تبدو الأزمة الليبية حالة سياسية تدفع إلى اليأس من إمكانية حلّها قريباً، بسبب تعنّت الأطراف المتنازعة، وتشبث كل طرف بموقفه، وإصرار البعض على حسم النزاع بقوة السلاح.
وزادت التدخلات الأجنبية من تعقيد الوضع، خصوصاً مع اقتراب بعض الفصائل من إدراك حقيقة أن السلاح لن يحل المشكلة، وأن الحسم العسكري أمر في غاية الصعوبة، ما جعلها تبدأ بالنظر إلى الحوار باعتباره السبيل الوحيد لفض النزاعات بين أبناء البلد الواحد.
ونظراً إلى "الضجر الكبير" الذي أصبح يبديه المواطن الليبي، جراء وضعه المعيشي الصعب، فضلاً عن حالات الهجرة الجماعية لمئات آلاف الليبيين، فقد بدأت تتشكّل في الساحة الليبية ملامح وعي بضرورة حل الأزمة عبر الحوار، وهو الأمر الذي استثمرته القوى الإقليمية المعنية باستقرار المنطقة وأمنها، وفي مقدمتها الجزائر وتونس.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر مطلعة في تونس، لـ"العربي الجديد"، عن أن اتصالات مكثفة تجري من أجل تيسير انعقاد مؤتمر الحوار الليبي الذي ستحتضنه الجزائر قريباً. وأن هذه الاتصالات بقيت سرية وبعيدة عن الإعلام بهدف عدم التشويش على مساعي الحل، والوصول بها إلى النتيجة المرجُوّة المتمثلة في جمع كل أطراف النزاع لإجراء حوار هو الأول من نوعه منذ اندلاع الأزمة، وربما منذ اندلاع الثورة في ليبيا.
وتؤكد المصادر أن الحوار الليبي يمكن أن ينعقد في مدى قريب جداً، وأن "هناك أملاً كبيراً في نجاح هذا المؤتمر".
وتستدل المصادر على إمكانية النجاح بتوجه العديد من الشخصيات الليبية إلى الجزائر، مثل علي الصلابي ونوري أبو سهمين وعبد الحكيم بلحاج، والأطراف الممثلة للشرعية الانتخابية. وأكدت أن "هناك تقديراً ليبياً لموقفي الجزائر وتونس القويين الرافضين للتدخل الأجنبي في ليبيا".
وتؤكد المصادر أن الجزائر نجحت في المحافظة على اتصالات بكل الأطراف المتنازعة، ما أهّلها للعب دور كبير في جمع كل الفرقاء إلى طاولة الحوار.
وترى المصادر أن زعيم "حركة النهضة" التونسية، راشد الغنوشي، يلعب دوراً بارزاً في إقناع أطراف ليبية بالمشاركة في الحوار، بناءً على مبدأ "إسناد الشرعية الانتخابية بشرعية توافقية" على غرار التجربة التونسية، وأن هناك استعداداً ليبياً وقبولاً بالفكرة.
اللافت أن "المساعي المبذولة لا تقتصر على الشخصيات القريبة من التيارات الإسلامية"، إذ تؤكد المصادر أن "الغنوشي بصدد التحاور مع جميع أطراف النزاع في ليبيا، وأن اتصالات جرت مع أطراف عدة، بهدف إنجاح مؤتمر الجزائر".
وكان الغنوشي قد بعث، الأسبوع الماضي، برسالة إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، يدعم فيها إجراء الحوار، ويشكر الجزائر على مساعيها الرامية لوقف الاقتتال.
بموازاة ذلك، تؤكد المصادر وجود رغبة دولية، أوروبية تحديداً، لدعم الاستقرار في ليبيا، والتشجيع على مبادرات الحوار، كونه لا مصلحة لدول القارة العجوز في استمرار حالة الفوضى في ليبيا القريبة، لا سيماً بالقرب من آبار النفط والغاز.
وكان الغنوشي وبوتفليقة قد أعلنا خلال زيارة الأول للجزائر، رفضهما المطلق للتدخل الخارجي في ليبيا، وشدّدا على أن التدخل لا يمكن أن يحل المشكلة بل سيزيد تعقيدها، وهي الرسالة التي وصلت إلى الأطراف الليبية المتنازعة، فضلاً عن الدول الأخرى التي تدرك حجم الجزائر وثقلها، الأمر الذي يزيد من حظوظها في التوصل إلى لقاء يمكن أن يشكل أمام الليبيين بداية الطريق للخروج من الاقتتال الدائر.