من مفارقات الكتابة التاريخية في البلاد العربية أن أغلبية ما كُتب عن الحضارات التي مرّت فوق أرضها مثل المصرية القديمة او السومرية أو الفينيقية، كتبت بلغات أجنبية سواء بأقلام كتّاب أجانب وكذلك حين يكتب أبناؤها حولها، حتى تحوّلت هذه اللغات إلى فضاء نقاش (شبه احتكاري) في مواضيع هذه الحضارات.
هذا ما نلمسه مثلاً في مؤلف الكاتب وأستاذ الهندسة المصري حسين باهر "بورتريه للحضارة المصرية" الذي صدر قبل شهرين.
في "مركز الجزويت الثقافي" في الإسكندرية، يحاضر غداً باهر حول هذا الكتاب، متطرّقاً إلى المواضيع التي تناولها وكذلك إلى ظروف كتابته ومنها خياره الكتابة باللغة الإنجليزية.
لعل أحد أسباب قرار باهر تأليف عمله بغير العربية هو اختصاصه العلمي، الهندسة الكهربائية، الذي سبق أن وضع فيه مجموعة مؤلفات بالإنجليزية باعتبارها أيضاً لغة النقاش المتاحة في هذا المجال.
يقوم كتاب "بورتريه للحضارة المصرية" على محاولة رصد "الحداثي" في مصر القديمة، من خلال انتقاء تعريف محدّد للحداثة، التي تمثل بالنسبة إليه بنية فوقية تحدّدها عوامل مثل النظام الاجتماعي والفن وممارسات الحياة اليومية، كما أنها تحتاج إلى مشروع طليعي تفرزه النخب، وهي عناصر يرى أنها توفّرت بمقاييس ذلك العصر في مصر.
مسألة الحداثة يدرسها باهر أيضاً من خلال فكّ لغز حروف اللغة الهيروغليفية في القرن التاسع عشر، التي تمثل بالنسبة له الوجه المقابل (ربما الإيجابي) من صدام مصر مع الحداثة في التاريخ المعاصر، في مقابل الوجه الثاني وهو مَدافع نابليون بونابرت.
لعل الكتابة بالإنجليزية، بوصفها لغة مهيمنة زمَن الحداثة، جعل الحضارة المصرية تمثّل شكلأً آخر من صدامات الحداثة بالمنطقة العربية. فهل أن التقاط حداثة مصر القديمة غير ممكن بلغة الضاد؟