بدأت تلوح في الأفق بوادر تصادم مرتقب بين أحزاب وتيارات سياسية سورية كردية، قطباها "المجلس الوطني الكردي"، وحزب "الاتحاد الديمقراطي". تحديداً بعد قمع "الاتحاد"، بقوة مفرطة، تظاهرات مناهضة له، خرجت، منذ أيام، في بلدات بريف القامشلي، في محافظة الحسكة (أقصى شمال شرق سورية)، دعا إليها "المجلس". ويتهم "المجلس" حزب "الاتحاد" بـ"فرض سياسته المتمثلة في التجويع، وفرض التجنيد الإجباري بقوة السلاح، والملاحقة والاعتقال، وفرض مناهج تعليمية مؤدلجة".
ويُلخّص الكاتب، حسين الجلبي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، خلاف الطرفين الكرديين. ويقول إن "ما أدى إلى الصدام، هو تراكم المظالم من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، لناحية استخدامه التجنيد الإجباري، وفرض الخوات، والتهجير، وفرض تعليم إجباري تحت عنوان: التعلّم باللغة الكردية".
ويضيف الجلبي أن "الحزب يريد غسل أدمغة الأطفال بتدريس أيديولوجيته الحزبية للصفوف الثلاثة الأولى، خصوصاً أن المنهاج يتضمن أقوال وتصريحات، وحتى أحلام، زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان".
ويتابع أنه "ينبغي النظر إلى تظاهرة الأكراد السوريين، منذ أيام، ضد سلطة حزب الاتحاد، العميل لنظام (الرئيس السوري بشار) الأسد في المنطقة، والحامي لمصالحه، على أنها تظاهرة ضد النظام نفسه. والحقيقة هي أن الأضرار التي ألحقها النظام بواسطة حزب صالح مسلم (رئيس حزب الاتحاد) بالأكراد وقضيتهم، لم ينجح في إلحاق جزء بسيط منها بواسطة منظومته الأخرى، من أفرع استخبارات، وجيش، وحزب بعث، وعملاء، ومخبرين، ومرتزقة".
اقرأ أيضاً: أكراد سورية نحو فتح مكتب تمثيل في روسيا
من جهته، يرى الناشط السياسي، إبراهيم مسلم، المقرّب من حزب "الاتحاد"، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الحجة التي استند إليها مناوئو الحزب للتظاهر، وهي التدريس باللغة الكردية، ضعيفة". ويكشف أن "هذا الأمر لاقى الرفض من الكثير من المثقفين الأكراد، حتى المعارضين للاتحاد الديمقراطي، أي أن سبب تظاهرهم غير مقنع، وجعلهم يخسرون الكثير. في المقابل ازدادت شعبية حزب الاتحاد الديمقراطي".
ويُردف: "اطّلعت على الكتب الثلاثة (المخصصة للتدريس في الصفوف الثلاثة الأولى)، ولم أجد فيها ما يشير إلى الفكر الحزبي للاتحاد الديمقراطي". ويُعرب عن اعتقاده أن "السبب وراء التظاهر، هو إثارة الشارع الكردي في هذه الفترة، خصوصاً أن تركيا تحدثت عن الخطر الذي يشكّله حزب الاتحاد عليها وجاهزيتها لعمليات برية". ويشير إلى أن "الاتحاد الديمقراطي يطالب بالإدارة الذاتية مع بقية مكونات المنطقة، بينما تطالب بقية الأحزاب بكردستان سورية".
من جانبه، يعتبر الصحافي، آلان حسن، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "السبب الرئيسي للخلاف الكردي ـ الكردي في سورية، هو تبعية التنظيمين السياسيين الرئيسيين للأكراد السوريين، لكل من جبال قنديل، على الحدود التركية ـ العراقية، وأربيل العراقية".
ويلفت إلى أن "حركة المجتمع الديمقراطي هي ممثل الأوجلانيين (نسبة إلى أوجلان) السوريين، ومركز قرارهم هو في جبال قنديل، حيث توجد قيادة ومقاتلو حزب العمال الكردستاني. أما المجلس الوطني الكردي فهو ممثل البرزانيين (نسبة إلى رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني) السوريين".
ولا توجد إحصائيات رسمية موثوقة لعدد الأكراد في سورية، ولكن هناك من يؤكد أنهم يُشكّلون نحو 10 في المائة من السكان، ويتمركزون في محافظة الحسكة، في الشمال الشرقي لسورية، والتي تُعدّ مركز الثقل لهم، لناحية الاتصال الجغرافي مع مناطق الأكراد في العراق وتركيا. كما يتمركز أكراد سورية في مناطق عدة في ريف حلب الشمالي، تحديداً عين العرب وعفرين ومحيطها، وفي قرى أخرى.
كما كان قد نزح عدد كبير من الأكراد خلال العقود الماضية إلى مدن سورية متعددة، خصوصاً دمشق وحلب والرقة، مُشكّلين أحياء خاصة بهم، ولكن مع بدء الثورة السورية (2011) عاد عدد لا بأس به إلى المناطق التي خرجوا منها.
ويُعدّ "الاتحاد الديمقراطي"، الفرع السوري لحزب "العمال" الكردستاني، وتُشكّل مليشيا "وحدات حماية الشعب" الكردية، الجناح العسكري للحزب الذي تأسس في عام 2003 في جبال قنديل، ولكنه لم يظهر بشكل فعلي في الساحة إلا مع انطلاق الثورة، وأصبح حليفاً للنظام، الذي سهّل السيطرة له على مناطق أغلبية سكانها أكراد في الحسكة وريف حلب.
وأقام "الاتحاد" ما يُسمّى "الإدارة الذاتية"، وبدأ بفرض التجنيد الإجباري والخوات ومناهج دراسية، لم يرضَ عنها أغلب أكراد سورية. كما ندّدت منظمة العفو الدولية "أمنستي"، بما يتعرّض له المدنيون في مناطق يسيطر عليها "الاتحاد" في الشمال السوري. وتتّهمه المنظمة، بناءً على تقارير موثّقة، بـ"القيام بمجموعة من الانتهاكات الخطيرة، تتضمّن التهجير القسري وهدم المنازل للعرب والتركمان في ريف الحسكة وريف الرقة الشمالي".
ويخوض "الاتحاد"، معارك ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بمساعدة طيران التحالف الدولي. واستطاع تحقيق انتصارات عدة، وفرض هيمنته على مدن في شمال سورية، لعل أبرزها مدينة تل أبيض، على الحدود السورية ـ التركية.
أما "المجلس الوطني الكردي"، فقد تأسس في أواخر عام 2011، في أربيل في إقليم كردستان العراق، ويضمّ عدداً من الأحزاب الكردية السورية الفاعلة. ووفقاً لأدبياته، فإن "الشعب الكردي في سورية هو شعب أصيل، يعيش على أرضه التاريخية، ويُشكّل جزءاً أساسياً من النسيج المجتمعي والوطني والتاريخي لسورية". ودعا إلى "الإقرار بموجب الدستور بوجود هذا الشعب، واعتباره مكوّناً رئيسياً من مكوّنات الشعب السوري".
اقرأ أيضاً: جهود تعزيز الجيش السوري الحرّ بـ7 آلاف مقاتل كردي