الداخلية التونسية تواصل تحرياتها بقضية احتجاز 42 طفلاً في مدرسة قرآنية

03 فبراير 2019
انقطعوا عن التعليم وعن رؤية أسرهم بانتظام(زكير حسين شودوري/Getty)
+ الخط -
تتفاعل قضية احتجاز 42 طفلاً في مدرسة قرآنية في معتمدية الرقاب في ولاية سيدي بوزيد التونسية، كما تنشغل الأوساط الرسمية والحقوقية والشعبية بتداعياتها التي بدأت يوم 31 يناير/كانون الثاني الماضي مع مداهمة الوحدات الأمنية المختصة مدرسة ''ابن عمر القرآنية"، وإغلاقها واحتجاز الحواسيب والكتب الدينية فيها، وتوقيف المدير، وتحويل التلاميذ إلى الجهات المختصة لعرضهم على المراقبة النفسية.

وأكدت وزارة الداخلية التونسية، في بيان لها اليوم الأحد، أن الإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بإدارة الشرطة العدلية تولّت التحرّي بشأن نشاط مشبوه لجمعية قرآنية كائنة بالرقاب سيدي بوزيد تؤوي مجموعة من الأطفال والشبان في ظروف غير ملائمة، ويتعرّضون لسوء المعاملة وللاستغلال الاقتصادي، وذلك بالتنسيق مع الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، ومندوب حماية الطفولة بسيدي بوزيد.

وعثرت الوحدات الأمنية أثناء مداهمة المدرسة القرآنية على 42 طفلاً تراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، و27 راشداً (بين 18 و35 عاماً)، وتبيّن أن هؤلاء يقيمون في المبيت ذاته باختلاط ووسط ظروف لا تستجيب لأدنى شروط الصحة والنظافة والسلامة، كما ظهر أن الأطفال منقطعون جميعهم عن الدراسة، ويتعرّضون للعنف وسوء المعاملة والاستغلال في مجال العمل الفلاحي وأشغال البناء، كما يلقنهم المرشدون أفكاراً وممارسات متشددة.


وأضاف البيان أنه بإذن من النيابة العمومية بسيدي بوزيد، أبقي صاحب المدرسة في الحجز للاشتباه بضلوعه في الاتجار بالأشخاص من خلال تشغيلهم والاعتداء بالعنف عليهم، إضافة إلى "الاشتباه في انتمائه إلى تنظيم إرهابي. كما احتجزت امرأة عمرها 26 عاماً اعترفت بزواجها من المعني على خلاف الصيغ القانونية.

وأكّد طبيب الصحة العمومية إصابة بعض الأطفال من تلامذة المدرسة القرآنية بعدة أمراض، منها ضيق التنفس والجرب والقمل.

وقال المندوب العام لحماية الطفولة، مهيار حمادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن متابعة هؤلاء الأطفال مستمرة، مع توفير الإحاطة اللازمة لهم، بانتظار الإجراءات الأمنية والقضائية على اعتبار أنهم يخضعون لمجلة حماية الطفل، مبيناً أن أعمارهم تراوح بين 10 و19 عاماً.

وأشار حمادي إلى التثبت من أن بعض الأطفال مضى على وجودهم في تلك المدرسة 5 سنوات، وقضى آخرون عاماً أو بضعة أشهر، مبيناً أن المسائل التي تتعلق بالبرنامج وما تلقاه هؤلاء الأطفال من دروس ستكون محل متابعة.

وأوضح حمادي أن إقامة هؤلاء في ذلك الفضاء غير قانونية، وإن وجود مبيت يستقبل أطفالاً يجب أن يخضع إلى كراس شروط، وأن تتوفر الظروف اللازمة التي تؤمن السلامة البدنية والنفسية للمقيمين. مضيفاً: "يمكن للجمعية أن تساعد على حفظ القرآن، ولكن دون إقامة الأطفال والمبيت فيها".

واعتبر أن الخطير في الأمر يكمن في أن أغلب هؤلاء الأطفال في سن الدراسة، وهم منقطعون عن التعليم طالما أنهم لم يحضروا في فضاءات تربوية. واستناداً إلى نتائج المعاينات، أوضح حمادي أن الأطفال الـ42 لا يزورون عائلاتهم إلا لفترات قليلة وفي الأعياد الدينية أو خلال شهر رمضان.

وبيّن أن بعضهم محل عناية طبية بسبب العدوى من الأمراض، مؤكداً أنه بحسب الفصل47 من الدستور التونسي فإن الأبوين والدولة يضمنون سلامة الأطفال من أي تهديد وفق مبدأ عدم التمييز، كما أن مصلحة الطفل والقوانين التونسية تجبر الأولياء على إلحاق أبنائهم بالمدارس العادية.

وأضاف أن "تحفيظ القرآن مسألة مقبولة، ولكن شريطة ألا ينقطع الطفل عن الدراسة، وألا يكون معرضاً لأي تهديد أو خطر"، مؤكدا أن أي فضاء يستقبل الأطفال يجب أن يكون مهيأ لذلك، على عكس ما أكدته المعاينات من سوء المعاملة، في انتظار تحديد بقية التجاوزات التي ستظهر قريباً.

وأكدت وزارة المرأة والأسرة والطفولة في بيان لها أمس السبت، أن الأطفال الـ 42 المعنيين بالمدرسة القرآنية بالرقاب هم محل رعاية صحية ونفسية واجتماعية من قبل المختصين والإطارات التربوية، ومعاينة مندوب حماية الطفولة المباشرة. وأفادت أنها أمنت اتصال الأطفال بأوليائهم، وأن الملف أحيل إلى السلطة القضائية المخولة لها البتّ في كل ما يتعلق بالوضعية القانونية للأطفال، خصوصاً بالنسبة لما شاع عن تعرضهم للاحتجاز وسوء المعاملة، ومنعهم من الاتصال بعائلاتهم.

وطالبت منظمة العفو الدولية السلطات التونسية، أمس السبت، بتسليم هؤلاء الأطفال إلى أوليائهم بصفة فورية، وأنه في حال توفر أسباب جدية لاستمرار احتجازهم يجب إحالة ملف هؤلاء الأطفال على قاضي الأسرة بصفة استعجاليّة وتمكين الأولياء من زيارتهم، مؤكدة في تدوينة لها على صفحتها الرسمية ضرورة ضمان احترام التحقيقات لحقوق الطفل، ومراعاة مبدأ مصالح الطفل الفضلى.

وقال النائب عن حركة النهضة عبد اللطيف المكي، أنه سبق له أن زار المركز وتحدث مع العديد منهم ولم يجد أنهم تحت ضغط ما، وهم كلهم في سن التمدرس الإعدادي والثانوي، ولكن للأسف لا أحد منهم في المدرسة حالياً. وأشار في تدوينة له صباح اليوم الأحد إلى توفير 42 مصحفاً وقاعة للصلاة للأطفال، وقال إنه أخذ لهم صورة من الخلف وهم يصلون جماعة، وأن المرشدين مكنوهم من لعب كرة القدم في صحن المبنى في مساحة تقارب 400 متر مربع.

وأكد المكي في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ إجراءات قانونية وقضائية ستتبع للنظر في مدى تطابق ظروف هؤلاء الأطفال مع القانون، وتحديد الأخطاء والتجاوزات، مبيناً أن الموضوع يحتاج إلى الهدوء والموضوعية والتعاون. وأوضح أنه بحسب الزيارة التي قام بها رفقة نواب آخرين، والتي تزامنت مع زيارة فريق من الهيئة التونسية للوقاية من التعذيب، فإن الفضاء مهيأ والبناية مصانة وتتضمّن فضاءات للنوم والأكل، ولكن الإشكال يكمن في انقطاعهم عن التعليم.

وأضاف أن هؤلاء الأطفال من مختلف أنحاء الجمهورية من السواسي ومن نابل ومن تونس العاصمة، وهم من مختلف الشرائح، وأن بقاءهم في الفضاء يجب أن يكون وفق القانون ومن دون فصلهم عن آبائهم. ودعا إلى التعامل مع الملف بكل موضوعية من دون تهويل.   
دلالات