"يكشي تولع"... لمن لا يعرف هذا المصطلح، فهو جملة مشهورة في أحد المسلسلات المصرية، التي عبر قائلها الفنان الراحل، نجاح الموجي، عن لامبالاته المطلقة وإحباطه. حالة الإحباط الشاملة، لم تقتصر على هذه الشخصية فحسب، والتي لم تكن سوى تكثيف لحالة عامة من اليأس واللامبالاة في المجتمعات العربية.
واقع محبِط، ومجتمع محبَط، معادلة تشخص الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في تونس، وتفسر حالة التدهور الاقتصادي وتراجع ثقافة العمل والعطاء في ظل فشل منظومة صدرت خيباتها للمواطنين، وأجبرتهم على تقاسم الرداءة.
"لماذا يجب علي أن أكون استثناء؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يتميز في مجتمع تعود إحباط الهمم؟". بهذه الأسئلة المستنكرة، يجيب محدثنا الأول، أيمن الصالحي، الذي قضى أكثر من 7 سنوات يعمل كحارس لدى إحدى الشركات الخاصة رغم حصوله على شهادة في المحاسبة. يضيف هذا الأخير، أنه كان يتضايق في البداية من انسداد الآفاق ومن مهنته البعيدة كل البعد عن اختصاصه، ويحاول بشتى الوسائل أن يبقي داخله بصيصاً من الأمل. إلا أنه وبمرور السنين، تحولت اللامبالاة بالمستقبل وبواقعه الراهن أفضل مسكن لحالة الغضب التي كان يعيشها.
منظومة فاشلة
ويستطرد أيمن موضحاً أنه يعتبر نفسه اليوم جزءاً من منظومة فاشلة، ومجتمع لا يقدر الطموح، لذا فقد ارتأى أن ينسى شهادته وأحلامه ويحاول أن يعيش وفق الممكن والمتاح. ليختم موضحاً وجهة نظره بأن ثورة دفعت عشرات الشهداء ومئات الجرحى فشلت في انتشال البلاد من حالة الإحباط وبعث روح جديدة، فهل سيقدر منفرداً على أن يكون استثناء؟
محاولة البحث عن مثال آخر أقل سوداوية هو الإحباط بذاته، إلى حين الوصول إلى الموظف المرموق في أحد المؤسسات العمومية، فراس بوعلي، لكن هذا الأخير لم يكن أكثر تفاؤلاً من سابقه. إذ يوضح بوعلي أن وضعية القطاع العمومي في تونس ليست إلا نتيجة حتمية لثقافة اللامبالاة الشائعة بين الموظفين. ويؤكد أن الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة تعود بالأساس إلى هيكلة المؤسسات العمومية ومجموعة الأعراف، التي صارت قوانين وآليات للتسيير، تتوارثها الأجيال المتعاقبة على الإدارة التونسية. يسترسل موضحاً أن انعدام الحوافز المعنوية وإمكانية الارتقاء والنجاح خارج المنظومة المعمول بها والقائمة على الولاءات السياسية، أو مدى القرب من أصحاب النفوذ، تقتل روح المبادرة والتفاني في العمل لتشيع بدلاً عنها جواً من الإحباط. وهو ما ينعكس على تعامل هؤلاء الموظفين مع مصالح المواطنين، لتصل الإدارة التونسية إلى هذا الوضع المعروف من الرداءة والبيروقراطية. ويضيف بوعلي أن الموظفين قد يتحملون جزءاً من المسؤولية، ولكن المناخ العام من الإحباط والعجز وغياب إرادة للتجديد والإصلاح لدى المسؤولين الكبار، يجعل من بقية الإداريين والأعوان العموميين فريسة سهلة لعدوى اليأس واللامبالاة.
في نفس السياق، تضيف إيمان، وهي موظفة، أن آفة الإحباط ليست حكراً على القطاع العام فحسب، بل تشمل القطاع الخاص. ففي تونس يتطلب النجاح أن تكون قادراً على تشكيل شبكة علاقات لدى أصحاب النفوذ والتملق للمديرين وكل من يفوقك درجة في السلم الوظيفي.
انتشار حالة الإحباط، ومدى ارتباطها بالمنظومة السياسية والاقتصادية، كان محور مداخلة الباحث الاقتصادي، عماد بن سليمان، الذي يستهل حديثه مشيراً إلى الارتباط العضوي بين فشل المنظومة السياسية ومخططاتها الاقتصادية والاجتماعية واستشراء جو الإحباط واليأس. ويوضح أنه "بدل أن يسعى المسؤولون بعد الثورة إلى تحفيز الناس وإشاعة الأمل بالقدرة على التغيير، فإنهم لم يقدموا سوى خطابات العجز والخوف، والتي تمحورت دائماً حول صعوبة التغيير والإصلاح. فكيف نستغرب حينئذ الانتكاسة الراهنة وتراجع إنتاجية الموظفين والعمال في كافة القطاعات؟".
يضيف بن سليمان أن حالة اليأس الراهنة واضمحلال الرغبة في التحدي والتنافس وتقديم الإضافة على الصعيد المهني ترجع، بشكل مباشر، إلى استمرار قواعد اللعبة القديمة في الارتقاء الوظيفي، والتي تقوم على المحسوبية والتزلف لأصحاب المناصب العليا، وعدم المراهنة على الشباب.
اقرأ أيضاً:الفساد في تونس: قولوا ما شئتم وسنفعل ما نريد
واقع محبِط، ومجتمع محبَط، معادلة تشخص الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في تونس، وتفسر حالة التدهور الاقتصادي وتراجع ثقافة العمل والعطاء في ظل فشل منظومة صدرت خيباتها للمواطنين، وأجبرتهم على تقاسم الرداءة.
"لماذا يجب علي أن أكون استثناء؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يتميز في مجتمع تعود إحباط الهمم؟". بهذه الأسئلة المستنكرة، يجيب محدثنا الأول، أيمن الصالحي، الذي قضى أكثر من 7 سنوات يعمل كحارس لدى إحدى الشركات الخاصة رغم حصوله على شهادة في المحاسبة. يضيف هذا الأخير، أنه كان يتضايق في البداية من انسداد الآفاق ومن مهنته البعيدة كل البعد عن اختصاصه، ويحاول بشتى الوسائل أن يبقي داخله بصيصاً من الأمل. إلا أنه وبمرور السنين، تحولت اللامبالاة بالمستقبل وبواقعه الراهن أفضل مسكن لحالة الغضب التي كان يعيشها.
منظومة فاشلة
ويستطرد أيمن موضحاً أنه يعتبر نفسه اليوم جزءاً من منظومة فاشلة، ومجتمع لا يقدر الطموح، لذا فقد ارتأى أن ينسى شهادته وأحلامه ويحاول أن يعيش وفق الممكن والمتاح. ليختم موضحاً وجهة نظره بأن ثورة دفعت عشرات الشهداء ومئات الجرحى فشلت في انتشال البلاد من حالة الإحباط وبعث روح جديدة، فهل سيقدر منفرداً على أن يكون استثناء؟
محاولة البحث عن مثال آخر أقل سوداوية هو الإحباط بذاته، إلى حين الوصول إلى الموظف المرموق في أحد المؤسسات العمومية، فراس بوعلي، لكن هذا الأخير لم يكن أكثر تفاؤلاً من سابقه. إذ يوضح بوعلي أن وضعية القطاع العمومي في تونس ليست إلا نتيجة حتمية لثقافة اللامبالاة الشائعة بين الموظفين. ويؤكد أن الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة تعود بالأساس إلى هيكلة المؤسسات العمومية ومجموعة الأعراف، التي صارت قوانين وآليات للتسيير، تتوارثها الأجيال المتعاقبة على الإدارة التونسية. يسترسل موضحاً أن انعدام الحوافز المعنوية وإمكانية الارتقاء والنجاح خارج المنظومة المعمول بها والقائمة على الولاءات السياسية، أو مدى القرب من أصحاب النفوذ، تقتل روح المبادرة والتفاني في العمل لتشيع بدلاً عنها جواً من الإحباط. وهو ما ينعكس على تعامل هؤلاء الموظفين مع مصالح المواطنين، لتصل الإدارة التونسية إلى هذا الوضع المعروف من الرداءة والبيروقراطية. ويضيف بوعلي أن الموظفين قد يتحملون جزءاً من المسؤولية، ولكن المناخ العام من الإحباط والعجز وغياب إرادة للتجديد والإصلاح لدى المسؤولين الكبار، يجعل من بقية الإداريين والأعوان العموميين فريسة سهلة لعدوى اليأس واللامبالاة.
في نفس السياق، تضيف إيمان، وهي موظفة، أن آفة الإحباط ليست حكراً على القطاع العام فحسب، بل تشمل القطاع الخاص. ففي تونس يتطلب النجاح أن تكون قادراً على تشكيل شبكة علاقات لدى أصحاب النفوذ والتملق للمديرين وكل من يفوقك درجة في السلم الوظيفي.
انتشار حالة الإحباط، ومدى ارتباطها بالمنظومة السياسية والاقتصادية، كان محور مداخلة الباحث الاقتصادي، عماد بن سليمان، الذي يستهل حديثه مشيراً إلى الارتباط العضوي بين فشل المنظومة السياسية ومخططاتها الاقتصادية والاجتماعية واستشراء جو الإحباط واليأس. ويوضح أنه "بدل أن يسعى المسؤولون بعد الثورة إلى تحفيز الناس وإشاعة الأمل بالقدرة على التغيير، فإنهم لم يقدموا سوى خطابات العجز والخوف، والتي تمحورت دائماً حول صعوبة التغيير والإصلاح. فكيف نستغرب حينئذ الانتكاسة الراهنة وتراجع إنتاجية الموظفين والعمال في كافة القطاعات؟".
يضيف بن سليمان أن حالة اليأس الراهنة واضمحلال الرغبة في التحدي والتنافس وتقديم الإضافة على الصعيد المهني ترجع، بشكل مباشر، إلى استمرار قواعد اللعبة القديمة في الارتقاء الوظيفي، والتي تقوم على المحسوبية والتزلف لأصحاب المناصب العليا، وعدم المراهنة على الشباب.
اقرأ أيضاً:الفساد في تونس: قولوا ما شئتم وسنفعل ما نريد