الحلقة المفقودة في النهضة

17 فبراير 2018
+ الخط -
كان لافتاً ذلك المشهد المصور لشباب بريطانيين يشجعون نادي ليفربول الإنكليزي، ويهتفون باسم اللاعب المصري المتميز محمد صلاح الذي حقق إنجازات كروية بارزة للنادي، "أحرز المزيد من الأهداف وسأصبح مسلماً مثلك يا صلاح".

تعيش أمتنا العربية الإسلامية على هامش التاريخ في أيامنا هذه، نتيجة التأخر البارز في ميدان الحضارة، الذي يشكل أزمة حضارية تضعنا على المحك، فأصبحنا أمة مهزومة حضارياً نعيش عالة على باقي الأمم، منذ ما يربو على القرنين من الزمان.
لقد أحيا هتاف الشباب البريطاني لمحمد صلاح التساؤل في الأذهان عن أي إنجاز حققناه كأمة إسلامية تجعل لنا صوتاً ومكاناً بارزاً بين الأمم الأخرى، فإنجاز في مباراة كروية حقق هذا الصدى، فكيف بنا لو أن لنا إنجازات أخرى في ميدان العلم والصناعة؟
ومن البديهي أن نعرف أننا لن ننجح في الارتقاء بواقعنا الرث ما لم نجد الحلقة المفقودة التي جعلتنا متأخرين بهذا الشكل المريع، ولنسأل أنفسنا لماذا؟

وبعيداً عن نظريات المؤامرة التي يرجع البعض لها سبب تأخرنا وعن أن هناك من يتآمر علينا ليبقينا على واقعنا السيئ، فإننا يجب أن ندرك أن هناك خطأ في طريقة فهمنا للأمور.
ومن نافل القول ذكر أن أمتنا انقسمت بين فريقين، أحدهما انبهر بإنجاز الغرب واستُلب عقله بكل تفاصيل حياة الغرب فراح يجد الحل في تقليدهم بكل شيء حسناً كان أو قبيحاً، وتنكر في الوقت ذاته لهويته ودينه وتاريخه، وطوال الوقت تسمعه يزدري كل هويتنا وثقافتنا الإسلامية لأنها بنظره مدعاة تخلف وتقهقر، وفريق آخر تقوقع على نفسه، وراح يتجاهل كل ما يجري حولنا من قفزات علمية وإنجازات حضارية، فحصر العلم بالعلم الشرعي وتطبيق تعاليم الإسلام، ظناً منه أن تطبيق تعاليم الإسلام وفق فهمه الضيق هو المرتجى من الحياة الدنيا، متناسياً أن إعمار الأرض هو من الأمور التي خلق الله تعالى الخلق لأجلها.

ونحن بدورنا لا يعنينا تفكير الفريق الأول، فهم وجدوا ضالتهم في استلابهم للغرب، ولن نهتم لأمرهم، لكننا بصدد الحديث عن الفريق الثاني، فنحن نعتقد أن الحلقة المفقودة موجودة عندهم.
نعم الحلقة المفقودة هي الاهتمام بالمظاهر الدينية وقشور الدين، وإهمال جوهر الدين ومقصده الحقيقي، وقد يلاحظ المرء ذلك بشكل واضح في تصرفات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية على سبيل المثال، فكم كبير من الجهد تبذله هذه الهيئة في إشغال حيز كبير من العقل عندهم ليناقش موضوع تحليل أو تحريم قيادة المرأة للسيارة!

ويا ليت تلك العقول تشغل حيزاً كبيراً منها في دراسة قضية علمية، أو بحث علمي في مجال الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات أو الطب أو الفلك أو أي تخصص علمي يضع لنا موطئ قدم على سلم الحضارة الإنسانية.
في كل عام تحدث احتفالية عالمية لتوزيع جوائز نوبل في اختصاصات متعددة من العلم، ونحن مغيبون، الدول المتقدمة تنفق الكم الكبير من ناتجها الإجمالي على مجال البحث العلمي، ونحن مغيبون.
لماذا لا توجد عندنا جامعة واحدة مصنفة ضمن أول 100 جامعة على مستوى العالم، على الرغم مما نملك من قدرات بشرية وموارد؟! لماذا كل 80 مواطناً عربياً يقرؤون كتاباً واحداً فقط في السنة بينما يقرأ المواطن الأوروبي الواحد 40 كتاباً في السنة؟!
لن تكون النهضة ما لم ندرك أن الدين الإسلامي دين علم وعمل وأخلاق وليس دين طقوس ومظاهر فقط، لن تكون لنا نهضة ما لم نغير أنفسنا ونغير طريقة فهمنا الخاطئة.
لقد نهضت اليابان خلال 50 سنة فقط نهاية القرن التاسع عشر، بدون أن تتخلى عن تراثها وأصالتها وهويتها، وحتى بعد التدمير الهائل الذي منيت به في الحرب العالمية الثانية، إذا بها تنهض من جديد لتكون ثالث أقوى اقتصاد في العالم، على الرغم من أن اليابان تشتري كل حاجتها من النفط ولا تملك ما تملكه العديد من دولنا العربية من الموارد.
ونحن لا ننكر أن الأنظمة الاستبدادية الفاسدة التي تسلمت زمام السلطة في أغلب بلداننا كان لها الدور الرئيس في التقهقر الذي نعانيه، وأن سرقة الموارد والثروة الوطنية كانت تحدث من قبل الطغم الحاكمة في العديد من البلدان، ليتم نهب مئات المليارات من الناتج الإجمالي لحسابات شخصية على حساب أمة بكاملها، بدون الالتفات إلى صرف الناتج الوطني على ما يعزز النهضة التي نتوخى، وليس لهذا الحد، بل إنك ستجد أن شعوبنا تغرق بالفقر والحاجة والسعي وراء لقمة العيش، مع تدني الخدمات التي من المفترض أن تؤمنها تلك الأنظمة الفاسدة، حتى تذيلنا قائمة الدول بكل شيء حتى بأبسط مقومات الحياة.
إذن أين هي الحلقة المفقودة في أمة تنسب الإسلام إليها؟ الحلقة المفقودة تكمن في المؤسسات الإسلامية التي تقدم نفسها الناطقة باسم الدين، وتقدمه بصورة لا تخدم النهضة، تقدمه دين طقوس ومظاهر وحسب، تقدمه على أنه دين تقصير ثوب وإطالة لحية، تقدمه بمفاهيم ضيقة، تضيق على الناس واسعاً، وفي نفس الوقت تداهن للمستبدين وللطغم الحاكمة، وجعلت من الدين واسطة لتمكين الاستبداد والفساد فساهمت في عرقلة النهضة بدعم المستبدين، وتجهيل الشعب وتهميش العلم.
لن نستطيع أن نفرض احترامنا على بقية الأمم ما لم نحقق إنجازات ملموسة في مضمار الحضارة التي تتسابق عليها الأمم الأخرى في ميدان العلم والمعرفة وما ينتج عنها من صناعة وازدهار، وحينها فقط سيرانا الآخرون، وسيهتفون كما هتفوا لمحمد صلاح "أحرز مزيداً من الأهداف وسأصبح مسلماً مثلك يا صلاح، سأكون في المسجد حيث تكون".

BFC43402-F32A-4D58-8773-9B8D1DB9D885
محمد الشامي

مهندس، تخرج من جامعة دمشق، مهتم بالقضايا العلمية والتاريخية والقضايا المعاصرة.