يقع المكان بمحاذاة السور الغربي الجنوبي للمدينة القديمة من القدس المحتلة، على بعد أمتار قليلة من باب النبي داوود، وعلى مقربة من الكنيسة المشهورة، المسماة بكنيسة "نياحة العذراء"، التي يُعتقد أن "مريم العذراء التجأت إليها، بعد حادثة صلب المسيح وقضت نحبها فيها".
ويعتقد المسيحيون بأن "هذا المكان قد شهد العشاء الأخير الذي جمع السيد المسيح بتلاميذه، حين غسل أقدامهم، ومن هناك قُبض عليه، واقتيد إلى جبل الزيتون شرقاً، حيث حُكم عليه بالصلب". ويعود بناء المكان إلى الفترة الصليبية، وقد حُوّل إلى مسجد في عهد الأيوبيين وأُضيفت إليه مئذنة ومحراب.
ووقع المكان في أيدي الاحتلال في العام 1948، ومنذ ذلك الوقت لا تقام فيه الصلوات المسيحية أو الاسلامية إلا نادراً، بينما يرتاد المصلون اليهود الطابق السفلي فيه، للصلاة بجوار ما يعتقدون أنه قبر النبي داوود. وتُسيطر وزارة الداخلية الإسرائيلية على الطابق العلوي، الذي يحوي "غرفة العشاء الأخير"، بينما يُدار الطابق السفلي، الذي يحوي القبر، على يد مؤسسة إسرائيلية رسمية، تُعنى بالأماكن المقدسة.
وتدور مباحثات منذ حوالى 15 عاماً بين الكنيسة الكاثوليكية وحكومة الاحتلال، حول الضرائب المفروضة على الأملاك الكنسية في فلسطين المحتلة، وحول نقل ملكية "غرفة العشاء الأخير" إلى الكنيسة (الطابق العلوي من المبنى)، وبعض الأملاك في جبل الزيتون في القدس.
وبعد الإصرار الإسرائيلي على عدم التنازل عن كامل البناء، يدور الحديث اليوم حول السماح للمسيحيين بأداء بعض الشعائر الدينية فيها في أيام محددة، وذلك وفق ما قاله المتحدث الاعلامي لزيارة البابا إلى فلسطين، الأب جمال خضر، في حديث لـ"العربي الجديد"، مشيراً الى أن "البناء سُجل كوقف إسلامي لعائلة الداوودي، المقدسية، منذ القرن السادس عشر، وأن أي تغيير في واقع المكان مستقبلاً، يجب أن يأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار".
علماً أن أحد الصحافيين الإيطاليين المتخصصين في العلاقات بين إسرائيل والفاتيكان، جيوليو ميوتي، كشف في وقت سابق عن أن "الرئيس الإسرائيلي السابق، موشيه كاتساف، كان على وشك تسليم البناء بأكمله إلى البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، خلال لقاء جمعهما في روما في 2006، وذلك مقابل أن يتم نقل ملكية كنيسة سانتا ماريا في إسبانيا إلى اليهود، والتي يدّعون أنها كانت كنيساً قبل تحويله إلى كنيسة بعد طرد اليهود من الأندلس. إلا أن هذه الاتفاق تعثّر بسبب معارضة اليهود المتدينين".
أما اليوم، فيقول الباحث الإيطالي، الذي ظهر على شاشة القناة الإسرائيلية السابعة محرّضاً اليهود على رفض أي اتفاق بخصوص الغرفة، إن "الحديث يدور عن إعطاء البابا فرنسيس سلطة خاصة على الطابق الثاني من البناء، تتيح للحجاج المسيحيين الاحتفال داخله بالمناسبات الدينية، وعلى أن يتم فتح طريق خاص يدخل عن طريقه الزوار المسيحيون دون الاحتكاك باليهود الزائرين لمقام النبي داوود في الطابق السفلي".
ووفق هذه الاتفاقية، فإن "الملكية" ستبقى بأيد إسرائيلية، بينما سيُدار المكان عن طريق كنيسة الرهبان الفرنسيسكان.
إلا أن الأخبار الواردة في وسائل إعلام إسرائيلية عدة، تشير إلى ضعف احتمال التوقيع على اتفاقية كهذه، ويشدد البعض على كونها مجرد شائعات يتناقلها اليمين الإسرائيلي لتأجيج مشاعر أتباعه.
وتبيّن ذلك في ردّ مكتب وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور لبيرمان، على احتجاج جمعية يهودية دينية، بأن "الشائعات المتناقلة حول تسليم غرفة العشاء الأخير ليست صحيحة، وأنه لن يتم التوقيع على أي اتفاق خلال زيارة البابا ولا بعدها، وأن موقف إسرائيل واضح من هذا ولن يتغيّر".
وقد أعلنت جماعات يهودية متدينة عديدة، رفضها القاطع لتسليم المكان، وترفض السماح حتى للمسيحيين بإقامة الصلوات فيه، إذ يعتبرون ذلك نوعاً من "الكفر المحرّم" وفق شريعتهم يجب الاحتجاج عليه.
وسبق أن جرى تخريب بعض شواهد القبور المسيحية بالقرب من الغرفة المذكورة، قبل بضعة أشهر، بالإضافة الى توقيف شرطة الاحتلال 3 فتيات يهوديات قمن بالبصق على راهب مسيحي كان في المنطقة، وعثر في حقائبهن على علم إسرائيل مكتوب عليه "جباية الثمن ـ الانتقام".
وسبق أن اعتدت المجموعة على الأماكن المقدسة المسيحية في الشهرين الأخيرين، ومنها ما كُتب على جدار مكتب الفاتيكان في كنيسة "النوتردام" في القدس: "الموت للعرب، للمسيحيين ولكل كارهي إسرائيل"، كما كُتبت عبارات مسيئة للسيد المسيح على كنيسة أخرى في القدس بداية الشهر الحالي، وعبارة: "الملك داوود لليهود".
ويتوقع أن يزور البابا فرنسيس غرفة العشاء الأخير مساء الاثنين، ويقيم فيه صلوات برفقة عدد من البطاركة ورجال الدين المسيحيين، كما قام بذلك سلفه البابا بينيديكتوس السادس عشر، في زيارته العام 2009.
في المقابل، تستعدّ شرطة الاحتلال لحملة أمنية مشددة، لمنع وصول المصلين اليهود إلى المكان، وسبق أن أصدرت أوامرها، الأربعاء الماضي، بـ"إبعاد عدد من المتدينين اليهود عن القدس لمدة أربعة أيام، وذلك بعد تلقيّهم معلومات استخباراتية، عن نيات جهات يمينية يهودية بتعطيل زيارة البابا إلى المكان وتنفيذ هجوم خلالها".