13 أكتوبر 2024
الحرب والتهجير القسري في اليمن
اختبر اليمنيون انتهاكاتٍ وفظاعاتٍ متنوعةً في الصراعات الأهلية الكثيرة التي عايشوها، لكنهم لم يتعرّضوا للتهجير من مناطقهم، كما يحدث في الحرب الحالية، فقد أدى اتساع جغرافية الحرب إلى تحويل مناطق يمنية بكاملها إلى مناطق عسكرية مغلقة، أو أراضٍ محروقة، كما أحدثت الحرب حالة عنفية غير مسبوقة، بزج أطراف الصراع اليمنية وحلفائهم الإقليميين، المجتمع في معادلة الصراع، وفرض أشكال عقابية على المجتمع، أدت في النهاية إلى تهجيرهم واقتلاعهم من جذورهم المكانية. تضافرت تلك العوامل مجتمعةً في تخليق مأساة المُهجرين اليمنيين، إلا أن الأسوأ من تضاعف أعداد النازحين في المخيمات الداخلية في معظم المناطق اليمنية هي المشكلات الاجتماعية المترتبة على التهجير القسري، ونشوء مظلومياتٍ جديدة، فضلاً عن تغيير التركيبة الديموغرافية في بعض المناطق اليمنية، وانعكاس ذلك سلباً على السلم الأهلي، ما يعني تخليق بؤر عنف مجتمعي جديدة، قد تفضي إلى دوراتٍ لاحقة للصراع.
عبر إدارة معاركها في اليمن، كرّست أطراف الصراع اليمنية وحلفاؤهم الإقليميون نهجاً لافتاً، يقوم على اقتلاع اليمنيين من مناطقهم، إما بشكل غير مباشر من جرّاء تصاعد العمليات القتالية، أو بشكل مباشر بفرض واقع جديد، غرضه إجبار المدنيين على الرحيل من تلك المناطق. إلا أن أطراف الصراع في اليمن لا تدرك أن آثار التهجير تتجاوز تحقيق انتصارات عسكرية في الوقت الراهن، لصالح طرف ما إلى تكريس معاناة آلاف المُهجرين، وتعميق الأحقاد الاجتماعية، إذ حوّلت سياسة التحالف العربي، وتحديداً المملكة العربية السعودية، المناطق الحدودية اليمنية إلى أرض محروقة غير صالحة للحياة، باستهدافها البنية التحتية والمرافق الحيوية وكذلك منازل المدنيين. وقد أسفر ذلك عن نزوح آلاف المدنيين من المناطق الحدودية، وإقامتهم في مخيمات النازحين، أو في مناطق أخرى، وتحولهم إلى مشكلة اجتماعية في مدنٍ تعاني، هي الأخرى، من كلفة الحرب، فيما أجبرت مليشيات الحوثي المواطنين في مدينة تعز، وأرياف الحديدة التي تدور فيها معارك مع قوات السلطة الشرعية في الوقت الحالي، على ترك منازلهم بعد تحويل مناطقهم إلى مناطق عسكرية، كما هجرت مليشيات الحوثي مدنيين كثيرين بدوافع سياسية في مناطق سيطرتها، إضافة إلى تعرّض الأهالي للتهجير لدوافع طائفية، كما حدث لمواطنين يمنيين في منطقة الصراري في مدينة تعز من فصائل المقاومة في بداية الحرب.
اخترعت جماعة الحوثي نمطاً عسكرياً مختلاً في إدارة صراعها مع خصومها الدينيين والسياسيين. وخلافاً لأي قوة اجتماعية أو سياسية يمنية، أصبحت سياسة التهجير القسري سلوكاً يميز أداء جماعة الحوثي تجاه اليمنيين، منذ ظهورها على المسرح السياسي، بدءا بتهجيرها يهود اليمن من أراضيهم التاريخية، إلى تهجير سلفيي دماج في الأعوام السابقة، وهو أحد أشكال التطهير الذي أصبح نواةً للصراع الطائفي بينهما بعد اندلاع الحرب لاحقاً، إلا أن جماعة الحوثي لم تقف عند هذا الحد في استهداف الآخر المختلف معها، إذ طوّرت أساليبها الانتقامية حيال خصومها، ليصبح التهجير القسري وكذلك تفجير المنازل، أداة عقابية، تنفذها ضد القوى المعارضة لها.
لا تخوض جماعة الحوثي حربها مع خصومها بشرف، فهي تنتهج وسائل متعددة للتنكيل باليمنيين، فقد بدا الملمح الانتقامي لها ضد خصومها السياسيين واضحا طوال الحرب، إذ عمدت إلى عقاب معارضيها في المناطق التي أخضعتها، بتهجيرهم من منازلهم أولاً ثم تفجيرها، وتحول هذا النهج إلى سلوكٍ لمعاقبة شرائح واسعة من المجتمع اليمني، ليصبح التهجير ظاهرة حوثية بامتياز، تجلت في حروب جماعة الحوثي، وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، في أرياف مدينة تعز، وذلك في أثناء تحالفهما، إذ نقل الحليفان معاركهما إلى الريف، لمعاقبة أهالي القرى، وتحويل تلك المناطق المفقرة إلى مسرح للمآسي الاجتماعية، من جرّاء التهجير القسري للأهالي، كما أن نقلهما الحرب إلى أرياف مدينة تعز جريمة مضاعفة، فلطالما كانت القرى المحيطة بمدينة تعز بيئة آمنة للأهالي النازحين من جحيم مناطق المواجهات في المدن اليمنية.
بتوسع حرب جماعة الحوثي في أرياف مدينة تعز، اتسعت جغرافيا المُهجرين من مناطقهم، بدءًا بأهالي حيفان وظبي أعبوس والراهدة والوازعية، وكذلك قرى بلاد الوافي وتبيشعة في جبل حبشي في مدينة تعز، إلى تهجير أهالي الُكدحة وقرى الضباب، وامتدت إلى مديرياتٍ داخل المدينة. وتعكس هذه الجغرافيا المترامية مأساة تجريف المدنيين من مناطقهم، وتحويلهم إلى نازحين مشردين، وبلا حقوق، كما تؤكد بشاعة الحرب التي تخوضها جماعة الحوثي ضد المدنيين في أرياف مدينة تعز، فضلاً عن قصفها القرى وحصارها اقتصادياً، ومنع وصول الإغاثة إليها. ولم تستثنِ جماعة الحوثي أي قوى سياسية من أساليبها الانتقامية، فبعد انفراط تحالفها مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وقتله، عمدت جماعة الحوثي إلى التنكيل بالمناطق التي ظلت مواليةً لصالح. وتبرز، في هذا السياق، مأساة قرية "الحيمة"، في مديرية
التعزية بمدينة تعز واجهة للأساليب الانتقامية التي تنتهجها الجماعة في حق معارضيها، وذلك لرفض الأهالي الاعتراف بسلطة الحوثيين، إذ حاصرت المليشيات القرية، وقصفتها بمختلف الأسلحة، مما اضطر أكثر من 350 أسرة إلى النزوح من القرية، فضلا عن تهجيرها أهالي مديرية الجراحي في مدينة الحديدة.
تكمن مأساة المُهجرين اليمنيين في أنهم ضحايا معزولون لا تبالي بهم أطراف الصراع اليمنية وحلفاؤهم، فإضافةً إلى كلفة الحرب التي يعاني منها جميع اليمنيين، يكابد المُهجّرون واقعاً جديداً فرض عليهم من جرّاء إجبارهم على ترك قراهم، واضطرارهم للنزوح إلى مناطق بعيدة، لا تتوفر فيها مقومات الحياة، أو تحولهم إلى عبء اقتصادي على ذويهم في المدن، فضلاً عن الآثار النفسية والاجتماعية لمعاناة التهجير، لكن سلطات الحرب، ومع تسببها بواقع المهجرين، لم توجِد بدائل أخرى لهم، أو تسعى على الأقل إلى توطينهم في مناطق مؤقتة، وتغطية احتياجاتهم الإنسانية.
تهجير الأهالي من مناطقهم لأسباب مختلفة، هو ما نجحت أطراف الصراع اليمنية وحلفاؤها في تحقيقه، وتشريد الأهالي، وتفجير منازلهم، بغرض الانتقام والتنكيل. هذا ما تقوم به الجماعات المليشياوية المنفلتة، مقوّضة بذلك السلم الاجتماعي، ومعمدة ذاكرة الضحايا المُهجرين بثاراتٍ وأحقاد اجتماعية لا يمكن تجاوزها. وفي غياب سلطة سياسية وطنية ترعى المُهجرين، وتتلمس معاناتهم، فإن المهجّرين للأسف، متروكون لمصيرهم المجهول في مخيمات قذرة تتسع كل يوم.
عبر إدارة معاركها في اليمن، كرّست أطراف الصراع اليمنية وحلفاؤهم الإقليميون نهجاً لافتاً، يقوم على اقتلاع اليمنيين من مناطقهم، إما بشكل غير مباشر من جرّاء تصاعد العمليات القتالية، أو بشكل مباشر بفرض واقع جديد، غرضه إجبار المدنيين على الرحيل من تلك المناطق. إلا أن أطراف الصراع في اليمن لا تدرك أن آثار التهجير تتجاوز تحقيق انتصارات عسكرية في الوقت الراهن، لصالح طرف ما إلى تكريس معاناة آلاف المُهجرين، وتعميق الأحقاد الاجتماعية، إذ حوّلت سياسة التحالف العربي، وتحديداً المملكة العربية السعودية، المناطق الحدودية اليمنية إلى أرض محروقة غير صالحة للحياة، باستهدافها البنية التحتية والمرافق الحيوية وكذلك منازل المدنيين. وقد أسفر ذلك عن نزوح آلاف المدنيين من المناطق الحدودية، وإقامتهم في مخيمات النازحين، أو في مناطق أخرى، وتحولهم إلى مشكلة اجتماعية في مدنٍ تعاني، هي الأخرى، من كلفة الحرب، فيما أجبرت مليشيات الحوثي المواطنين في مدينة تعز، وأرياف الحديدة التي تدور فيها معارك مع قوات السلطة الشرعية في الوقت الحالي، على ترك منازلهم بعد تحويل مناطقهم إلى مناطق عسكرية، كما هجرت مليشيات الحوثي مدنيين كثيرين بدوافع سياسية في مناطق سيطرتها، إضافة إلى تعرّض الأهالي للتهجير لدوافع طائفية، كما حدث لمواطنين يمنيين في منطقة الصراري في مدينة تعز من فصائل المقاومة في بداية الحرب.
اخترعت جماعة الحوثي نمطاً عسكرياً مختلاً في إدارة صراعها مع خصومها الدينيين والسياسيين. وخلافاً لأي قوة اجتماعية أو سياسية يمنية، أصبحت سياسة التهجير القسري سلوكاً يميز أداء جماعة الحوثي تجاه اليمنيين، منذ ظهورها على المسرح السياسي، بدءا بتهجيرها يهود اليمن من أراضيهم التاريخية، إلى تهجير سلفيي دماج في الأعوام السابقة، وهو أحد أشكال التطهير الذي أصبح نواةً للصراع الطائفي بينهما بعد اندلاع الحرب لاحقاً، إلا أن جماعة الحوثي لم تقف عند هذا الحد في استهداف الآخر المختلف معها، إذ طوّرت أساليبها الانتقامية حيال خصومها، ليصبح التهجير القسري وكذلك تفجير المنازل، أداة عقابية، تنفذها ضد القوى المعارضة لها.
لا تخوض جماعة الحوثي حربها مع خصومها بشرف، فهي تنتهج وسائل متعددة للتنكيل باليمنيين، فقد بدا الملمح الانتقامي لها ضد خصومها السياسيين واضحا طوال الحرب، إذ عمدت إلى عقاب معارضيها في المناطق التي أخضعتها، بتهجيرهم من منازلهم أولاً ثم تفجيرها، وتحول هذا النهج إلى سلوكٍ لمعاقبة شرائح واسعة من المجتمع اليمني، ليصبح التهجير ظاهرة حوثية بامتياز، تجلت في حروب جماعة الحوثي، وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، في أرياف مدينة تعز، وذلك في أثناء تحالفهما، إذ نقل الحليفان معاركهما إلى الريف، لمعاقبة أهالي القرى، وتحويل تلك المناطق المفقرة إلى مسرح للمآسي الاجتماعية، من جرّاء التهجير القسري للأهالي، كما أن نقلهما الحرب إلى أرياف مدينة تعز جريمة مضاعفة، فلطالما كانت القرى المحيطة بمدينة تعز بيئة آمنة للأهالي النازحين من جحيم مناطق المواجهات في المدن اليمنية.
بتوسع حرب جماعة الحوثي في أرياف مدينة تعز، اتسعت جغرافيا المُهجرين من مناطقهم، بدءًا بأهالي حيفان وظبي أعبوس والراهدة والوازعية، وكذلك قرى بلاد الوافي وتبيشعة في جبل حبشي في مدينة تعز، إلى تهجير أهالي الُكدحة وقرى الضباب، وامتدت إلى مديرياتٍ داخل المدينة. وتعكس هذه الجغرافيا المترامية مأساة تجريف المدنيين من مناطقهم، وتحويلهم إلى نازحين مشردين، وبلا حقوق، كما تؤكد بشاعة الحرب التي تخوضها جماعة الحوثي ضد المدنيين في أرياف مدينة تعز، فضلاً عن قصفها القرى وحصارها اقتصادياً، ومنع وصول الإغاثة إليها. ولم تستثنِ جماعة الحوثي أي قوى سياسية من أساليبها الانتقامية، فبعد انفراط تحالفها مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وقتله، عمدت جماعة الحوثي إلى التنكيل بالمناطق التي ظلت مواليةً لصالح. وتبرز، في هذا السياق، مأساة قرية "الحيمة"، في مديرية
تكمن مأساة المُهجرين اليمنيين في أنهم ضحايا معزولون لا تبالي بهم أطراف الصراع اليمنية وحلفاؤهم، فإضافةً إلى كلفة الحرب التي يعاني منها جميع اليمنيين، يكابد المُهجّرون واقعاً جديداً فرض عليهم من جرّاء إجبارهم على ترك قراهم، واضطرارهم للنزوح إلى مناطق بعيدة، لا تتوفر فيها مقومات الحياة، أو تحولهم إلى عبء اقتصادي على ذويهم في المدن، فضلاً عن الآثار النفسية والاجتماعية لمعاناة التهجير، لكن سلطات الحرب، ومع تسببها بواقع المهجرين، لم توجِد بدائل أخرى لهم، أو تسعى على الأقل إلى توطينهم في مناطق مؤقتة، وتغطية احتياجاتهم الإنسانية.
تهجير الأهالي من مناطقهم لأسباب مختلفة، هو ما نجحت أطراف الصراع اليمنية وحلفاؤها في تحقيقه، وتشريد الأهالي، وتفجير منازلهم، بغرض الانتقام والتنكيل. هذا ما تقوم به الجماعات المليشياوية المنفلتة، مقوّضة بذلك السلم الاجتماعي، ومعمدة ذاكرة الضحايا المُهجرين بثاراتٍ وأحقاد اجتماعية لا يمكن تجاوزها. وفي غياب سلطة سياسية وطنية ترعى المُهجرين، وتتلمس معاناتهم، فإن المهجّرين للأسف، متروكون لمصيرهم المجهول في مخيمات قذرة تتسع كل يوم.