يبدو أن الحكومة الفرنسية بدأت تستغل العنف الذي يرافق تظاهرات "السترات الصفراء"، خاصة ما وقع يوم السبت من الاعتداء على دركيَين واقتحام مقر إحدى الوزارات، لفرض معالجة أمنية للحراك، بعد أن رفضت قطاعات عريضة من المتظاهرين الإجراءات الحكومية وشككت في مصداقية النقاش الوطني الكبير، الذي سيبدأ في 15 يناير/ كانون الثاني وينتهي في 15 مارس/ آذار.
وكان الرئيس ماكرون سبّاقًا للحديث في خطابه الأخير عن استعادة النظام الجمهوري. ونفس الخطاب عبّر عنه وزير الميزانية وأيضًا وزير الداخلية وكذلك المتحدث باسم الحكومة، الذين طالبوا بـ"أقصى درجات العقاب" ضد الضالعين في "العنف والتخريب".
وصعّد رئيس الحكومة، إدوار فيليب، من لهجته الانتقادية لـ"العنف"، فأكّد في لقاء له مع القناة الإخبارية الأولى، مساء اليوم الإثنين، أن مثيري الشغب "لن تكون لهم الكلمة الأخيرة"، مشددًا على اللجوء للاعتقالات، حتى تقوم العدالة بإصدار الأحكام، من أجل "ضمان النظام العام".
وهو ما يعني، كما وعد رئيس الحكومة زيادة أعداد رجال الأمن، يوم السبت المقبل، إذ توعّدت صفحات "فيسبوك" تابعة لـ"السترات الصفراء" بمواصلة التعبئة وبجولات أخرى من الحراك.
وأكد رئيس الحكومة أن السبت المقبل سيعرف انتشار 80 من أفراد الأمن مدعومين بـ5000 آلاف من الشرطة والدرك.
ولأن هذا الأمر ليس كما كان في السابق، حين كانت تقوم على التظاهرات أحزاب ونقابات، بينما تظاهرات "السترات الصفراء" لا يعرف منظموها، وغالبًا لا تتقدم بطلب ولا تحصل على ترخيص، فإن ذلك يستدعي الاستعانة بترسانة قانونية جديدة، أي سن قانون جديد يشدد العقوبات على "مثيري الشغَب". ومن هنا يقول رئيس الحكومة: "إذا أردنا الدفاع عن حرية التظاهر، فيجب تطوير قانوننا واستكمال الترتيبات التشريعية". وهو ما يعني أن "الحكومة تؤيد تغيير قانوننا ومعاقبة من لا يحترم ضرورة الإعلان عن التظاهرة"، وهي إشارة إلى الرغبة في استعادة الإجراءات التي كانت جارية في بداية الألفية الثانية من أجل مواجهة الهوليغانية (المجموعات المرتبطة بالتعصب الرياضي).
ولكن الحكومة لم تنتظر صدور القانون الجديد، كي تمارس تشدداً مع المتظاهرين. فرئيس الحكومة يعترف بإيقاف 5600 متظاهر، صدرت أحكام قضائية ضد أكثر من ألف من بينهم. وأعلن بأن الحكومة لن تسمح باستفادة البعض من التظاهرة من أجل التحطيم والحرق. وأضاف بأنه "أحيانًا يأتون من أجل التكسير، والنهب، وأحيانًا أخرى من أجل التشكيك في المؤسسات".
ومثلما يحدث عند صدور كل قرار حكومي، فقد سارعت المعارضة لانتقاده، مثل رئيس حزب "الجمهوريون"، لوران فوكييه، الذي كان من مؤيدي "السترات الصفراء"، قبل أن يتراجع، حين أدرك أن الفائز الأكبر من الحراك هو غريمه "التجمع الوطني"، التي ترأسه مارين لوبان. وأبدى فوكييه خيبة أمله من الإجراءات الحكومية الجديدة، مشككًا في نجاعتها. وفي نوع من المزايدة طالب في تغريدة له بـ"إعادة حالة الطوارئ".
أما حركة "فرنسا غير الخاضعة"، التي تؤيد السترات الصفراء، والتي أعلن المتحدث باسم الحكومة، بنجامان غريفو، أنها غادرت "الساحة الجمهورية"، فقد سخر قياديون فيها من الإعلانات الحكومية، التي عبّر عنها رئيس الحكومة. وعبّر إيريك كوكريل، أحد وجوه الحزب البارزة، عن قلقه من خطاب فيليب بالقول: "جواب رئيس الحكومة ليس فقط معاقبة مثيري الشغب، ولكن أيضًا المشاركين في تظاهرات غير مصرح لها"، وأضاف: "يتحدث رئيس الحكومة عن سجل يضم 45 ألف شخص. إذن فهل سنحرم 45 ألف من التظاهر؟"، أما رئيس الحركة، جان لوك ميلانشون، فقد غرّد، ساخراً: "إدوار فيليب يسمح للمتظاهرين بألّا يتظاهروا البتة، وإلا سيتم تسجيلهم".
غير أن رئيس مجلس الشيوخ، وهو من حزب "الجمهوريون"، فعبّر عن ابتهاجه لأن "الحكومة قبلت، أخيرًا، بمقترحات مجلس الشيوخ".
ومن جهة أخرى، وقبيل بدء النقاش الوطني الكبير، الذي يأمل منه الرئيس ماكرون أن يضع حدًا لأزمة "السترات الصفراء"، والذي ترى فيه أغلبية من السترات الصفراء أنه خديعة وأن الرئيس لن يقبل بأي تنازلات، انفجر سجال حاد في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يعزز المشككين في جدوى هذا النقاش، ويتعلق بمرتّب من أرادها ماكرون المشرِفَةَ على هذا النقاش الكبير، شانتال جوانو. فقد كُشِف عن أجرها الإجمالي في هذه المهمة، ويصل إلى 176 ألف يورو، أي ما يعادل، تقريبًا، ما يحصل عليه رئيسا الجمهورية والحكومة، سنويًا، وهو ما علقت عليه المعنية بالأمر بنوع من السخرية ورحابة الصدر: "السلطات هي من حددته. ولا يتعلق بي. وإذا أراد الفرنسيون تقديم اقتراح لمراجعته، فهم أحرار".