14 نوفمبر 2024
الحرب على الإرهاب "الصَواب السياسي" بعينه
لا يوجد اليوم شعار أكثر صوابيةً من "الحرب على الإرهاب". الجميع متفق على خوضها، ومستعد أن يبذل الغالي من أجلها. الأعداء، الخصوم، الحلفاء، الشركاء... من مصر عبد الفتاح السيسي التي أدرجت، أخيرا، خمسة عشر صحافيا في قائمة "الكيانات الإرهابية"، وأغارت على شرق ليبيا ردأً على عملية إرهابية ضد أهالي مسيحيين في الريف المصري؛ إلى إسرائيل، التي تقوم عقيدتها العسكرية على "محاربة الإرهاب الفلسطيني"، إلى أردوغان الخائض، هو الآخر، حرباً على"إرهابييه" الكرد... إلى الولايات المتحدة التي أضاف رئيسها أخيرا المليشيات المذهبية العاملة لصالح إيران، فيما قواته وخبراؤه ينسّقون معها في حرب الموصل ضد "داعش". وفيما المليشيات الإيرانية ونظام الأسد والطائرات الروسية لا يفعلون في سورية غير "محاربة الإرهاب". بل إن الرئيس الأميركي لم يتفاهم مع الأوروبيين، لا على مسألة المناخ ولا على اتفاقية التبادل التجاري الحرّ... لكنه اتفق معهم على "أولوية محاربة الإرهاب".
واللائحة تطول، بحيث إن ما من برنامج انتخابي لمرشح، في نظام ديمقراطي أو استبدادي... ولا من رؤيةٍ للهيمنة على العالم، أو تجريبِ سلاحٍ جديد، أو تنشيط صناعة السلاح، إلا وتكون الحرب على الإرهاب مشْجبه، ركيزته "النظرية والإستراتيجية" المضْمرة. إذن، حرب عالمية، محلية، إقليمية، على الإرهاب، بقيادة خصوم وأعداء وحلفاء... لا بد أن يكون أولى ضحاياه قد سقطوا منذ زمن، وما يزالون، بنيران "معادية للإرهاب": السوريون، الفلسطينيون، الكرد، العراقيون... وهم يفوقون بسنواتٍ ضوئية أعداد ضحايا الإرهاب العامل في قلب الغرب، بخراب عمرانهم وحياتهم كلها.
هكذا تُدار الصراعات في عالمنا اليوم: اخترع قادتُه محوراً آخر، بعد سقوط الشرّ الشيوعي.
رزق الله على الحرب الباردة والمعسكرين، الشيوعي والرأسمالي! على الأقل، كانت المعالم واضحةً وقتها، وكذلك الحدود. هذا شيوعي، أو رأسمالي إمبريالي... يكون عدواً فنحاربه. أما الآن، بهذه الحرب المغمغمة، الداخلة ببعضها... فالحدود واهية، والالتباس يقوم، ويا للمفارقة، على صيغةٍ أصبحت "الصواب السياسي" بعينه: الحرب على الإرهاب لا تخلق حساسياتٍ، بل تُداريها كلها، ولا تنبذ طرفاً، إلا لتعيده من نافذةٍ مواربة، تراعي "مصالح جميع الأطراف". وهي، في النهاية، مثلها مثل كل صوابٍ سياسيٍّ آخر، فارغة المعنى، لشدّة ما حُشيتْ من معان، ولن تفضي في النهاية إلا لخراب عميم، وليد شرَّين: شرّ إرهاب متجدّد، أشدّ تطرفاً، وشرّ الحرب ضده، لم تتغير أساليبه، فقط تطوّر سلاحه، وزاد.
منذ اليوم الأول الذي شنّت فيه الولايات المتحدة حربها على الإرهاب، عام 2001، بقيادة جورج بوش، فغزت أفعانستان والعراق، وأحلّت عليهما ألواناً من التطرّف الإضافي.. منذ ستة عشر عاماً إذن، تنبّه العاقلون إلى أن ما هكذا تُخاض الحروب على الإرهاب. إنما بمعالجة منشّطاته، بيئته، أهله...
بعد جورج بوش، باراك أوباما، المثقف، الأنيق، اللبق، لم يوقف هذه الحرب. غيَّر أسلوبه فقط. أكبر إنجازاته في هذه الحرب أنه قتل أسامة بن لادن، ورمى جثته في البحر، في عملية كوماندوس لم تكبِّده إلا قليلاً... ثم أتانا دونالد ترامب، كاره العرب والمسلمين، حارماً إياهم من الهجرة، محمّلا إياهم قسطاً وافراً من كبوات أميركا. القسط الآخر، أي الصيني، ليس هيّنا عليه، وعلى اقتصاده. الحرب على الإرهاب أسهل، أربح، أسرع، أقدر على تغطية فضائح تنتظره داخل بلاده، إذ تخلق الوظائف التي وعد بها، وتثبّته بالتالي بوجه المطالبين بتنحّيه.. والفكرة العبقرية التي خاطب بها كل الذين يحتمون بقواته وبتفوقه العسكري: إذا أردتم حماية اميركا، فما عليكم إلا شراء سلاحها. ما عليكم سوى ضخّ الأموال في اقتصادها؛ فأبقى أنا رئيساً..
كنا نقول، أيام أوباما، إن أميركا إلى أفول، لأنها لم تَعُد قادرةً على تغطية نفقات تفوّقها
العسكري العالمي. الآن، دفع جزية الحماية للخزينة الأميركية، تعني أيضا أن أميركا غير قادرةٍ على تغطية نفقات تفوقها العسكري.. إنها دائرة مغلقة من التفكير، تغرقنا بها الحرب على الإرهاب. وفي هذه الحالة، هل يمكن تخيّل، فقط تخيّل... عالم خالٍ من الإرهاب؟ أو عالم انتصرت فيه قوى الخير، فدحرت الإرهاب؟ بل قبل ذلك: هل تريد القوى المسيّرة للحرب على الإرهاب أن يندحر فعلاً، هذا الإرهاب؟
المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، مرة أخرى، تقود وجهة نظر، إذ تقول، بعد اجتماعها بدونالد ترامب في قمتَي الأطلسي و"السبعة الكبار"، إن القمتين تسجلان "نهاية حقبة": "ولّت تلك الحقبة التي كان بوسعنا أن نعتمد فيها على بعضنا بعضا". وأضافت :"نحن الأوروبيين علينا أخذ قدرنا بأيادينا (...) علينا أن نقاتل من أجل هذا القدر".
واللائحة تطول، بحيث إن ما من برنامج انتخابي لمرشح، في نظام ديمقراطي أو استبدادي... ولا من رؤيةٍ للهيمنة على العالم، أو تجريبِ سلاحٍ جديد، أو تنشيط صناعة السلاح، إلا وتكون الحرب على الإرهاب مشْجبه، ركيزته "النظرية والإستراتيجية" المضْمرة. إذن، حرب عالمية، محلية، إقليمية، على الإرهاب، بقيادة خصوم وأعداء وحلفاء... لا بد أن يكون أولى ضحاياه قد سقطوا منذ زمن، وما يزالون، بنيران "معادية للإرهاب": السوريون، الفلسطينيون، الكرد، العراقيون... وهم يفوقون بسنواتٍ ضوئية أعداد ضحايا الإرهاب العامل في قلب الغرب، بخراب عمرانهم وحياتهم كلها.
هكذا تُدار الصراعات في عالمنا اليوم: اخترع قادتُه محوراً آخر، بعد سقوط الشرّ الشيوعي.
منذ اليوم الأول الذي شنّت فيه الولايات المتحدة حربها على الإرهاب، عام 2001، بقيادة جورج بوش، فغزت أفعانستان والعراق، وأحلّت عليهما ألواناً من التطرّف الإضافي.. منذ ستة عشر عاماً إذن، تنبّه العاقلون إلى أن ما هكذا تُخاض الحروب على الإرهاب. إنما بمعالجة منشّطاته، بيئته، أهله...
بعد جورج بوش، باراك أوباما، المثقف، الأنيق، اللبق، لم يوقف هذه الحرب. غيَّر أسلوبه فقط. أكبر إنجازاته في هذه الحرب أنه قتل أسامة بن لادن، ورمى جثته في البحر، في عملية كوماندوس لم تكبِّده إلا قليلاً... ثم أتانا دونالد ترامب، كاره العرب والمسلمين، حارماً إياهم من الهجرة، محمّلا إياهم قسطاً وافراً من كبوات أميركا. القسط الآخر، أي الصيني، ليس هيّنا عليه، وعلى اقتصاده. الحرب على الإرهاب أسهل، أربح، أسرع، أقدر على تغطية فضائح تنتظره داخل بلاده، إذ تخلق الوظائف التي وعد بها، وتثبّته بالتالي بوجه المطالبين بتنحّيه.. والفكرة العبقرية التي خاطب بها كل الذين يحتمون بقواته وبتفوقه العسكري: إذا أردتم حماية اميركا، فما عليكم إلا شراء سلاحها. ما عليكم سوى ضخّ الأموال في اقتصادها؛ فأبقى أنا رئيساً..
كنا نقول، أيام أوباما، إن أميركا إلى أفول، لأنها لم تَعُد قادرةً على تغطية نفقات تفوّقها
المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، مرة أخرى، تقود وجهة نظر، إذ تقول، بعد اجتماعها بدونالد ترامب في قمتَي الأطلسي و"السبعة الكبار"، إن القمتين تسجلان "نهاية حقبة": "ولّت تلك الحقبة التي كان بوسعنا أن نعتمد فيها على بعضنا بعضا". وأضافت :"نحن الأوروبيين علينا أخذ قدرنا بأيادينا (...) علينا أن نقاتل من أجل هذا القدر".