أما مصر عبدالفتاح السيسي "فقد يئست من الرهان على روسيا"؛ تلك الخلاصات جاءت على لسان مصدر دبلوماسي مقرّب من النظام المصري، شارحاً به اهتمام الطرفين بالحوار الاستراتيجي الجاري، مشيراً في الوقت نفسه إلى سياسة "عصا وجزرة" تلوّح بها واشنطن حالياً لمصر لتحقيق مرادها من وراء استئناف الحوار.
اقرأ أيضاً: الحوار الاستراتيجي الأميركي المصري اليوم: رحلة تطبيع العلاقات المعقّدة
وكشف المصدر الدبلوماسي، الذي فضّل عدم نشر اسمه، أنّ "اتصالاً هاتفياً مطولاً جرى قبل نحو شهرين من الآن، بين وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، والرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، تم خلاله الاتفاق على عقد جلسات الحوار بالقاهرة، وأنهما استعرضا الخطوط العريضة الرئيسية لمواضيع الحوار، وتركا التفاصيل للجان فنية متخصصة من الطرفين".
وقال المصدر نفسه: "كانت هناك عوامل مشجعة على إعادة إحياء فكرة الحوار؛ فالطرف الأميركي يرى أن الدور المصري يمكن أن يخدم سياسات الولايات المتحدة، وأن يكون أكثر تأثيراً، إذا تجاوزت العلاقات مرحلة قصيرة من الفتور، أعقبت الثالث من يوليو/ تموز 2013 (الانقلاب العسكري). فيما وجد النظام المصري أن التعويل على العلاقات مع روسيا لن يجدي، حتى مع داعمين إقليميين، في مقدّمتهم السعودية، التي تتخذ مواقف مغايرة من الجانب الروسي في ملفات مهمة، منها سورية، وإيران، وليبيا".
وأشار إلى أن "إرسال طائرات "أف 16" الأميركية إلى مصر، قبل أيام من الحوار، يحمل دلالات مهمة على رغبة الطرفين في تقديم ما يطمئن كل منهما".
في السياق نفسه، يقول مصدر سياسي، لـ"العربي الجديد"، إن "الموقف المصري من ملفي سورية وليبيا، هو الأهم، وربما يكون الشيء الجديد الوحيد في البنود المطروحة للمناقشة بالحوار الاستراتيجي؛ فالجانب الأميركي يريد أن يكون للمصريين موقف منسجم تماماً، ربما إلى حد التماهي، مع الرؤية الأميركية القريبة من الموقف السعودي في هذا الشأن".
وبالنسبة لبقية البنود، لا جديد فيها، بحسب المصدر نفسه، الذي يوضح أن "المساعدات والصفقات العسكرية الأميركية لمصر، محل اتفاق بين الطرفين، ولا تتأثر بالمتغيّرات؛ فقد تتأخر صفقة أو دفعة من المساعدات شهراً، أو شهوراً معدودة على الأكثر، لكنها لا تُلغى مهما كان مستوى العلاقات والتعاون الأمني والاستخباراتي في مجال مكافحة الإرهاب".
وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية الأميركي أن بلاده ستواصل تقديم الدعم العسكري لمصر. وأشار في كلمته في أولى جلسات الحوار الاستراتيجي إلى المساعدات التي قدمتها بلاده لمصر، بينها طائرات "أف 16" وأباتشي وعربات مصفحة.
وقال كيري إن أميركا ستواصل "تقديم الدعم والتدريب للعسكريين المصريين في محاولة لدفع القدرات وتحقيق الأهداف القصوى للأمن".
من جهة ثانية، أشار المصدر السياسي أعلاه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الاستفسارات الأميركية بشأن ملف حقوق الإنسان في مصر، أقرب للدعاية الإعلامية التي تمتص من خلالها الإدارة الأميركية ما يمكن أن يثار من انتقادات حولها في الداخل الأميركي. كما لم تؤثر يوماً بمفردها على موقف الولايات المتحدة من نظام الحكم في مصر؛ فالمصالح حين تتعارض مع المبادئ، تكون الأولى هي الراجحة، بدون تردّد".
وخلص إلى أن "الحوار الاستراتيجي يبقى مجرد شكل، أشبه بحفلات العلاقات العامة، اتفق الطرفان على طريقة إخراجه والتركيز عليه إعلامياً، كلٌ لمصلحته الخاصة، لكن مضمون الحوار لن يسفر عن نتائج مغايرة، ولا عن سياسات متغيّرة لكليهما، في ما يخص العلاقات الثنائية".
وعزت مصادر دبلوماسية مصرية التقارب الأميركي الأخير من خلال إحياء الحوار الاستراتيجي المشترك، إلى "رغبتها في جذب مصر مرّة أخرى إلى جناحها السياسي في الشرق الأوسط، والذي حاولت روسيا العبث به وتفكيكه بغرض استغلال الأزمات التي وقعت في المنطقة العربية خلال السنوات الخمس الماضية، ولا سيما أن مصر أرسلت عدة إشارات بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي توحي بأنها ستتوجه إلى الجناح المؤيد للسياسات الروسية في المنطقة".
وأضافت المصادر نفسها أن حضور جون كيري إلى القاهرة، وإرسال الطائرات المقاتلة المتبقية من المساعدات الأميركية إلى مصر خلال أسبوع واحد، يؤكد أن "الولايات المتحدة عازمة على استعادة العلاقات الثنائية المميّزة التي كانت تربطها بمصر في مرحلة حكم مبارك، والقائمة في جزء منها على استغلال مصر كصاحبة أقوى جيش في المنطقة ليقف جنباً إلى جنب مع حلفاء الولايات المتحدة مع دول الخليج في المهام الاستراتيجية الإقليمية".
وأوضحت المصادر أن هناك مستجدين تريد الولايات المتحدة الاستفادة بخبرة مصر فيهما؛ الأول يتعلق بالملف السوري، بحيث تحاول واشنطن فرض رؤيتها واستقطاب مصر إليها بمساعدة شركاء أوروبيين وخليجيين، والثاني يتعلق بليبيا، التي تدعم فيها مصر جهات معينة، وترغب واشنطن في التفاعل معها ميدانياً وسياسياً لتوجيه الأوضاع إلى مسار جديد مع إنجاح مهمة المبعوث الدولي برناردينو ليون.
وأشارت المصادر إلى أن الولايات المتحدة تراهن في انفراج العلاقة مع مصر على ضعف الإمدادات الاستثمارية والعسكرية التي تقدمها موسكو إلى القاهرة، رغم العلاقات التي بدت متطورة بين الرئيسين المصري والروسي عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين خلال العامين الأخيرين.
ولم ترسل روسيا إلى مصر حتى الآن أي إمدادات للتسليح، كما لم تبد خطوات عملية في صيانة المصانع الضخمة المعطلة التي شيّدها السوفييت في ستينيات القرن الماضي، ولا تبدو الشركات الروسية الأقرب للظفر بعقد تأسيس أول محطة نووية مصرية للاستخدامات السلمية في الضبعة، شمال غرب البلاد.
من جهته، قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال كلمته في جلسة الحوار: "نتطلع لاستمرار التعاون الوثيق في مجال حيوي، هو التعاون العسكري، بما يسهم في تحقيق أمن البلدين، ويسهم في حث الجانب الأميركي على الاستفادة من الفرص الاقتصادية الواعدة في مصر، من خلال قانون الاستثمار الجديد ومشروع قناة السويس الجديدة".
وأضاف أن "الحوار الاستراتيجي يؤسس لعلاقات جديدة بين البلدين بما يسمح بتحقيق المصالح المشتركة، ومواجهة التحديات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وخاصة تنامي ظاهرة الإرهاب بشكل بات يهدد الأمن والاستقرار للدولتين".
اقرأ أيضاً دراسة: التطورات الإقليمية أدت إلى تخبّط العلاقات المصريّة الأميركيّة