منذ تسع سنوات، لم ينتخِب اللبنانيون برلماناً. معلومةٌ يعرفها جميع المواطنين، لكنّها، ببساطتها وعموميّتها، شرحٌ كافٍ لما يحصل في البلاد، منذ الخامس من فبراير/الماضي، تاريخ بدء مرحلة الدعاية الانتخابية.
ينتخب اللبنانيون برلماناً جديداً، في السادس من أيار/مايو المقبل. بعد تسع سنواتٍ من المنع، إثر تمديد المجلس النيابي لنفسه، وحرمانهم من حقّهم الدستوري. السنوات التسع تلك، شهدت تحوّلاتٍ في العالم أجمع. وفي لبنان، البلد الصغير على الخريطة، حصلت شتّى التقلّبات.
ففيها، اختفى الانقسام العامودي في السياسة، ولم يعد هناك فريقان يتخاصمان في الأسلوب والاستراتيجيّة والخطاب. نشأت تحالفات "غريبة" من نوعها بين الأحزاب التقليديّة.
وفي الشارع، تشكّلت قوّة من المجتمع المدني خرجت بهدف إسقاط النظام الطائفي عام 2011، وبهدف رفض التمديد عام 2013، ولتقول "طلعت ريحتكم"، إثر أزمة النفايات عام 2015. وفيها أيضاً (السنوات التسع)، باتت مواقع التواصل الاجتماعي مساحةً للآراء السياسيّة، بعدما كانت مجرّد ساحة تلاقٍ بين الأصدقاء والأهل عام 2009.
كلّ تلك الأوراق، أجبرت الأفرقاء السياسيين المشاركين في السلطة على تغيير استراتيجيّتهم التسويقيّة. ولعلّ مشاركة المجتمع المدني في الانتخابات، عبر ناشطين وإعلاميين، وظهور حزب جديد يدعى "سبعة" بشعاراته التي اقتبسها من الشارع وأمواله التي ظهرت مع احتفالاته وإعلاناته (المنسوخة هي الأخرى من أحزاب عالميّة)، بالإضافة إلى القانون الانتخابي الجديد الذي بدّل في تقسيم الدوائر و"كبّرها"، أنشأ خوفاً في صفوف الأحزاب التقليديّة، لاحتماليّة حصول خروقاتٍ من قبل لوائح منافسة جديدة.
في الإعلانات المنتشرة في الشوارع، وعلى مواقع التواصل، يظهر جلياً محاولة تلك الأحزاب إعادة تشكيل هويّتها لدى الجمهور. مفهوم الـ "براندينغ" مشغولٌ بتقنيّات عاليّة عبر الشعارات والصور والخطاب، وهذا يعود بدرجة أولى، أيضاً، إلى القانون الجديد، والذي بات يفرض لوائح انتخابية ويمنع المرشحين المنفردين أو المستقلّين. لذا، استُبدلت صور السياسيين والمرشحين بشعارات الحزب وطروحاته.
هكذا، أطلق "حزب الله" شعاري "نحمي ونبني" و"دونك موتي، لك صوتي"، بينما اختار "تيار المستقبل" شعار "نحنا الخرزة الزرقا". واعتمدت "حركة أمل" شعار "صوتَك أمل"، بينما اختار حزب "الكتائب" شعاري "عنا الحل" و"نبض"، واختار "حزب سبعة" شعار "ابتسامة وطن"، فيما "القوات اللبنانية" اعتمد في إعلاناته شعار "صار بدا"، و"التيار الوطني الحر" اعتمد "التيار القوي للبنان القوي".
في لوحاته الإعلانيّة، على خلفيّة حمراء، وبخطّ أبيض كبير، يقول حزب "القوات اللبنانية" (يرأسه سمير جعجع) "صار بدا دولة مش دويلة". هو خطاب الحزب نفسه، في مواجهة خصمه السياسي الأبرز "حزب الله"، وينطلق من مفهومه بضرورة حصر السلاح بيد الدولة عبر الجيش اللبناني، وتسليم الحزب سلاحه بدلاً من إنشائه دويلةً ضمن الدولة.
صورة "القوات" واضحة في الإعلان، ويستطيع مشاهده تمييز الحزب، عبر الألوان أولاً، والخطاب ثانياً. لكنّ شعار "صار بدّا" يوحي بإعادة الطرح القديم، مجدداً، وكأنّ الوقت الآن فقط، حانَ ليكون لبنان دولة ذات سيادة، بالرغم من مشاركة الحزب نفسه في السلطة منذ سنوات طويلة أصلاً.
حزب "الكتائب" اللبنانية (يرأسه سامي الجميل) يتوارث السلطة هو الآخر منذ سنوات. لكنّه أيضاً، يحاول طرح نفسه كبديل جديد، وكأنّه وُلد من رحم الانتخابات الحاليّة، ليستغلّ أيضاً فكرة عدم وجوده في الحكومة الحاليّة، ليقول إنّ الحلول للمشاكل التي يعاني منها اللبنانيّون لديه هو وحده.
هكذا يقول في لوحاته الإعلانيّة إنّ "الحلّ" لديه، عبر 113 بنداً في مشروعه الجديد. وكذلك يقول إنّه "نبض التغيير" و"الحرية" و"البرلمان" (...)، مستعيناً بخلفيّات بيضاء فيها هويّته (علمه في الأساس أبيض يتوسطه شجرة أرز).
أما إعادة تشكيل الهويّة، فتظهر جلياً في تغيير شكل رسم شجرة الأرز، وفي إطلاق مواقع خاصة بالانتخابات تعتمد على صورة مواطنين بدلاً من صور السياسيين، وحدّة عالية في النبرة (مقتبسة هي الأخرى من أحزابٍ حول العالم).
تبدو حملة "حركة أمل" (يرأسها نبيه بري) نسخةً رديئة لإعلانات عيد الجيش. هكذا، وبالقليل من تقنية "فوتوشوب"، تتداخل صور امرأة ومزارع وعسكري مع صور البرلمان وصورة لبلوكات التنقيب عن النفط، بالإضافة إلى صورة الإمام موسى الصدر، مع شعارات حماية الحدود والوطن والتنمية.
يرتفع شعار "صوتك أمل" في شوارع الجنوب، وتبدو فيها "الدعوات للتحرّك" واضحة عبر الدعوة المباشرة إلى التصويت لمرشحي الحركة. لا تخاطب الحملة الشباب، كما تحاول الأحزاب الأخرى في إعلاناتها ودعاياتها، لكنّها تُعيد إلى الأذهان "شتلة التبغ" التي تعتمدها الحركة رمزاً لجنوب لبنان (نظراً لانتشار تلك الزراعة بكثافة هناك)، لترسم "صمود" الخطاب السياسي نفسه منذ 26 عاماً هي مدة رئاسة بري للمجلس النيابي.
ويظهر التحوّل في الخطاب السياسي أيضاً في حملة "حزب الله" (أمينه العام حسن نصر الله) الذي يجتهد، دعائياً، لتقديم نفسه كمشروع إنمائي - اجتماعي، والابتعاد عن حصرية صورته في "حماية لبنان"، كما يفعل منذ تأسيسه. هذه السنة، أضاف الحزب كلمة "نبني" إلى "نحمي" التي بنى عليها خطابه للشارع، عبر التركيز على مفهوم "الجهاد" ضدّ الاحتلال الإسرائيلي ولـ "حماية المقدسات" (عبر مشاركته في القتل إلى جانب النظام السوري).
يحاول الحزب بذلك أن يبدو فريقاً يعمل لأجل إنماء مناطق نفوذه، وهو ما دأبت صفحة الحملة على "فيسبوك" إظهاره عبر تقارير عن طرقات وأعمال إنمائيّة قام بها الحزب، لكنّها حازت سخريةً واسعة من اللبنانيين. يعمل الحزب أيضاً على إظهار نوابه كمواطنين عاديين، عبر مقاطع فيديو لهم تظهرهم يتحدثون عبر الهاتف أو يتمشون في الشوارع، بدلاً من صورتهم كـ "مجاهدين".
هي أيضاً محاولة لإعادة طرح هويّة جديدة، سببها بشكلٍ رئيسي بروز منافسين في مناطقه، ووضوح عدم جدوى تركيزه على الصراع السياسي القائم أيضًا على تمسّكه بسلاحه، بالتأثير على الناخبين في ظلّ القانون الجديد.
ولعلّ "الخرزة الزرقاء" هي أكثر ما جذب انتباه اللبنانيين في الحملات الإعلانية للانتخابات. فقد حدّد "تيار المستقبل" (يرأسه سعد الحريري) مادةً (زرقاء كاللون الذي يعتمده) يعرفها جميع اللبنانيين، ويؤمن بها كثيرون منهم، وجعلها مقترنةً به. بعد "زيّ ما هي" و"السما زرقا"، ودعايات سابقة قائمة على "الحقيقة" في ملفّ اغتيال رئيس الوزراء الراحل، رفيق الحريري، والتشديد على ضرورة المحكمة الدولية لمحاسبة المتورّطين، وخسارته مصداقيّته في شارعه، إثر تحالفاته السياسية وتنازلاته وتخليه حتى عن خطاب "ضرورة نزع سلاح حزب الله"، يذهب اليوم إلى طرح ملفات إنمائية - اجتماعية بغلافٍ سطحي خارج السياسة تماماً، بل والمنطق حتى، في ما يُشبه خطابات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عندما يتحدث عن محاربته "قوى الشرّ".
لن يتذكّر لبناني "الخرزة الزرقاء" من دون أن يربطها بـ "تيار المستقبل" بعد هذه الحملة. لا بل إنّ الزوبعة الإعلامية التي رافقت المؤتمر الانتخابي للتيار، والوسوم التي تستمرّ في الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، توضح نجاح الحملة في الوصول إلى الجمهور، ولعب التيار على مفهوم الـ "ترند" و"الباز الإعلامي"، بدلاً من تقديم خطابٍ سياسي في الأساس.
فالشعار ليس عبثياً، ونجاح الحملة ليس مفاجئاً، بل مدروس بدقة. بل ويمكن القول، إنّ اختيار "الخرزة الزرقا يلي بتحمي لبنان" شعاراً انتخابياً هو الأصدق بالإعلان عن الإفلاس السياسي بين الأحزاب. إذ من خلاله، يقول "تيار المستقبل"، إنّه لن يقوم بأي مجهود حقيقي، ولن يعمل على الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لخدمة مَن سينوب عنهم في السلطة، بل سيتّجه لمحاربة "صيبة العين" والشعوذة، لحماية لبنان.
لم تُطلق جميع الأحزاب واللوائح حملاتها الإعلانيّة بعد، لكنّ المشهد يوحي بسنّها أسنانها بهدف إعادة تشكيل مفاهيم جديدة عنها، وزرع "أملٍ" جديد، يؤدي، مرةً أخرى، إلى وصول ذات "المحادل" لنفس المقرّ البرلماني، ونكثٍ آخر بوعود، سينساها المواطنون (على الأرجح) خلال مدّة المجلس الجديد، لكنّ الخرزة الزرقاء ستحميه هذه المرة، "ليحمي ويبني" شعاراتٍ جديدة.
ينتخب اللبنانيون برلماناً جديداً، في السادس من أيار/مايو المقبل. بعد تسع سنواتٍ من المنع، إثر تمديد المجلس النيابي لنفسه، وحرمانهم من حقّهم الدستوري. السنوات التسع تلك، شهدت تحوّلاتٍ في العالم أجمع. وفي لبنان، البلد الصغير على الخريطة، حصلت شتّى التقلّبات.
ففيها، اختفى الانقسام العامودي في السياسة، ولم يعد هناك فريقان يتخاصمان في الأسلوب والاستراتيجيّة والخطاب. نشأت تحالفات "غريبة" من نوعها بين الأحزاب التقليديّة.
وفي الشارع، تشكّلت قوّة من المجتمع المدني خرجت بهدف إسقاط النظام الطائفي عام 2011، وبهدف رفض التمديد عام 2013، ولتقول "طلعت ريحتكم"، إثر أزمة النفايات عام 2015. وفيها أيضاً (السنوات التسع)، باتت مواقع التواصل الاجتماعي مساحةً للآراء السياسيّة، بعدما كانت مجرّد ساحة تلاقٍ بين الأصدقاء والأهل عام 2009.
كلّ تلك الأوراق، أجبرت الأفرقاء السياسيين المشاركين في السلطة على تغيير استراتيجيّتهم التسويقيّة. ولعلّ مشاركة المجتمع المدني في الانتخابات، عبر ناشطين وإعلاميين، وظهور حزب جديد يدعى "سبعة" بشعاراته التي اقتبسها من الشارع وأمواله التي ظهرت مع احتفالاته وإعلاناته (المنسوخة هي الأخرى من أحزاب عالميّة)، بالإضافة إلى القانون الانتخابي الجديد الذي بدّل في تقسيم الدوائر و"كبّرها"، أنشأ خوفاً في صفوف الأحزاب التقليديّة، لاحتماليّة حصول خروقاتٍ من قبل لوائح منافسة جديدة.
Facebook Post |
في الإعلانات المنتشرة في الشوارع، وعلى مواقع التواصل، يظهر جلياً محاولة تلك الأحزاب إعادة تشكيل هويّتها لدى الجمهور. مفهوم الـ "براندينغ" مشغولٌ بتقنيّات عاليّة عبر الشعارات والصور والخطاب، وهذا يعود بدرجة أولى، أيضاً، إلى القانون الجديد، والذي بات يفرض لوائح انتخابية ويمنع المرشحين المنفردين أو المستقلّين. لذا، استُبدلت صور السياسيين والمرشحين بشعارات الحزب وطروحاته.
هكذا، أطلق "حزب الله" شعاري "نحمي ونبني" و"دونك موتي، لك صوتي"، بينما اختار "تيار المستقبل" شعار "نحنا الخرزة الزرقا". واعتمدت "حركة أمل" شعار "صوتَك أمل"، بينما اختار حزب "الكتائب" شعاري "عنا الحل" و"نبض"، واختار "حزب سبعة" شعار "ابتسامة وطن"، فيما "القوات اللبنانية" اعتمد في إعلاناته شعار "صار بدا"، و"التيار الوطني الحر" اعتمد "التيار القوي للبنان القوي".
Facebook Post |
في لوحاته الإعلانيّة، على خلفيّة حمراء، وبخطّ أبيض كبير، يقول حزب "القوات اللبنانية" (يرأسه سمير جعجع) "صار بدا دولة مش دويلة". هو خطاب الحزب نفسه، في مواجهة خصمه السياسي الأبرز "حزب الله"، وينطلق من مفهومه بضرورة حصر السلاح بيد الدولة عبر الجيش اللبناني، وتسليم الحزب سلاحه بدلاً من إنشائه دويلةً ضمن الدولة.
صورة "القوات" واضحة في الإعلان، ويستطيع مشاهده تمييز الحزب، عبر الألوان أولاً، والخطاب ثانياً. لكنّ شعار "صار بدّا" يوحي بإعادة الطرح القديم، مجدداً، وكأنّ الوقت الآن فقط، حانَ ليكون لبنان دولة ذات سيادة، بالرغم من مشاركة الحزب نفسه في السلطة منذ سنوات طويلة أصلاً.
Facebook Post |
حزب "الكتائب" اللبنانية (يرأسه سامي الجميل) يتوارث السلطة هو الآخر منذ سنوات. لكنّه أيضاً، يحاول طرح نفسه كبديل جديد، وكأنّه وُلد من رحم الانتخابات الحاليّة، ليستغلّ أيضاً فكرة عدم وجوده في الحكومة الحاليّة، ليقول إنّ الحلول للمشاكل التي يعاني منها اللبنانيّون لديه هو وحده.
Facebook Post |
هكذا يقول في لوحاته الإعلانيّة إنّ "الحلّ" لديه، عبر 113 بنداً في مشروعه الجديد. وكذلك يقول إنّه "نبض التغيير" و"الحرية" و"البرلمان" (...)، مستعيناً بخلفيّات بيضاء فيها هويّته (علمه في الأساس أبيض يتوسطه شجرة أرز).
أما إعادة تشكيل الهويّة، فتظهر جلياً في تغيير شكل رسم شجرة الأرز، وفي إطلاق مواقع خاصة بالانتخابات تعتمد على صورة مواطنين بدلاً من صور السياسيين، وحدّة عالية في النبرة (مقتبسة هي الأخرى من أحزابٍ حول العالم).
تبدو حملة "حركة أمل" (يرأسها نبيه بري) نسخةً رديئة لإعلانات عيد الجيش. هكذا، وبالقليل من تقنية "فوتوشوب"، تتداخل صور امرأة ومزارع وعسكري مع صور البرلمان وصورة لبلوكات التنقيب عن النفط، بالإضافة إلى صورة الإمام موسى الصدر، مع شعارات حماية الحدود والوطن والتنمية.
يرتفع شعار "صوتك أمل" في شوارع الجنوب، وتبدو فيها "الدعوات للتحرّك" واضحة عبر الدعوة المباشرة إلى التصويت لمرشحي الحركة. لا تخاطب الحملة الشباب، كما تحاول الأحزاب الأخرى في إعلاناتها ودعاياتها، لكنّها تُعيد إلى الأذهان "شتلة التبغ" التي تعتمدها الحركة رمزاً لجنوب لبنان (نظراً لانتشار تلك الزراعة بكثافة هناك)، لترسم "صمود" الخطاب السياسي نفسه منذ 26 عاماً هي مدة رئاسة بري للمجلس النيابي.
Facebook Post |
ويظهر التحوّل في الخطاب السياسي أيضاً في حملة "حزب الله" (أمينه العام حسن نصر الله) الذي يجتهد، دعائياً، لتقديم نفسه كمشروع إنمائي - اجتماعي، والابتعاد عن حصرية صورته في "حماية لبنان"، كما يفعل منذ تأسيسه. هذه السنة، أضاف الحزب كلمة "نبني" إلى "نحمي" التي بنى عليها خطابه للشارع، عبر التركيز على مفهوم "الجهاد" ضدّ الاحتلال الإسرائيلي ولـ "حماية المقدسات" (عبر مشاركته في القتل إلى جانب النظام السوري).
يحاول الحزب بذلك أن يبدو فريقاً يعمل لأجل إنماء مناطق نفوذه، وهو ما دأبت صفحة الحملة على "فيسبوك" إظهاره عبر تقارير عن طرقات وأعمال إنمائيّة قام بها الحزب، لكنّها حازت سخريةً واسعة من اللبنانيين. يعمل الحزب أيضاً على إظهار نوابه كمواطنين عاديين، عبر مقاطع فيديو لهم تظهرهم يتحدثون عبر الهاتف أو يتمشون في الشوارع، بدلاً من صورتهم كـ "مجاهدين".
هي أيضاً محاولة لإعادة طرح هويّة جديدة، سببها بشكلٍ رئيسي بروز منافسين في مناطقه، ووضوح عدم جدوى تركيزه على الصراع السياسي القائم أيضًا على تمسّكه بسلاحه، بالتأثير على الناخبين في ظلّ القانون الجديد.
Facebook Post |
ولعلّ "الخرزة الزرقاء" هي أكثر ما جذب انتباه اللبنانيين في الحملات الإعلانية للانتخابات. فقد حدّد "تيار المستقبل" (يرأسه سعد الحريري) مادةً (زرقاء كاللون الذي يعتمده) يعرفها جميع اللبنانيين، ويؤمن بها كثيرون منهم، وجعلها مقترنةً به. بعد "زيّ ما هي" و"السما زرقا"، ودعايات سابقة قائمة على "الحقيقة" في ملفّ اغتيال رئيس الوزراء الراحل، رفيق الحريري، والتشديد على ضرورة المحكمة الدولية لمحاسبة المتورّطين، وخسارته مصداقيّته في شارعه، إثر تحالفاته السياسية وتنازلاته وتخليه حتى عن خطاب "ضرورة نزع سلاح حزب الله"، يذهب اليوم إلى طرح ملفات إنمائية - اجتماعية بغلافٍ سطحي خارج السياسة تماماً، بل والمنطق حتى، في ما يُشبه خطابات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عندما يتحدث عن محاربته "قوى الشرّ".
Facebook Post |
لن يتذكّر لبناني "الخرزة الزرقاء" من دون أن يربطها بـ "تيار المستقبل" بعد هذه الحملة. لا بل إنّ الزوبعة الإعلامية التي رافقت المؤتمر الانتخابي للتيار، والوسوم التي تستمرّ في الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، توضح نجاح الحملة في الوصول إلى الجمهور، ولعب التيار على مفهوم الـ "ترند" و"الباز الإعلامي"، بدلاً من تقديم خطابٍ سياسي في الأساس.
Twitter Post
|
فالشعار ليس عبثياً، ونجاح الحملة ليس مفاجئاً، بل مدروس بدقة. بل ويمكن القول، إنّ اختيار "الخرزة الزرقا يلي بتحمي لبنان" شعاراً انتخابياً هو الأصدق بالإعلان عن الإفلاس السياسي بين الأحزاب. إذ من خلاله، يقول "تيار المستقبل"، إنّه لن يقوم بأي مجهود حقيقي، ولن يعمل على الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لخدمة مَن سينوب عنهم في السلطة، بل سيتّجه لمحاربة "صيبة العين" والشعوذة، لحماية لبنان.
لم تُطلق جميع الأحزاب واللوائح حملاتها الإعلانيّة بعد، لكنّ المشهد يوحي بسنّها أسنانها بهدف إعادة تشكيل مفاهيم جديدة عنها، وزرع "أملٍ" جديد، يؤدي، مرةً أخرى، إلى وصول ذات "المحادل" لنفس المقرّ البرلماني، ونكثٍ آخر بوعود، سينساها المواطنون (على الأرجح) خلال مدّة المجلس الجديد، لكنّ الخرزة الزرقاء ستحميه هذه المرة، "ليحمي ويبني" شعاراتٍ جديدة.