله الطبيعي كما كلّ عام، فإنّه سيجعل العدوى تنفجر في العالم الإسلامي، خصوصاً مع وجود أكثر من مليونين ونصف مليون حاج وهو عدد كبير جداً، وموزع على دول متفرقة من الشرق والغرب.

المساهمون