01 أكتوبر 2022
الخائفون من الطائرات الورقية
قبل أسبوع انتشر مقطع مصور يُظهرا شبابا مصريين قد ثبتوا هاتفا محمولاً في طائرة ورقية، ليلتقطوا صورا لأنفسهم من الأعلى. وبينما سادت موجة احتفاء باللقطة الطريفة، وإطلاق مسميات مثل "درونز الغلابة"، كان من المؤسف أن ذهبت أفكاري فوراً إلى توقع الأسوأ، وهو ما حدث.
عضو في لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري قدم طلب إحاطة إلى رئيس الوزراء عن "مخاطر الطائرات الورقية على الأمن القومي". جاء في الطلب إن هذه الطائرات قد يتم تزويدها بكاميرات مراقبة لتصوير المنشآت الحيوية، بالإضافة إلى جوانب أخرى تتعلق بمخاطر الحوادث، مثل السقوط من أعلى العقارات والصعق الكهربائي. لاحقاً يبدو أن النائب تعرّض لضغوط ونقاشات محلية، وتم تداول صور لطائرات ورقية في دائرته تحمل صورته الخاصة. وهكذا سرعان ما قال إنه لم يقصد قط منع الطائرات الورقية، بل فقط لمنع استخدام التكنولوجيا فيها، أي وسائل التصوير، وكذلك يدعو أولياء الأمور إلى الاهتمام بما يفعله أبناؤهم.
وبعيداً عن الواقعة بحد ذاتها، فإنها تستدعي جوانب أعمق لمحدّدات "الأمن القومي" في مخيلة السلطة المصرية الحالية، وهي تتجاوز بكثير المفهوم التقليدي، لتصل إلى مطاردة كل ما قد يمثل أدنى صلة بعيدة "بأشباح" ثورة يناير. ويمكن تلخيص هذه المحددات في ثلاثة أركان، الخوف من الجديد، والخوف من المبادرات الأهلية الجماعية، والخوف من المعلومات غير الرسمية.
يأتي الخوف من الجديد أيا كان من حيث صُدموا فجأة يوما ما بوجود شيء اسمه "فيسبوك" يتجمع عليه الشباب. الجيل الأقدم من طائفة السلطة بمصر ما زال بعيداً عن فهم العصر الجديد، لذلك يحارب مجرّد وجوده بفزع، على الرغم من أن عجلة التاريخ لا تعود، ويمكن اليوم باستخدام "غوغل إيرث" على كل هاتف الحصول على صور لأي "منشأة حيوية" بسهولة.
الجيل الأحدث في طائفة السلطة، متمثلاً بإدارات متخصصة غير الأسلوب إلى الاندماج في التكنولوجيا، لجان إلكترونية وشركات تسويق تضخ إعلانات على مواقع التواصل، وبرمجيات متقدّمة لاختراق هواتف المعارضين. لقد أصبح النظام مدججاً بالتكنولوجيا حتى أسنانه!
جانب ثان هو الخوف من المبادرات الأهلية الجماعية أيا كانت. ترى الأجهزة الأمنية المصرية أن أي تجمع شبابي لأي غرض يشكل خطرا محتملا لتكوين نواة حراك سياسي مفاجئ يوما ما. ولذلك تكرّر استدعاء مشرفي المجموعات على "فيسبوك" فور تزايد عدد مشتركيها، حتى لو كانت مجموعات عن كرة القدم أو الطعام لا أكثر. ولهذا من المقلق أن يقرّر آلاف الشباب في مصر فجأة العودة إلى اللعب بالطائرات الورقية، وتنظيم المسابقات والمنافسات، خارجا عن سلطتنا. هذا خطر مبهم، يجب على الأقل إشعار من يمارسه أن عيون السلطة ليست غائبة عنه.
ومن المنطلق نفسه، يأتي أحد تفسيرات الحملة الشرسة ضد فتيات موقع "توك توك" أخيرا، هي رسالة غليظة اللهجة: نحن هنا، لا تنسوا أبدا أن عيوننا في كل مكان.
وعلى صعيد ثالث، ترفض العقلية الأمنية المصرية وجود مصدر للمعلومات غيرها، أيا كان المصدر، وأيا كانت المعلومات. من هذا العالم تأتي حزمة قوانين منع استطلاعات الرأي العام من دون تراخيص معقدة، والتهديد بالعقوبات حال مخالفة الصحافة "البيانات الرسمية" في ما يخص الأمن القومي فضفاض التعريف.
ومن هنا أيضا يأتي الاستياء البالغ من إذاعة نقابة الأطباء أعداد ضحايا منتسبيها من فيروس كورونا، بينما أمكن تعجيز باقي نقابات المهن الطبية. ومن هنا أيضا توضع وثائق حول الجيش المصري في عهد أسرة محمد علي تحت طائلة السرية بينما تفتح إسرائيل أرشيفها الحديث. ومن هنا أيضا يأتي غياب قانون "حرية تداول المعلومات" منذ ما قبل الثورة، على الرغم من أن من الممكن كتابته بأي شروط تراها السلطة. لو كان الأمر بيدهم لجعلوه قانون "منع تداول أي معلومات".
على الرغم من أن "أشباح يناير" بعيدة كل البعد، إلا أن خصومها ما زالوا يرونها أكثر حتى من أبنائها، حتى أنهم يرونها في السماوات حين تملأها الطائرات الورقية.
وبعيداً عن الواقعة بحد ذاتها، فإنها تستدعي جوانب أعمق لمحدّدات "الأمن القومي" في مخيلة السلطة المصرية الحالية، وهي تتجاوز بكثير المفهوم التقليدي، لتصل إلى مطاردة كل ما قد يمثل أدنى صلة بعيدة "بأشباح" ثورة يناير. ويمكن تلخيص هذه المحددات في ثلاثة أركان، الخوف من الجديد، والخوف من المبادرات الأهلية الجماعية، والخوف من المعلومات غير الرسمية.
يأتي الخوف من الجديد أيا كان من حيث صُدموا فجأة يوما ما بوجود شيء اسمه "فيسبوك" يتجمع عليه الشباب. الجيل الأقدم من طائفة السلطة بمصر ما زال بعيداً عن فهم العصر الجديد، لذلك يحارب مجرّد وجوده بفزع، على الرغم من أن عجلة التاريخ لا تعود، ويمكن اليوم باستخدام "غوغل إيرث" على كل هاتف الحصول على صور لأي "منشأة حيوية" بسهولة.
الجيل الأحدث في طائفة السلطة، متمثلاً بإدارات متخصصة غير الأسلوب إلى الاندماج في التكنولوجيا، لجان إلكترونية وشركات تسويق تضخ إعلانات على مواقع التواصل، وبرمجيات متقدّمة لاختراق هواتف المعارضين. لقد أصبح النظام مدججاً بالتكنولوجيا حتى أسنانه!
جانب ثان هو الخوف من المبادرات الأهلية الجماعية أيا كانت. ترى الأجهزة الأمنية المصرية أن أي تجمع شبابي لأي غرض يشكل خطرا محتملا لتكوين نواة حراك سياسي مفاجئ يوما ما. ولذلك تكرّر استدعاء مشرفي المجموعات على "فيسبوك" فور تزايد عدد مشتركيها، حتى لو كانت مجموعات عن كرة القدم أو الطعام لا أكثر. ولهذا من المقلق أن يقرّر آلاف الشباب في مصر فجأة العودة إلى اللعب بالطائرات الورقية، وتنظيم المسابقات والمنافسات، خارجا عن سلطتنا. هذا خطر مبهم، يجب على الأقل إشعار من يمارسه أن عيون السلطة ليست غائبة عنه.
ومن المنطلق نفسه، يأتي أحد تفسيرات الحملة الشرسة ضد فتيات موقع "توك توك" أخيرا، هي رسالة غليظة اللهجة: نحن هنا، لا تنسوا أبدا أن عيوننا في كل مكان.
وعلى صعيد ثالث، ترفض العقلية الأمنية المصرية وجود مصدر للمعلومات غيرها، أيا كان المصدر، وأيا كانت المعلومات. من هذا العالم تأتي حزمة قوانين منع استطلاعات الرأي العام من دون تراخيص معقدة، والتهديد بالعقوبات حال مخالفة الصحافة "البيانات الرسمية" في ما يخص الأمن القومي فضفاض التعريف.
ومن هنا أيضا يأتي الاستياء البالغ من إذاعة نقابة الأطباء أعداد ضحايا منتسبيها من فيروس كورونا، بينما أمكن تعجيز باقي نقابات المهن الطبية. ومن هنا أيضا توضع وثائق حول الجيش المصري في عهد أسرة محمد علي تحت طائلة السرية بينما تفتح إسرائيل أرشيفها الحديث. ومن هنا أيضا يأتي غياب قانون "حرية تداول المعلومات" منذ ما قبل الثورة، على الرغم من أن من الممكن كتابته بأي شروط تراها السلطة. لو كان الأمر بيدهم لجعلوه قانون "منع تداول أي معلومات".
على الرغم من أن "أشباح يناير" بعيدة كل البعد، إلا أن خصومها ما زالوا يرونها أكثر حتى من أبنائها، حتى أنهم يرونها في السماوات حين تملأها الطائرات الورقية.