الحياة قصيرة جداً

07 يونيو 2018

علي بنات.. وجد معنى لموته

+ الخط -
لا أدري كيف سأتصرف ببقية حياتي، لو أن الطبيب أخبرني أن سبعة أشهر فقط هي ما تبقّى لي كي أعيشها! لن أعرف، حتى لو اجتهدت كثيرا على سبيل الأمنيات المعلقة والطموحات المنتظرة والمشروعات المؤجلة، إلا إذا وُضعت أمام هذا الاستحقاق فعليا. ولا أعرف إن كان الملياردير الأسترالي الشاب، علي بنات، قد فكر بمثل هذا السؤال، قبل أن يصبح حقيقة أم لا، لكنه تصرّف عندما أصبح الأمر حقيقةً بأسلوب ألهم كثيرين، ما جعل من قصته حديث العالم في الأيام القليلة الماضية.
تغيرت حياة هذا الشاب الأسترالي المسلم جذريا، بمجرد أن أبلغه طبيبه أن سبعة أشهر فقط هي ما تبقت له ليعيشها في هذه الحياة. لم يكن قد أتم التاسعة والعشرين عاما عندما شخّص مرضه بالسرطان في العام 2015. وبدلا من قضاء ما تبقى له من عمر قليل على سرير المرض، قرّر أن يعيد ترتيب حياته، أو ما تبقى منها وفقا لتوقعات الأطباء، على النحو الذي يرى أنه سيترك أثرا مهما في حياة الآخرين حوله.. وهذا ما حدث لاحقاً.
على خلاف توقعات الطبيب، عاش علي بنات ثلاث سنوات بعد تشخيص المرض، وليس سبعة أشهر. ولأنه قرّر أن يستثمر كل ما يملك من مال ووقت وجهد في تحقيق هدف حقيقي، فقد تجاوز عمره الباقي تلك السنوات الثلاث، لتتضاعف إلى ما لا نهاية في أعمال إنسانية، صب فيها كل ما يقدر عليه، قبل أن يغادر الحياة الأسبوع الماضي.
علي بنات مليونير معروف، وكان يعيش الحياة التقليدية للأثرياء؛ فيقتني أغلى الماركات العالمية من السيارت والأحذية والساعات والنظارات والملابس، ويسافر كثيرا حول العالم، ليصرف ببذخ، ويتمتع بما يملك من ثروته التي تتضاعف باستمرار، نتيجة نجاح شركاته الأمنية والكهربائية السريع، والتي جعلت منه مليارديرا معروفا في سن مبكرة.. لكن هذا كله تغيّر إلى النقيض تقريبا.
إثر إذاعة خبر وفاته، انتشر له مقطع فيديو قصير، كان قد صوّره ليعرض على أوسع نطاق فور رحيله، وهذا ما حدث فعلا، حيث تولّى أصدقاؤه إعداد المقطع، وإضافة بعض لقطاته الأخيره إليه قبل توزيعه، لتكون قصته إحدى قصص الإلهام الجميلة في تحويل محنة المرض إلى منحةٍ حقيقيةٍ، يتعامل معها صاحبها باعتبارها فرصةً جديدةً، منحه الله إياها، ليعيد التفكير في كل شيء قبل الذهاب الأخير. يقول بنات في المقطع الذي ترجم إلى مختلف لغات العالم، وتكفلت وسائل التواصل الاجتماعي بانتشاره السريع: "الحمدالله.. رزقني الله بمرض السرطان الذي كان بمثابة هدية منحتني الفرصة لأتغير إلى الأفضل. عندما علمت بالأمر، شعرت برغبة شديدة في التخلص من كل شيء أمتلكه، وأن أتقرّب من الله أكثر، وأصبح أكثر التزاما تجاه ديني، وأن أرحل من هذا العالم خاوياً على أن أترك أثراً طيباً وأعمالا صالحةً، لتصبح هي ثروتي الحقيقية في الآخرة".
في اللقطات السريعة التي ظهرت له في المقطع، كان الشاب الذي أنهكه المرض يبدو مبتسما طوال الوقت، وهو يعيش الحياة التي اختار أن تكون خاتمته، بين أطفال أفريقيا الفقراء، حيث أصبحوا بمثابة أطفاله، فقد قرّر أن يعيش لهم وبينهم، ويصرف عليهم كل أمواله، بعد أن باع شركاته وممتلكاته ومقتنياته الثمينة، وحولها أموالا سائلة أنفقها في بناء مدارس ومستشفيات ومساجد في توغو في أفريقيا، والتي يعاني نحو 55% من شعبها من الفقر. وإضافة الى مشروعاته الإنسانية في توغو، والتي كان يستبق الزمن لكي ينتهي من إنشائها، أنشا منظمة إنسانية عالمية، سماها منظمة "المسلمون حول العالم"، وتضم مشروعاتٍ أخرى على سبيل البناء، تهدف كلها إلى للبحث عن حلول دائمة لمشكلة الفقر.
تساءلت، بعد أن قرأت قصة هذا الشاب: عم إذا كان سيصل إلى ذلك التغيير الشامل في حياته، بحثا عن الهدف الكبير لها لو لم يخبره الطبيب بما تبقى له من عمر أم لا؟ ووجدت جزءا من الإجابة في رسالته التي تركها في المقطع المصور لنا؛ "عندما تكتشف أنك مريض، وليس لديك وقتا لتعيشه، فهذا آخر شيء تريد أن تطارده، وهو أننا لابد أن نعيش حياتنا في كل يوم"... ذلك أن الحياة، حتى لو تجاوزت المائة عام، ستبقى قصيرة جدا.. ربما أقصر من سبعة أشهر يحدّدها لك الطبيب.
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.