الخطف كلمة تُدخل الحاج ناظم السماوي في حالة من الهلع حين ترد على مسامعه. فقد عاش خمسة أيام مرعبة في حجرة صغيرة، ليس لها سوى باب صغير من الحديد، أحكم الخاطفون غلقه. كان ذلك في عام 2013، حين داهم مسلحون دار السماوي في حي الجامعة بالعاصمة العراقية بغداد، واقتادوه معصوب العينين إلى جهة لم يعلم حتى بعد إطلاق سراحه أين هي، لكنه يشعر أنها في أطراف بغداد الشرقية.
وقال السماوي، وهو مقاول وله مشاريع عدة في بغداد، إنه توصل إلى اتفاق مع الخاطفين حينذاك بأن يدفع لهم سبعين ألف دولار، بعد تفاوض استمر عدة ساعات، مؤكداً أن الخاطفين كانوا يعلمون الكثير عنه وعن عائلته وعمله، وكانوا يعاملونه بسوء. وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الخاطفين كانوا يهددون بخطف إحدى بناته إن لم يدفع لهم. في المحصلة، أطلقوا سراحه بعد استلامهم المبلغ، مع أن "هناك الكثير من الخاطفين يقتلون المخطوفين بعد تسلمهم الفدية"، وفق قوله. وتابع: "منذ ذلك الوقت صار الخطف أخطر كلمة أسمعها"، مبيناً أن الخاطفين كانوا يعاملونه باحتقار ويرعبونه. وأوضح أن "أحدهم يدعى أبو عبد، كان يربي الأفاعي، ودائماً ما كان يرعبني بأفعى كبيرة. صرت أنا تسليته المفضلة؛ ويحمل إحدى أفاعيه الكبيرة ويقربها مني وهي تنفخ في وجهي، ويلفها حول رقبتي. في مرات كثيرة فقدت وعيي من شدة الرعب، لقد أساؤوا لي كثيراً"، وفق روايته.
الخطف في العراق لا يرعب الحاج السماوي فحسب، بل هي الكلمة التي تدخل الرعب لقلوب جميع الناس في البلاد، الذين صار معروفاً لديهم أن الجهات الخاطفة بعضها ينتمي للمليشيات وأجهزة أمنية رسمية، بحسب ما يؤكده مواطنون، ثم اعترف بذلك، أخيراً، رئيس الوزراء حيدر العبادي.
وقالت الطالبة الجامعية صفا أحمد، إنها شهدت عملية خطف من قبل مسلحين أوقفوا الباص الذي كان يقلها في أثناء عودتها من الجامعة، مشيرة إلى أن المسلحين يتبعون لإحدى المليشيات. وأضافت وهي تتحدث لـ"العربي الجديد"، أن "عملية الخطف وقعت قبل عامين، حين كنت عائدة من الجامعة، فأوقف مسلحون الباص، وأنزلوا أحد الركاب واقتادوه بالقوة إلى سيارة لهم وانطلقوا مسرعين". وتابعت أن "الشخص الذي اقتادوه، وهو شاب في العشرينيات من العمر، كان يستنجد بالمفرزة الأمنية التي كانت تقف على مسافة نحو 30 متراً، لكنهم لم يحركوا ساكناً". وفيما أكدت صفا أنها لم تعرف تلك الجهة الخاطفة، وأنها لا تميز بين فصائل المليشيات، "لكن الرجال في الباص أكدوا بأنهم من المليشيات التابعة للحشد الشعبي"، بحسب قولها.
وصرح العديد من السياسيين العراقيين أخيراً بوجود عمليات خطف منظمة، وأن أعداداً كبيرة من المختطفين لا يزالون مجهولي المصير، بعد اختطافهم منذ أكثر من عام، وأكد ذوو المختطفين، في احتجاجات، أن المليشيات التابعة لـ"الحشد الشعبي" هي التي اختطفتهم. وأعلن نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي، في وقت سابق، أن حكومة العبادي تتصدى لحالات الخطف بصورة انتقائية من منطلقات سياسية وحزبية وانتخابية. وقال إن آلاف العراقيين المخطوفين على أيدي عصابات تتحمل الحكومة المسؤولية القانونية والأخلاقية عنهم.
أسباب الخطف ثلاثة
وتختلف أسباب الخطف بين أن تكون لدواع سياسية، أو طائفية أو مادية. ووفقاً للنقيب علي الربيعي، من شرطة بغداد، فإن عمليات الخطف في ازدياد، لافتاً الانتباه إلى أن أغلب هذه العمليات تنفذ لأسباب مادية. وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العصابات الخاطفة يحاول عناصرها عدم الكشف عن هوياتهم، وفي حال كان الخطف لأسباب مادية، تنتهي بدفع ذوي المخطوف مبلغاً من المال ويطلق سراحه، لكنه قد يقتل في حال تَعرّف على هوية أحد أشخاص المجموعة الخاطفة"، وفق تأكيد المتحدث نفسه.
وبيّن الربيعي أن عمليات الخطف لأجل الحصول على فدية هي الأكثر انتشاراً بالقياس إلى عمليات الخطف لأسباب أخرى. وأكد النقيب في الشرطة العراقية، الذي شارك في العديد من عمليات المداهمة لأوكار ومراقبة ومتابعة خاطفين، أن من بين المجموعات الخاطفة "توجد مليشيات، وتلك تعتبر مشكلة كبيرة للأجهزة الأمنية"، بحسب تعبيره. ولفت الانتباه إلى أن المليشيات "مدعومة من قبل الحكومة، ولها سلطة أكبر مما تمتلكه الأجهزة الأمنية الرسمية، وهو ما يعيق عمل الجهاز الأمني". وتابع أن هذا هو السبب الذي يجعل "من الطبيعي أن حادثاً تتسبب به مجموعة تابعة لمليشيات معينة، أمام قوى أمنية، دون أن تستطيع الأخيرة فعل شيء"، وفق قوله. ورأى أن "الوضع الأمني لن يستقر في البلاد بوجود سلطة مسلحة أكبر وأكثر قوة وسلطة من الجهاز الأمني الرسمي".
سبق لزعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، أن اتهم في 10 مايو/ أيار الماضي، عناصر من مليشيات "الحشد الشعبي" بالوقوف وراء عمليات الاختطاف التي استفحلت في العراق. وأكد الصدر، في بيان، أن تمكن ما وصفها بـ"المليشيات الوقحة" عسكرياً وأمنياً وسياسياً يعني "تسلط السلاح على رقاب الشعب بلا رادع ولا وازع"، مشدداً على ضرورة حماية الناشطين والإعلاميين من إرهاب المليشيات، وإعطاء القوات الأمنية صلاحيات شاملة لمواجهة من يريد المساس بأمن المواطن، على حد قوله. وأضاف أن عمليات الخطف التي تحدث الآن في العراق ما هي إلا نزر قليل مما سيحدث في المستقبل، بعد بسط الحكومة سيطرتها على ما سماها "المناطق المغتصبة". وجاء بيان الصدر في تعقيب على عملية اختطاف 7 ناشطين مدنيين من منطقة البتاويين، وسط بغداد، نُفذت من قبل مسلحين، والمختطفون السبعة هم طلبة وناشطون في التظاهرات المدنية التي تخرج كل أسبوع للمطالبة بالحقوق الدستورية. وأعلنت وزارة الداخلية، مساء اليوم التالي من الخطف، عن تمكنها من إطلاق سراح المختطفين الناشطين، دون أن توضح من هي الجهة الخاطفة. ذلك الاختطاف اعتُبر ضمن أشهر العمليات التي شهدها العراق، وقوبلت باستهجان ورفض لمواطنين وإعلاميين وناشطين مدنيين، الذين طالبوا الحكومة العراقية بالتصريح عن الجهة الخاطفة.
العبادي يعترف
ارتفاع عمليات الاعتداء والخطف التي تمارس من قبل جهات أمنية والمليشيات، وكونها أدت إلى ارتفاع حدة المطالب الشعبية بأن تتخذ الحكومة موقفاً حازماً تجاهها، وضعت رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في موقف حرج، بحسب ما أشار مراقبون، وهو ما جعله يكشف عن وجود خلايا للخطف تنتمي لمليشيات "الحشد الشعبي"، وقوات أمنية رسمية، قال إنهم اعترفوا بجرائمهم بعد القبض عليهم. وقال العبادي في مؤتمر صحافي عقده ببغداد، يوم الثلاثاء الماضي، إن السلطات العراقية كشفت عن "الكثير من خلايا الخطف في بغداد، وبعض ممن يتم القبض عليه له علاقة بالفصيل الفلاني، والفصيل يتبرأ منه"، في إشارة إلى الفصائل المسلحة المنتمية لمليشيات "الحشد الشعبي". وأكد أن السلطات الرسمية "تحتاج للكثير من البحث في هذا الإطار؛ لأن هؤلاء مجرمون يقومون بعمليات خطف إجرامية". وأضاف رئيس الحكومة العراقية أن "بعض عصابات الخطف يوجد بينها أفراد ضمن قوات الأمن العراقية، يساعدون في عمليات الخطف التي تحدث في بغداد"، وفق تأكيده.
وأشار العبادي إلى أن الأجهزة الاستخباراتية تمكنت من كشفت الكثير من خلايا الخطف، وجرى اعتقال البعض من أفرادها وتحرير الكثير من المختطفين، مشدداً بالقول: "نتابع عمليات الخطف والجريمة المنظمة". وأقر بوجود اختطاف سياسي، وهو يتطلب نوعاً آخر من التعامل، لافتاً إلى أنه جرى إنشاء خلية أمنية خاصة للتعامل مع هذا الأمر، وستصدر نتائج عن ذلك، وفق قوله.
أولئك هم الخاطفون
العراقيون الذين يشكل الخطف مصدر قلق يومي لهم، يرون أن تصريح العبادي بوجود خاطفين ينتمون لمليشيات "الحشد الشعبي" والقوات الأمنية جاء متأخراً. ويؤكد متضررون من عمليات إجرامية تعرضوا لها، أن من يقف وراءها "مليشيات" وأجهزة أمنية. ويتناقل الشارع العراقي بشكل علني قصصاً عن عمليات اختطاف وقتل، تنفذ من قبل المليشيات التي تتعامل مع القوات الأمنية الرسمية باستخدام السلاح في حال منعتها من القيام بمهمة ما. وآخر المجابهات وقعت مساء الخميس الماضي، في حي المستنصرية ببغداد، حيث تناقل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لمواجهات بالسلاح، في منطقة تجارية، بين قوات أمنية ومليشيات، أكد ناشطون ومواطنون شهدوا المواجهة أن تلك المليشيات هي "عصائب أهل الحق"، وأدت المواجهات إلى مقتل أحد عناصر القوات الأمنية وجرح آخر.
سياسيون وراء الخطف
المحلل السياسي، جاسم الشمري، رأى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن عمليات الاختطاف تنفذ من قبل "مافيات سياسية". وقال "لاحظنا خلال 3 أشهر الأخيرة أن حكومة بغداد دخلت في مفاوضات مباشرة مع الخاطفين، الأولى في قضية اختطاف الصحافية أفراح شوقي، وتدخل رئيس الوزراء شخصياً للإفراج عنها، بعد ذلك حادثة الإفراج عن القطريين والحكومة تدخلت تدخلاً مباشراً للإفراج عنهم، ثم الإفراج عن 7 ناشطين بعد اختطافهم". وكانت الصحافية، الناشطة المدنية، أفراح شوقي، اختطفت من منزلها في 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، من قبل مسلحين، وأفرج عنها في 4 يناير/ كانون الثاني الماضي، بعدما دشن ناشطون حملة واسعة نالت اهتماماً عالمياً.
واعتبر الشمري أن "الحكومة اليوم ومن خلال هذا المسعى، تعتبر طرفاً مباشراً في هذه اللعبة، وإلا لرأينا اعتقالات لهؤلاء على اعتبار أنهم خرجوا عن القانون". وأكد أن "المرحلة الحالية مرحلة المليشيات التي أثبتت أن هناك قوة جديدة على الأرض قادرة على التحكم والسيطرة، وفعل ما تشاء دون أن يكون للحكومة عليها أي نفوذ، وهذا مؤشر خطير يجعل الوضع في العراق يصل إلى مرحلة اللادولة أو دولة المليشيات".
ووفقاً لمتابعته، أعرب الشمري عن اعتقاده بوجود أعداد كبيرة من المعتقلين في سجون للمليشيات، لكنه أشار إلى عدم معرفة عددهم، مستدلاً بتصريحات لسياسيين ذكروا أرقاماً مختلفة للمختطفين، وصلت بحسب بعضهم إلى 3 آلاف معتقل. ورأى أن "الحديث هنا عن قضية أهم وهي أين الدولة أمام حالات الاختطاف؟"، معتبراً أن "هذا مؤشر خطير على حالة غياب الدولة". وأضاف أن "هناك حديثاً دار قبل أيام عن اكتشاف مقبرة جماعية لمختطفين، ولكن للأسف الإعلام لم يركز على هذا الحدث"، وفق تأكيده. ولفت النظر إلى أن "هناك منظومة إعلامية قوية في العراق، أو ربما هناك جيش إلكتروني منظم يخفي ويظهر ما يريد، وهذا ما لا تمتلكه القوى المعارضة للحكومة"، على حد تعبيره.
في هذا السياق، تابع الشمري تحليله ورأى أن وراء عمليات الاختطاف "أكثر من غاية، منها تكميم الأفواه، كما جرى للناشطين السبعة وأفراح شوقي، وربما لأهداف انتقامية، كما جرى ويجري في مناطق مثل الموصل (شمال)، والصقلاوية والأنبار(غرب)، ويمكن القول إن الأمر يتعلق بحقد رسمي أو تنفيذ للأحقاد بطريقة رسمية عبر المليشيات، من خلال الهجوم على مناطق يقال إنهم يريدون تحريرها من داعش"، وفق قوله. بالإضافة إلى ذلك، فإن "هناك سبباً سياسياً" يقول الشمري، موضحاً أنه "من المؤكد أن هناك صراعاً سياسياً داخل البيت الشيعي الوطني الحاكم، ربما هناك أطراف تريد إحراج حيدر العبادي عبر التأكيد أن البلد في حالة انفلات أمني"، بحسب تعبير الشمري.