باتت الحياة سريعة والمهمات المطلوبة كثيرة. قد يكون اليوم بكامله غير كافٍ لإتمام الواجبات. كأنه ركض لا ينتهي.
لحسنِ حظّها، لم يكن من زبونات في صالون التجميل حيث تعمل. كان لها القليل من الوقت لتقلّم أظافرها، هي التي تتولّى تقليم أظافر النساء، وتنصحنهن بتجربة الألوان الجديدة. وما إن انتهت حتّى دخلت زبونة المحل. ومن دون أن تسألها الأخيرة شيئاً، تقول: "لن تصدّقي أنّني لا أملك الوقت للاهتمام بنفسي في البيت، حتى تقليم أظافري فقط. أُنهي عملي عند الخامسة مساء. ثمّ أصطحب ابنتي من بيت جدّتها، ونصل إلى البيت في نحو الخامسة والنصف مساء. ثمّ عليّ الاهتمام بابنتي وتنظيف البيت وتحضير الطعام لليوم التالي. الحياة ركض بركض". تقول كل ذلك وكأنّها تزيل حملاً ثقيلاً عن كتفيها يُتعبها يومياً. لكنها لم ترتح. وتكرّر: "الحياة ركض بركض". ماذا تعني هذه الكلمات؟ هي لا تعرف الراحة. ما إن تنتهي من مهمّة حتى تبدأ أخرى. والوقت، أي الساعات الأربع والعشرون في اليوم، لا تكفيها. وقبل أن تنام، تشعر بأنّ الأفكار في رأسها تتزاحم وكأنّها في سباق. "تركض هي الأخرى".
لا تفعل ساندي شيئاً من أجل نفسها. هي مجبرة على العمل لتأمين لقمة العيش، وقسط المدرسة، وأتعاب الطبيب والأدوية، والملبس، وغيرها من المصاريف التي لن تتوقّف يوماً. "أُدرك أنّني سأركض طالما أنني على قيد الحياة... هذه هي الحياة. وإن حاولت، لن أستطيع معاكسة تيارها".
كثيراً ما يقول جيل سبقنا وعرف حياة أكثر بساطة وأقلّ استهلاكية إن الحياة لم تكن بهذه الصعوبة، بل كان لدى الناس بعض الوقت للاستمتاع بالتفاصيل. أما اليوم، فعلى المرء التخصّص في إدارة الوقت ليستقطع بعضاً منه لنفسه. والركض اليوم يختلف عن "الركض" الذي اختبره الأكبر سنّاً، في عصرٍ كان فيه النمط الاستهلاكي أقلّ حدّة. والأمر ليس مجرّد "ركض" شخصي بمعزل عن العصر، الذي فرض سرعة إضافية في حياتنا، لتأمين أشياء أكثر. مع ذلك، نادر لا يركض. "أولئك الذين يركضون يعيشون من أجل تحقيق أهداف معيّنة. ومهما بذلوا من جهود في سبيل تحقيقها تبقى ناقصة، أو أقلّ من طموحاتهم".
ويشير إلى فكرة وردت في الفيلم المصري "آسف على الإزعاج": "تركب قطر الشغل ويا دوب تعملك قرشين، تلاقي قطر الجواز فاتك، وهوب قطر العمر يتقلب بيك". ولأنّه يئِسَ، وتصالح مع اليأس، ولأنه يعيش من دون أهداف، لا يركض. والركض، برأيه، يزداد في البلدان التي لا تؤمّن فيها الدولة أية خدمات لمواطنيها، سواء الأساسيات أو الكماليات. في الوقت نفسه، هناك علاقة للأمر بالأزمات المعيشية، إضافة إلى حبّ المظاهر لدى الناس. "أي أنهم يركضون خلف المظاهر".
هذا الركض، تختبره ندى، وإن كانت في السادسة والعشرين من عمرها، وليس لديها المسؤوليات المعروفة مثل الأسرة والأولاد والمدرسة. تقول إنّ الحياة "ركض بركض دائماً، لأنّ الأمر يرتبط بالشعور بالمسؤوليّة. مثلاً، إذا كانت لدى المرء أحلام أو أهداف يرغب في تحقيقها، فإنه سيركض خلفها، خصوصاً أن الأيّام تمرّ سريعاً. ويُستحسن أن يكتشف أيّ منا مدى سرعة الأيام في العشرينيات من عمره". تضيف: "ما إن نحتفل باستقبال عام جديد حتى نودّعه ونستعد للآخر".
ولارا تشعر بالأمر. "الحياة تسبقنا، ونحن نركض علّنا نتمكن من إنجاز شيءٍ ما قبل أن ينتهي وجودنا فيها. بالأمس كنتُ في التاسعة عشرة من عمري، وها أنا أقترب من الثلاثين. ماذا فعلت؟ ما زال لديّ الكثير لأنجزه. لكنّني بدأت أشعر بالتعب. الأيام تمرّ سريعة وأنا أركض خلفها". وهي من اللواتي بتن يردّدن هذه العبارة، حين تعجز عن إنجاز مهامها الكثيرة في الوقت المحدّد. "هل أتحمّل المسؤولية أم إنه الوقت أم كلانا؟". لا تعرف الجواب. الأكيد بالنسبة إليها أنها تشعر بالإرهاق.
كذلك روان. تقول: "طوال الوقت، أشعر بأنني أركض لإنهاء أعمال معيّنة، وما إن أنتهي منها، حتى تظهر مهام جديدة. الوظيفة هي إحداها، ثم تأتي الالتزامات المادية، والأطفال. ويمرّ الوقت ويتجاوزنا. نركض للقيام بالمهام الأساسية فقط". وتشعر بأنّ النساء يركضن أكثر من الرجال، لأنّ التفاصيل ما زالت من نصيبهن. "لم نتقاسم التفاصيل كما تأمين المصاريف المعيشية. لذلك، تردّد النساء العبارة أكثر من الرجال".
ونساء كثيرات، منذ زمن طويل وحتى اليوم، يردّدن أنهنّ يعشن كآلات. منهن بسمة التي تقول: "أشعر بأنني مجرّد ماكينة (آلة). أستيقظ عند السادسة صباحاً ولا أنام قبل 12 ليلاً. أذهب إلى الدوام ثم أعود إلى البيت للطهي وتدريس الأطفال وأخذهم إلى النشاطات وإنجاز أعمال إضافية. والأيام تمرّ، وما من وقت حتى للاستماع بالعائلة أو أية أمور أخرى. ولا أعرف إن كانت هذه أهداف نسعى إلى تحقيقها أم غير ذلك. هذا لم يعد مهماً، طالما أنني تحوّلت إلى ماكينة إلى جانب كثير من الماكينات".