لن تفيد الوساطات المصرية ولا الأردنية، ولا أي جهد دبلوماسي دولي، أو ضمانات من أي نوع كانت ما لم تعتمد على رفض الاحتلال كلياً، وعدم التعاطي مع حلول هي أقرب ما يكون إلى المسكنات التي تؤجل انفجار الأوضاع، ما دام الاحتلال يواصل تنفيذ مخططات التهويد والتقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، مستفيداً من سابقة تثبيت التقسيم الزماني والمكاني في الحرم الإبراهيمي في الخليل.
قد تنجح الوساطة والمساعي المصرية والأردنية الحالية في تمديد حالة تهدئة في قطاع غزة، وتأجيل انفجار في القدس المحتلة، وقد تمنح الاحتلال وحكومته، ممثلة ببنيامين نتنياهو شخصياً، حالة هدوء يمكن له استثمارها، بفعل العلاقات والتعاون المميزين مع الأردن ومصر، لاجتياز المعركة الانتخابية بنجاح نسبي، لكنها لن تشكل بأي حال من الأحوال بديلاً عن الحل الذي لا فرار منه، وهو زوال الاحتلال واستعادة الحرية والسيادة على القدس المحتلة، وباقي أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة.
هذه هي الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن تفاديها، خصوصاً على ضوء تعنت حكومة دولة الاحتلال الحالية، واستفحال قوة اليمين الإسرائيلي، بشقيه العلماني والديني، وضمنه أيضاً ما يمثله حزب الجنرال بني غانتس "كاحول لفان"، الذي أوضح أنه لا يحمل في جعبته أي خيار سلمي إسرائيلي، أو وعود بتسوية تقوم على الحد الأدنى المقبول عربياً، وهو حل الدولتين على أساس معادلة الأرض مقابل السلام، وتفكيك المستوطنات، كل المستوطنات، وإعلان دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس وضمان حق العودة.
في غياب أي من هذه الشروط، لن يكون هناك أي حل حقيقي قابل للحياة. بل ستكون هناك مجرد اتفاقيات تهدئة ووقف إطلاق نار قصيرة الأمد، من حين إلى آخر على الحدود مع قطاع غزة، واستمرار في تطوير وبناء المستوطنات الإسرائيلية، بما يكرس حالات نهب الأرض الفلسطينية وتقييد حرية الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتأجيج الاحتقان الداخلي في ظل مواصلة التنسيق الأمني من دون أن يكون في الأفق أي أمل حقيقي بالتحرر من الاحتلال، بل قد يحل مكانه يأس وتسليم بالوضع القائم الذي يتدهور باستمرار نحو تكريس "نظام أبرتهايد" إسرائيلي الطراز، أسوأ بكثير من نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا.