الحديدة: السعودية والإمارات تُفشلان مبادرة الأمم المتحدة

28 يونيو 2018
معركة ميناء الحديدة أولوية أممية (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
بدا أن السعودية والإمارات أحبطتا، أمس الأربعاء، من خلال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، حلاً وسطاً كان من شأنه أن يجنب الحديدة المدينة المعركة الحاسمة، وملايين اليمنيين المقيمين في مناطق سيطرة الحوثيين، الكارثة المحتملة، وذلك عندما أبلغ هادي المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث، رفض مبادرة الأخير القاضية بتسليم ميناء الحديدة إلى إدارة دولية تابعة للأمم المتحدة. فكرة سبق لغريفيث أن نال موافقة مبدئية من الحوثيين عليها، فدخلت الشروط الإضافية السعودية الإماراتية على الخط، وتنص على ضرورة خروج الحوثيين من كامل المحافظة، وهو ما لم تتضمنه لا خطة غريفيث لإنقاذ الحديدة التي يعكف على إعدادها منذ إبريل/ نيسان الماضي كإطار للحل الشامل، ولا مبادرة سلفه، إسماعيل ولد الشيخ أحمد.

وأمضى غريفيث، أمس، ساعات قصيرة في العاصمة المؤقتة عدن، التقى خلالها هادي، وأبلغه بموافقة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، على رقابة وإشراف دوليين على ميناء الحديدة. وهو العرض الذي لا يبتعد عما كان قد أعلنه زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، منذ أسبوع، في خطاب تلفزيوني، على نحو يسعى لسحب البساط من مبررات العملية العسكرية بالحديدة المدينة والميناء، ويبقي للحوثيين السيطرة في تلك المنطقة بطريقة أو بأخرى، وهو ما رفضه الجانب الحكومي اليمني.

ووفقاً للمصادر، فقد "أبلغ هادي غريفيث خلال الاجتماع أن العمليات العسكرية في الحديدة جاءت بهدف إنهاء سيطرة الحوثيين على المدينة، وأن الجانب اليمني يرحب بأي مقترحات وجهود هادفة إلى السلام، شرط أن تؤدي إلى انسحاب مسلحي الجماعة بشكل كاملٍ من المدينة والمحافظة كمدخل إلى أي حل سياسي ترعاه الأمم المتحدة". ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الحكومية عن هادي قوله خلال اللقاء إن "معركة الحديدة هي جزء من معركتنا الوطنية مع الانقلابيين في صعدة وصنعاء وتعز وغيرها، حتى تحقيق تطلعات شعبنا في السلام وتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وتسليم السلاح والجنوح للسلام، باعتبار لا خيار غيره لمصلحة الشعب اليمني". كما اتهم الحوثيين بحفر الخنادق في الحديدة وقطع الخدمات عن المواطنين.

من جانبه، قال مدير مكتب الرئاسة اليمنية، عبدالله العليمي، الذي حضر اللقاء، في تصريح على حسابه بموقع تويتر، إن "معركة الحديدة هي جزء مِن معركتنا الوطنية" مع ما وصفه بـ"المليشيا الانقلابية". وأضاف أن "أي أفكار ينبغي أن تتسق واستحقاقات قرار مجلس الأمن الدولي 2216 (2215)، بما في ذلك الانسحاب وتسليم السلاح وبسط سلطة الدولة على كل التراب الوطني ومؤسسات الدولة، ومن الحديدة كمحافظة قد يكون المدخل".

بدوره، اعتبر وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، أنه "لا يمكن تصور إدارة الميناء وتوفير الأمن فيه بمعزل عن مدينة الحديدة، ولا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في الساحل الغربي من دون مغادرة الحوثيين لكامل محافظة الحديدة".


وكانت الإمارات قد استبقت وصول غريفيث إلى عدن بإعلان وزير الدولة للشؤون الخارجية فيها، أنور قرقاش، أنه "لا بد من أن تُمارس جهود وضغوط دبلوماسية من أجل دفع مليشيات الحوثيين للانسحاب من مدينة الحديدة". وربما لم تتوقع أبوظبي، مع حليفتها الرياض، أن يوافق الحوثيون على تسليم إدارة ميناء الحديدة للأمم المتحدة، فحددت خروج الحوثيين من مدينة الحديدة شرطاً لوقف المعركة، قبل أن تضطر هذه الدولة الخليجية التي تقود الحرب في اليمن إلى رفع سقف شروطها، من خلال هادي، إلى مستوى خروج الانقلابيين من كامل المحافظة الغربية.

في المقابل، يعتبر كثيرون أنه كان متوقعاً أن يواجه أي مقترح يحمله المبعوث الأممي، لا يتضمن انسحاب الحوثيين من الحديدة كلها، رفضاً حكومياً وسعودياً وإماراتياً، باعتبار أن العرض المتعلق بتسليم ميناء الحديدة لرقابة وإشراف أمميين، بنظر الحكومة، يمثل أمراً قفزت عليه التطورات الأخيرة، بعدما باتت قوات الشرعية على الأطراف الجنوبية للمدينة، وباتت تنتظر الحد الأدنى للقبول بأي مقترحات سياسية في الحديدة، والذي يشمل انسحاب الحوثيين. ومع أن الحسم العسكري لا يزال غير وشيك، إلا أن الشرعية تواجه ضغوطاً دولياً مكثفة، وترى في معركة الحديدة خطوة تهدد ملايين من سكان البلاد إذا ما توقفت الإمدادات بالوقود والمواد الغذائية التي تصل عبر الميناء، بالإضافة إلى الكلفة المتوقعة للمعركة العسكرية في المدينة الساحلية، التي نزح الآلاف من سكانها خلال الأسابيع الماضية وتعيش صيفاً حاراً وحرباً على أطرافها في آن.

من زاوية أخرى، على الرغم من الرفض الحكومي ــ السعودي ــ الإماراتي للعرض المقدم من الحوثيين، إلا أن الخطوة لا تعني بالضرورة الحكم بفشل الجهود الدبلوماسية بشكل كامل، إذ من المتوقع أن يسعى المبعوث الأممي إلى نقل وجهة نظر الحكومة إلى الحوثيين لمناقشة إمكانية القبول بالانسحاب، وهو ما أشار إليه غريفيث خلال اللقاء بالرئيس اليمني في عدن، عندما قال إنه سيقوم بزيارات إلى كل من العاصمة صنعاء والعاصمة العُمانية مسقط، حيث يوجد في الأخيرة رئيس الوفد المفاوض التابع للحوثيين والمتحدث باسم الجماعة، محمد عبدالسلام، على أن عودة التصعيد العسكري من عدمه، ستكون المؤشر الحاسم للحكم على نجاح الجهود أو فشلها، في ظل استمرار الهدوء الحذر على جبهات القتال المحيطة بمدينة الحديدة ومطارها ومينائها.

وكانت معركة الحديدة قد دخلت تهدئة نسبية منذ أسبوع، بالتزامن مع إعلان المبعوث الأممي عن مواصلة جهوده، إلا أن الحوثيين وقوات الشرعية واصلا خلال الأيام الماضية الدفع بالتعزيزات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة كل منهما، وسيطر مسلحو الجماعة على المدينة وأغلب المديريات، فيما انحصرت سيطرة الشرعية على أجزاء كبيرة من المديريات الساحلية المطلة على البحر الأحمر، من الجهة الجنوبية للمدينة، ووصلت إلى المنطقة التي يقع فيها المطار.

وتكتسب جهود المبعوث الأممي المتعلقة بالحديدة أهمية استثنائية، فبالإضافة إلى أنها ستحدد مصير المعركة "الحاسمة"، التي وصلت إلى أطراف المدينة، فإن نتائجها ستحدد مصير الخطة المطروحة لعملية سياسية شاملة في البلاد، ولا تبتعد كثيراً عن الأطر المطروحة في وقتٍ سابق، وتتألف من شقين: أمني وسياسي. الأول يتطلب تنازلات من الحوثيين (على غرار انسحابات وترتيبات وقف إطلاق النار)، والآخر يشمل الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها مختلف الأطراف، بمن فيهم الحوثيون. وهي المقترحات ذاتها التي تدور حولها المفاوضات والجهود الدولية منذ عام 2016، إلا أن الخلاف يكمن في تراتيبة الخطوات المطلوبة لتنفيذ خطة السلام والأولوية بين المسارين الأمني والسياسي.

يشار إلى أن زيارة المبعوث الأممي إلى عدن هي الأولى له منذ تعيينه في فبراير/ شباط الماضي، خلفاً للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد. وجاءت الزيارة نتيجة لوجود هادي، الذي بقي لأشهر طويلة في السعودية، قبل العودة أخيراً إلى اليمن، وبالتزامن مع إبرام تفاهمات مع أبوظبي، التي اتهمها المسؤولون اليمنيون بمنعه من العودة طيلة أشهر سابقة.