ترفض الحكومة العراقية الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من كثرة المطالبات من قبل لجان حقوق الإنسان العراقيّة، ويعود سبب الرفض بشكل أساسي إلى أنّ الانضمام سيحتم عليها إخضاع المؤسسات القضائيّة العراقية للرقابة من قبل المحكمة، وهو ما ترفضه بشدّة لكونها تريد تسيير القضاء وفق رغباتها، بحسب ما يؤكّد خبير قانوني لـ"العربي الجديد".
وكشف عضو في لجنة النزاهة البرلمانيّة، فضّل عدم نشر اسمه، أنّ "الحكومة ترفض رفضاً قاطعاً انضمام العراق الى المحكمة الجنائيّة الدوليّة، خوفاً من متابعة المحكمة للقضاء العراقي".
وأضاف المصدر نفسه أنّ "لجان حقوق الإنسان ومنظمات مجتمع مدني تبذل جهدها في محاولة إقناع الحكومة بالانضمام إلى المحكمة، الأمر الذي يرونه ضرورة ملحة لبلد مثل العراق يتعرض بشكل مستمر لانتهاكات حقوق الإنسان في شتى المجالات". وأكّد أنّ "الحكومة تتجاهل وتماطل تجاه كل تلك المطالب والنداءات".
بدورها، قالت عضو لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، شيرين رضا لـ"العربي الجديد"، إنّ "انضمام العراق الى المحكمة الجنائية أصبح اليوم ضرورة ملحة، لا يمكن تجاهلها والسكوت عنها، لأن البلد يتعرض لانتهاكات كبيرة من جهات عدّة، ومنها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وما يرتكبه من جرائم بحق الإنسانيّة".
وأوضحت رضا أنّ لجنتها "طالبت وتطالب الحكومة ووزارة حقوق الإنسان بالعمل بجدية على انضمام العراق إلى المحكمة، وقدمنا طلباً للحكومة بتشكيل لجنة بعضوية وزارات العدل والخارجية وحقوق الإنسان، للضغط على المجتمع الدولي من أجل منح العراق عضوية في المحكمة"، مستدركة "لكن للأسف لا نرى أيّ خطوات جديّة من قبل الحكومة إزاء مطالبنا".
وأشارت إلى أنّ "الانضمام الى المحكمة يمنحنا الفرصة لإنصاف الأبرياء الذين تعرضوا لأنواع الانتهاكات من قبل عناصر داعش، وسيفتح الباب لإدانة ومحاسبة عناصر التنظيم دوليا، وفي أي مكان في العالم".
بدورها، رأت رئيسة منظمة الحياة لحقوق الإنسان العراقية (وهي منظمة مجتمع مدني) ابتهال الزيدي، أنّ "المنظمة قدّمت، بالتعاون مع منظمات أخرى، دراسات عن أهمية انضمام العراق إلى المحكمة، لكن من دون جدوى".
اقرأ أيضاً (المدنيون في العراق: ضحايا مجهولون في زمن الموت الجماعي)
وأضافت الزيدي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "تجاهل الحكومة لنداءاتنا ومطالبنا يعكس عدم اهتمامها بترسيخ مبادئ حقوق الإنسان، بل إنّها تنتهك تلك الحقوق من خلال رفض أيّة متابعة دولية لحماية الإنسان العراقي من الانتهاك من أيّة جهة، سواء أكانت حكوميّة أم خارجة على القانون".
ودعت الزيدي الحكومة الى "إعادة النظر بسياستها تجاه ملف حقوق الإنسان وعدم إهماله، وأن تقبل كل ما هو في صالح المواطن، وكفاها تجاهلاً للمناشدات التي تحمي الإنسان العراقي وتسعى لترسيخ حقوقه".
من جهته، رأى الخبير القانوني أحمد منّاع أنّ "المحكمة الجنائية تفرض رقابة على القضاء وسير المحاكمات في الدول الأعضاء، الأمر الذي لا ترضاه الكثير من الدول ومنها العراق، الذي يعدّ اليوم من أكثر البلدان التي يسيّس فيها القضاء ويكون راضخاً لإرادات حزبيّة وحكومية لتمرير بعض الأجندات".
وأضاف منّاع لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحكومات العادلة والمنصفة، والتي تحترم حقوق الإنسان هي التي تسعى وبدون مطالبة الى انضمامها للمحكمة. لكن في بلد كالعراق، تنتهك فيه حقوق الإنسان من قبل أجهزة الدولة، وسط صمت أو حتى تواطؤ وتوجيه حكومي، من غير المعقول أن تسعى حكومته إلى وضع نفسها وأجهزتها أمام المراقبة والمساءلة القانونيّة".
وأشار إلى أنّ "الحكومة تسعى لبقاء العراق بعيداً عن الرقابة والمساءلة القانونيّة، على الرغم من أنها هنا تحمي المجرمين وتحمي الأجهزة القمعيّة، كي تتصرف بالسلطة كما تشاء".