استقبلت مدينة الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سورية، عيد الفطر، اليوم الأربعاء، بالأحزان والغبار، إذ تشيّع قتلى التفجير الانتحاري الذي وقع في آخر يوم من شهر رمضان، في ظل إلغاء المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر.
وتم إعلان الحداد ثلاثة أيام، وسط رياح شديدة محمّلة بالغبار تجتاح معظم مناطقها.
ويُمثّل التفجير الذي ضرب محافظة الحسكة عشية عيد الفطر، وذهب ضحيته عشرات القتلى والجرحى، أحدث حلقة في مسلسل التدهور الأمني الذي تعيشه المدينة، في ظل تنازع السيطرة عليها من قِبل قوات النظام السوري و"وحدات الحماية الكردية"، فضلاً عن القوى الأخرى الموجودة في ريف المدينة، وفي مقدمتها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وقد ارتفع عدد ضحايا التفجير إلى 16 قتيلاً، والذي استهدف أحد الأفران في حي الصالحية، نفذه شخص ترجل من دراجة نارية، مساء أمس الثلاثاء، ليفجر نفسه بين مجموعة كبيرة من الأشخاص، كانوا يقفون في طابور أمام الفرن.
وتبنى تنظيم "داعش" التفجير، في بيان له نشر على وكالة "أعماق" الناطقة باسمه.
وقالت الوكالة، إن التفجير خلّف 35 قتيلاً في صفوف تنظيم "وحدات الحماية"، الذراع العسكري لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، فيما وجّه بعض الناشطون اتهامات لقوات النظام بالوقوف خلف التفجير.
وحسب عدد من الناشطين الأكراد، فإن التفجير استهدف طابوراً لتوزيع الخبز المخصص للعسكريين وأبناء عائلات الضحايا في مدينة الحسكة. وأوضح هؤلاء أنه نظراً لكثرة العسكريين وحاملي أوراق ترخيص أخذ مادة الخبز المخصص لـ"عائلات الشهداء"، تم تنظيم طابور الدور.
من جهته، ذكر موقع "يكيتي ميديا" التابع لحزب "يكيتي" الكردي، أن 23 شخصاً قُتلوا في التفجير. ونقل الموقع عن الطبيب ريناس خضر، قوله إن 13 جثة موجودة في المستشفى الوطني في حي العزيزية وحده. وأكد الموقع وجود تسع جثث أخرى في براد مقصود على طريق الدرباسية، وهو براد لتخزين المواد الغذائية.
ونقل مراسل الموقع، عن ممرض في المستشفى الوطني، قوله إن عدداً من مسلحي حزب "الاتحاد الديمقراطي" أصيبوا في التفجير، وتم نقلهم إلى المستشفيات الميدانية التابعة للحزب خارج المدينة، بينما يتلقى جرحى آخرون العلاج في مستشفيات المدينة الأخرى، وهي الوطني، والحكمة الخاص، والميداني العسكري، وسط دعوات للتبرع بالدم لإسعاف الجرحى.
وقد بادرت "وحدات الحماية الكردية"، إلى فرض طوق أمني على مكان التفجير والمستشفى الوطني، وفرقت مجموعة من الأهالي وذوي الضحايا المتجمعين أمام الموقعين.
من جهته، قال موقع "شباب الحسكة"، إن ثلاثة من مقاتلي "الوحدات الكردية" قُتلوا، اليوم الأربعاء، وأصيب خمسة، إثر انفجار منزل ملغم في قرية حسن زيت، جنوب جبل عبد العزيز، غربي الحسكة.
ووقع الانفجار أمام الفرن المستهدف، بعد ساعات من التوصل إلى اتفاق تهدئة بين قوات النظام و"الوحدات الكردية"، إثر اشتباكات بدأت الإثنين الماضي، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بين الطرفين.
وقالت مصادر إعلامية كردية، إن الاشتباكات تركزت وسط المدينة، واستخدم فيها الطرفان أسلحة خفيفة ومتوسطة، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من المواطنين في حي الصالحية.
وأوضحت المصادر ذاتها، أنّ الاشتباكات بدأت بعد احتجاز سيّارة تابعة لشرطة مرور "الإدارة الذاتيّة"، من قبل عناصر حاجز مليشيا "الدفاع الوطني" في القامشلي، إذ هاجمت "الوحدات الكردية" إثر ذلك الحاجز واشتبكت معهم، لتنتقل الاشتباكات إلى المربّع الأمني، متسبّبة بسقوط أربعة قتلى من المدنيين.
ووصف ناشطون هذه الاشتباكات بـ"المسرحية المكشوفة"، لافتين إلى أن التعاون بين الطرفين مستمر في مناطق الإدارة الذاتيّة على جميع الأصعدة، خصوصاً على صعيد استهداف الناشطين الأكراد ممن يعارضون قيادة "حزب الاتحاد الديمقراطي". كما يضغط الطرفان على الشبان في المدينة، بهدف تجنيدهم في صفوفهما.
وتعمل قوات النظام، من خلال بعض عملائها، على تجنيد الشبان في ريف الحسكة الجنوبي، وتشكيل خلايا تتبع لها، ضمن مناطق سيطرة و"حدات الحماية الكردية"، والتي بدورها تشنّ حملة اعتقالات تطاول شبان المنطقة، بغية تجنيدهم في صفوفها.
وقالت صفحة "اتحاد شباب الحسكة" على شبكات التواصل الاجتماعي، إن النظام أرسل وجهاء ومندوبين ووفوداً تمثله إلى ريف الحسكة الجنوبي، لإقناع السكان بتشكيل خلايا عسكرية في مناطق سيطرة و"حدات الحماية الكردية"، تتبع له مباشرة، فيما شنت الأخيرة، بدورها حملة اعتقالات في الريف الجنوبي للحسكة، طاولت الشبان من مواليد أقل من 1991 لسوقهم إلى معسكرات ودورات قتالية قصيرة.
وأوضحت الصفحة أن ذلك يجري بالتوازي مع الانخراط ضمن ما بات يعرف بـ"قوات النخبة"، التي تُقدم في فترة تدريب تدوم شهرين راتباً قدره 50 ألف ليرة سورية، يرتفع لاحقاً على الجبهات إلى 75 ألف ليرة، مشيرةً إلى أن شريحة الشباب المستهدفة بعمليات التجنيد تتضمن أساساً جامعين وطلبة، ما دفع هؤلاء للهجرة إلى تركيا.
وكان تنظيم "داعش"، الذي يسيطر على بعض مناطق ريف المحافظة، خسر أكبر معاقله في الحسكة بطرده من مدينة الشدادي في 20 فبراير/شباط الماضي من قِبل قوات "سورية الديمقراطية". وتسعى الأخيرة إلى القضاء على بعض الجيوب المخفية له، والاقتراب أكثر نحو منطقة مركدة الواقعة على الطريق الدولي بين محافظتي الحسكة ودير الزور، شرق البلاد، وفي حال السيطرة عليها، ستجد قوات "سورية الديمقراطية" مدخلاً لها إلى الريف الشمالي لمحافظة دير الزور.