صرّح رئيس مجلس الصادرات في تركيا، محمد بيوتيكشي، في مؤتمر صحافي أنّ "تركيا أصبحت ثاني أكبر مصدر للمسلسلات في العالم بعد الولايات المتحدة". لكن أغفل بيوتيكشي أنّ كثيراً ممّا تصدره تركيا من مسلسلات يعرض عبر قنوات ناطقة بالعربية مدبلجاً باللهجة الشامية المحكية، وهي، أيْ القنوات، من كانت وراء رفع الأرباح التركية تلك.
تقديرنا لحجم الاستيراد العربي الكبير من المسلسلات التلفزيونية التركية، لا يستند إلى معلومات موثقّة بالأرقام، لكن تقديره يبدو ممكناً انطلاقاً من أنّ عدد القنوات الفضائية الموجّهة للمنطقة العربية بلغ عام 2013 أكثر من 1320 قناة تلفزيونية فضائية بحسب ما كشف عنه التقرير السنوي حول البث الفضائي العربي، الذي صدر مطلع عام 2014 عن اتحاد إذاعات الدول العربية. وبحسب التقرير، فإنّ عدد القنوات الرياضية المتخصصة بلغ ما يناهز 146، ووصل عدد القنوات الدينية إلى 125، وعدد قنوات المنوعات الغنائية 124، وعدد القنوات الإخبارية 66، ما يجعل عدد القنوات الفضائية التي يسمح تخصصها المتنوع بعرض مسلسلات تركية مدبلجة نحو 859 قناة فضائية.
ولعلّنا لا نحتاج إلى كثير من التنقل على أزرار الريموت كنترول لنكتشف أنّ نحو ثلث هذا العدد يعرض يوميّاً مسلسلاً تركيّاً مدبلجاً (نادراً ما تجد فضائية تكتفي بعرض مسلسل تركي واحد على شاشتها). التقدير السابق يرجح صحته، نظريّاً، تخصصّ 151 قناة فضائية بالدراما (أفلام ومسلسلات). ولنتخيل معاً، مدعومين بهذا العدد التقديري، حجم استيراد العربي من وسط مئة دولة تستورد الدراما التركية، ألا تستحق القنوات العربية (منتجة وعارضة)، وشركات الدبلجة السورية وفنانوها (بوصفهم الأداة التنفيذية)، والجمهور العربي العاشق للدراما التركية، الإشادة وفق ما سبق من قبل بيوتيكشي، تقديراً للمساهمة العربية في وضع تركيا في المرتبة الثانية على قائمة أكبر مصدّر للمسلسلات في العالم بعد أميركا؟ المشكلة ليست في التقدير، وإنّما في الحركة التجارية التي بدت باتجاه واحد، أي أنّنا لم نشهد حركة تبادل تجاري- درامي بين الدراما التركية والدراما العربية، وكل ما قيل عن حركة دبلجة معاكسة في اتجاه الدراما العربية، بدا خجولاً، يكاد يقتصر على مسلسل واحد هو "سقوط الخلافة".
أمّا ما سمعناه عن دبلجة عدد من المسلسلات المصرية إلى اللغة التركية، فظلّ تصريحات حبر على ورق الصحف. الأمر الذي يرجّح أنّ العجز في الميزان التجاري الدرامي التركي- العربي، هو نحو 100% بالنسبة للعرب، وهي النسبة ذاتها التي تقدر الفائض لذات الميزان بالنسبة للأتراك. النسب السابقة تعتبر مطلقة. فالتقدير الحقيقي لنسبة عجز الميزان التجاري يستند إلى "تحليل مكونات البضاعة التي يتم تبادلها وتقدير وضع الميزان التجاري بموجبها. هو الأمر الذي يعني عمليّاً بإسقاطه على صناعة الدبلجة في الوطن العربي، عدم الاكتفاء بما ندفعه للأتراك ثمناً لما نستورده من دراماهم، قياساً لما نقبضه من الأتراك أنفسهم ثمناً لدرامانا وحسب، وإنّما علينا البحث بما ينتج عن هذا الاستيراد العرض من أجور صناعة وتسويق وإعلانات تجارية وسواها من الاستثمارات التجارية التي سنكتشف لاحقاً أنّها تعدت قطاع التلفزيون والدراما، لتتحول إلى حالة افتنان تجاري طالت معظم القطاعات التجارية، حتى أبسطها. إذ انغمس الجميع في الروح التجارية والدعاية التركية. فبالإضافة إلى حجم الإعلان المرافق لعرض المسلسل التركي، واستثمار شهرة نجوم الأتراك في الدراما العربية والكليبات الغنائية، قامت قناة "أم بي سي"، بإبرام اتفاق مع "شوتايم أرابيا"، لـ "إطلاق قناة مخصصة لمتابعة حلقات مسلسل (نور) قبل عرضها على أيّ قناة أخرى، ومن دون أي حذف وقت عرض المسلسل. وقام المغني شادي أسود نجم (السوبر ستار) باستغلال رواج موسيقى "سنوات الضياع" ووضع على اللحن كلمات عربية وطرحها في الإذاعات السورية باسم "بدفع عمري".
في هذا الوقت كانت حالة الافتتان الشعبي تداهم الأسواق الصغيرة، فصارت صور نور ومهند ويحيى ولميس، أكثر البضائع رواجاً في المكتبات، وتصدرت تشكيلة قصات شعر صيف 2008 في المنطقة العربية، حملت اسم "توبا" نجمة "سنوات الضياع". فيما حملت عدد من المنتجات والمطاعم أسماء لمسلسلات تركية ونجومها.
أغلب حالات الاستثمار السابقة كانت للاعبين من خارج لعبة الدبلجة، فماذا عمن هم داخل اللعبة نفسها؟ لنتفق مبدئيّاً بأنّ اللاعب الرئيسي في صناعة دبلجة المسلسلات التركية إلى اللهجة الشامية المحكية، إن صحت تسمية صناعة، هي الفضائيات العربية نفسها وليست شركات الإنتاج. فكثير من هذه الشركات عملت بطريقة المنتج المنفذ للأعمال التركية التي اشترتها الفضائيات. وعلى الرغم من فنية تنفيذ الدبلجة التي ساهمت في تقريب المشاهد العربي من المسلسل التركي، وتقديم هذا الأخير بمواصفات تكاد تشبه المسلسل السوري، ولكن بسعر أقل للحلقة الواحدة، لم يدرج مشروع دبلجة المسلسلات التركية بوصفه لعبة درامية فنيّة، وإنما بقي مجرد لعبة تجارية تديرها شركات إنتاج خلفها عدد من الفضائيات العربية. ومن دون شك، كلاهما كانا يحصدان بيضة القبان الذهبية من واردات تسويق هذه الأعمال، وخلف هؤلاء كان المئات من ممثلي المسرح والإذاعة والعاملين في دبلجة برامج الأطفال، إضافة إلى عدد من نجوم الدراما ممّن لا يحظى بفرص عمل عديدة في التلفزيون يجدون في الدبلجة هذه فرصة عمل تدق بابهم لتكون مصدر رزق، يكاد يكون الوحيد عند بعضهم. الصورة في مجملها، ستجعل الميزان التجاري، للتبادل الدرامي التركي – العربي، عاجزاً، ولكن بدرجة أقل من 100% التي أوحت بها حركة التبادل ذات الاتجاه الواحد. لكن ذلك العجز سيبدو مربكاً ومخجلاً بالنظر إلى ما ترتّب عليه من عشرات الخسائر التي طالت الدراما العربية ومساحة عرضها على الفصائيات، فضلاً عن إفساد مضمونها بأسوأ ما في مضامين المسلسلات التركية، طمعاً في شهرة ونجاح هذه الأخيرة، والنتيجة أقل من فن..أضعف من تجارة.
تقديرنا لحجم الاستيراد العربي الكبير من المسلسلات التلفزيونية التركية، لا يستند إلى معلومات موثقّة بالأرقام، لكن تقديره يبدو ممكناً انطلاقاً من أنّ عدد القنوات الفضائية الموجّهة للمنطقة العربية بلغ عام 2013 أكثر من 1320 قناة تلفزيونية فضائية بحسب ما كشف عنه التقرير السنوي حول البث الفضائي العربي، الذي صدر مطلع عام 2014 عن اتحاد إذاعات الدول العربية. وبحسب التقرير، فإنّ عدد القنوات الرياضية المتخصصة بلغ ما يناهز 146، ووصل عدد القنوات الدينية إلى 125، وعدد قنوات المنوعات الغنائية 124، وعدد القنوات الإخبارية 66، ما يجعل عدد القنوات الفضائية التي يسمح تخصصها المتنوع بعرض مسلسلات تركية مدبلجة نحو 859 قناة فضائية.
ولعلّنا لا نحتاج إلى كثير من التنقل على أزرار الريموت كنترول لنكتشف أنّ نحو ثلث هذا العدد يعرض يوميّاً مسلسلاً تركيّاً مدبلجاً (نادراً ما تجد فضائية تكتفي بعرض مسلسل تركي واحد على شاشتها). التقدير السابق يرجح صحته، نظريّاً، تخصصّ 151 قناة فضائية بالدراما (أفلام ومسلسلات). ولنتخيل معاً، مدعومين بهذا العدد التقديري، حجم استيراد العربي من وسط مئة دولة تستورد الدراما التركية، ألا تستحق القنوات العربية (منتجة وعارضة)، وشركات الدبلجة السورية وفنانوها (بوصفهم الأداة التنفيذية)، والجمهور العربي العاشق للدراما التركية، الإشادة وفق ما سبق من قبل بيوتيكشي، تقديراً للمساهمة العربية في وضع تركيا في المرتبة الثانية على قائمة أكبر مصدّر للمسلسلات في العالم بعد أميركا؟ المشكلة ليست في التقدير، وإنّما في الحركة التجارية التي بدت باتجاه واحد، أي أنّنا لم نشهد حركة تبادل تجاري- درامي بين الدراما التركية والدراما العربية، وكل ما قيل عن حركة دبلجة معاكسة في اتجاه الدراما العربية، بدا خجولاً، يكاد يقتصر على مسلسل واحد هو "سقوط الخلافة".
أمّا ما سمعناه عن دبلجة عدد من المسلسلات المصرية إلى اللغة التركية، فظلّ تصريحات حبر على ورق الصحف. الأمر الذي يرجّح أنّ العجز في الميزان التجاري الدرامي التركي- العربي، هو نحو 100% بالنسبة للعرب، وهي النسبة ذاتها التي تقدر الفائض لذات الميزان بالنسبة للأتراك. النسب السابقة تعتبر مطلقة. فالتقدير الحقيقي لنسبة عجز الميزان التجاري يستند إلى "تحليل مكونات البضاعة التي يتم تبادلها وتقدير وضع الميزان التجاري بموجبها. هو الأمر الذي يعني عمليّاً بإسقاطه على صناعة الدبلجة في الوطن العربي، عدم الاكتفاء بما ندفعه للأتراك ثمناً لما نستورده من دراماهم، قياساً لما نقبضه من الأتراك أنفسهم ثمناً لدرامانا وحسب، وإنّما علينا البحث بما ينتج عن هذا الاستيراد العرض من أجور صناعة وتسويق وإعلانات تجارية وسواها من الاستثمارات التجارية التي سنكتشف لاحقاً أنّها تعدت قطاع التلفزيون والدراما، لتتحول إلى حالة افتنان تجاري طالت معظم القطاعات التجارية، حتى أبسطها. إذ انغمس الجميع في الروح التجارية والدعاية التركية. فبالإضافة إلى حجم الإعلان المرافق لعرض المسلسل التركي، واستثمار شهرة نجوم الأتراك في الدراما العربية والكليبات الغنائية، قامت قناة "أم بي سي"، بإبرام اتفاق مع "شوتايم أرابيا"، لـ "إطلاق قناة مخصصة لمتابعة حلقات مسلسل (نور) قبل عرضها على أيّ قناة أخرى، ومن دون أي حذف وقت عرض المسلسل. وقام المغني شادي أسود نجم (السوبر ستار) باستغلال رواج موسيقى "سنوات الضياع" ووضع على اللحن كلمات عربية وطرحها في الإذاعات السورية باسم "بدفع عمري".
في هذا الوقت كانت حالة الافتتان الشعبي تداهم الأسواق الصغيرة، فصارت صور نور ومهند ويحيى ولميس، أكثر البضائع رواجاً في المكتبات، وتصدرت تشكيلة قصات شعر صيف 2008 في المنطقة العربية، حملت اسم "توبا" نجمة "سنوات الضياع". فيما حملت عدد من المنتجات والمطاعم أسماء لمسلسلات تركية ونجومها.
أغلب حالات الاستثمار السابقة كانت للاعبين من خارج لعبة الدبلجة، فماذا عمن هم داخل اللعبة نفسها؟ لنتفق مبدئيّاً بأنّ اللاعب الرئيسي في صناعة دبلجة المسلسلات التركية إلى اللهجة الشامية المحكية، إن صحت تسمية صناعة، هي الفضائيات العربية نفسها وليست شركات الإنتاج. فكثير من هذه الشركات عملت بطريقة المنتج المنفذ للأعمال التركية التي اشترتها الفضائيات. وعلى الرغم من فنية تنفيذ الدبلجة التي ساهمت في تقريب المشاهد العربي من المسلسل التركي، وتقديم هذا الأخير بمواصفات تكاد تشبه المسلسل السوري، ولكن بسعر أقل للحلقة الواحدة، لم يدرج مشروع دبلجة المسلسلات التركية بوصفه لعبة درامية فنيّة، وإنما بقي مجرد لعبة تجارية تديرها شركات إنتاج خلفها عدد من الفضائيات العربية. ومن دون شك، كلاهما كانا يحصدان بيضة القبان الذهبية من واردات تسويق هذه الأعمال، وخلف هؤلاء كان المئات من ممثلي المسرح والإذاعة والعاملين في دبلجة برامج الأطفال، إضافة إلى عدد من نجوم الدراما ممّن لا يحظى بفرص عمل عديدة في التلفزيون يجدون في الدبلجة هذه فرصة عمل تدق بابهم لتكون مصدر رزق، يكاد يكون الوحيد عند بعضهم. الصورة في مجملها، ستجعل الميزان التجاري، للتبادل الدرامي التركي – العربي، عاجزاً، ولكن بدرجة أقل من 100% التي أوحت بها حركة التبادل ذات الاتجاه الواحد. لكن ذلك العجز سيبدو مربكاً ومخجلاً بالنظر إلى ما ترتّب عليه من عشرات الخسائر التي طالت الدراما العربية ومساحة عرضها على الفصائيات، فضلاً عن إفساد مضمونها بأسوأ ما في مضامين المسلسلات التركية، طمعاً في شهرة ونجاح هذه الأخيرة، والنتيجة أقل من فن..أضعف من تجارة.