فاقمت جائحة فيروس كورونا الجديد من أزمة ديون الأسر في تونس، التي زادت معدلات البطالة وفقدان الوظائف، بينما ظلت هذه الديون لسنوات ماضية مثار قلق واسع لدى البنوك والحكومة، في ظل ارتفاع حالات التعثر عن السداد، ما دعا إلى تحرّكات حكومية عبر طرح مشروع قانون يسمح بتسوية الديون.
وتظهر بيانات رسمية أن نحو نصف مليون أسرة تدور في دوامة الاستدانة المستمرة، بينما يرمي مشروع القانون الذي اطلعت عليه "العربي الجديد" إلى مساعدة الأشخاص الطبيعيين الذين يعانون تدايناً مفرطاً تجاه البنوك وعجزوا عن تسديد الالتزامات المستحقة عليهم، شريطة ألا تكون هذه الديون لها طبيعة مهنية، مع تقديم المدين ما يثبت عجزه عن السداد.
وبحسب مشروع القانون، يتم الاتفاق على برنامج التسوية الرضائية بين المدين والدائن والتي تصل إلى 60% من إجمالي الديون.
ويتزامن طرح الحكومة مشروع قانون التداين المفرط للعائلات مع فقدان نحو 270 ألف تونسي وظائفهم عقب جائحة كورونا وارتفاع نسبة البطالة في الربع الثاني من العام الجاري إلى 18% مقابل 15% بداية العام.
وقال طارق بن جازية، الكاتب العام لمرصد الخدمات المالية (جمعية مستقلة) إن هناك حاجة ضرورية إلى مثل هذه القوانين، بعد تدهور الوضع المالي للأسر جراء الجائحة الصحية والتوقعات السائدة بزيادة أعداد غير القادرين عن دفع ديونهم المستحقة للبنوك.
وأضاف بن جازية لـ"العربي الجديد" أن دراسة أجراها مرصد الخدمات المالية رجّحت ارتفاع نسبة الفقر في تونس إلى 21% نهاية العام الحالي مقابل 15,2% في الربع الأول من 2020، كما رجّحت نزول الطبقة الوسطى في تونس إلى ما دون الـ 50% من مجموع السكان مقابل 67% حالياً.
وتابع أن هذه العوامل مجتمعة تُربك قدرة الأسر على تحمل ديونها، ولا سيما من فقدت مواطن شغلها (الوظائف)، مشدداً على أهمية طرح القانون سريعاً للنقاش في البرلمان من أجل إنقاذ العائلات المهددة بفقدان مواردها أو ممتلكاتها جراء عدم قدرتها على السداد.
وأكد الكاتب العام لمرصد الخدمات المالية أنّ مشروع القانون سيعود بالفائدة أيضاً على المصارف، بما يساهم في تقليص قيمة الديون المصنفة (غير المستخلصة) أو التي دخل أصحابها طور التقاضي.
وبلغت قيمة ديون الأفراد المصنفة لدى البنوك نحو 1.024 مليار دينار (372 مليون دولار) خلال العام الماضي 2019، مقابل 981 مليون دينار في 2018 ونحو 885 مليون دينار في العام السابق عليه، وفق آخر بيانات رسمية للبنك المركزي التونسي.
وتكشف الزيادة في حجم ديون الأفراد المصنفة من عام إلى آخر حقيقة الصعوبات المالية التي تواجهها الأسر، ما يزجّ ببعضهم إلى دوائر القضاء وإجراءات الحجز على الممتلكات أو المرتبات من قبل البنوك لتحصيل الديون.
وفي تصنيف للقروض المتعثرة، التي كشف عنها البنك المركزي، تحتل قروض تهيئة المساكن المرتبة الأولى، تليها قروض الاستهلاك، ثم قروض اقتناء المساكن الجديدة. ووفق آخر بحث قام به المعهد الوطني للاستهلاك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 حول التداين الأسري، يتضح أن المواطن أصبح يعيش نمطاً استهلاكياً متصاعداً لا يتماشى ومستوى الأجور والمداخيل عموماً، وهو ما جعل نسبة القروض على المستوى الوطني تنمو سنوياً، وأدى إلى اختلال التوازن بين المنظومة الاستهلاكية والقدرة الشرائية.
وقفزت ديون الأفراد والأسر بنسبة 120% بين ديسمبر/ كانون الأول 2010 وسبتمبر/ أيلول 2018، بحسب البيانات الصادرة عن البنك المركزي.
واعتبر محمد منصف الشريف، الخبير الاقتصادي، أن ارتفاع قروض الاستهلاك نتيجة حتمية للعوامل الاقتصادية المتمثلة في تدهور القدرة الشرائية منذ 2011، وارتفاع مستويات الأسعار، مشيراً إلى أن نحو 500 ألف أسرة في حالة سداد للديون على المدى المتوسط والطويل، وفق البيانات الرسمية، وهو ما يؤثر مباشرة على قدرتها الشرائية وعلى تطوير مستوى العيش.
وقال الشريف لـ"العربي الجديد" إن وضعيات التداين المفرط مرشحة للتزايد في ظل الأزمة الاقتصادية المترتبة على جائحة كورونا، بما يؤكد أهمية إصدار قانون يعالج هذه المشكلة.
ووفق بيانات حديثة صادرة عن المعهد الوطني للاستهلاك، فإن الأسر المديونة تخصص نحو 43% من أجورها لسداد الديون، وقد ترتفع هذه النسبة لدى بعض الأسر إلى 60%، لافتةً إلى أن 70% من الأسر لها مصدر وحيد للتداين و20% لها مصدران و10% 3 مصادر فما فوق، وأن الأسر التي تتكوّن من 4 إلى 5 أفراد تمثل 59% من الأسر المقترضة، مع تمركز 60% من هذه الأسر في إقليم تونس الكبرى (يضم ولايات تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) شمال البلاد.