حي الصابري في مدينة بنغازي الليبية كان يسمّى بـ "عرجون الفلّ". حاله حال أحياء أخرى، نزح أهله في ظل الحرب، ودمرت بيوته. اليوم، عاد بعض الأهالي على الرغم من غياب الخدمات، ويسعون إلى التفاؤل
"عرجون الفلّ" أو الصابري... بهذا الحيّ اشتهرت بنغازي بين الليبيّين في الماضي. لكن رائحة البارود والرصاص طغت على رائحة الفلّ. حتّى أنّ آهات أهلها الذين عرفوا الألم، بات صداها أقوى من الأصوات الجميلة التي كان قد عرفها أكبر أحيائها هذا. "العربي الجديد" جالت في المكان لرصد حجم المعاناة ومظاهر الدمار ومحاولات عودة النازحين بعد أربع سنوات من الحرب.
ويعيش سكان منطقة الصابري في مدينة بنغازي شرق ليبيا. ويعد أحد الأحياء المنكوبة جراء الحرب. أهل الحي يعانون ويحاولون التغلب على صعوبة العيش، وكلّ ما في ذاكرنهم من ويلات النزوح التي استمرت نحو أربع سنوات. يسعون إلى التأقلم في الظروف الجديدة، على الرغم من افتقارهم للخدمات الأساسية.
في هذا الإطار، رصدت كاميرا "العربي الجديد" ملامح عودة الحياة وسط محاولات الأهالي التمسّك بالأمل للاستمرار. بعض المحال التجارية الموجودة بين الأبنية المهدمة فتحت أبوابها، إضافة إلى عدد قليل من المدارس. أما الأطفال، فعادوا يلعبون كرة القدم داخل الحي.
بدت ملامح الكثير من النساء والرجال والأطفال عابسة، ما يشير إلى الأوضاع الصعبة التي يعيشونها. ويقول إبراهيم مسلم، أحد العائدين إلى الحي: "عانينا مرارة النزوح لأربعة أعوام ونيف، وعرفنا القهر المادي والنفسي، خصوصاً بعدما استأجرنا شقة لعائلتي وعائلة أخي التي شاركتنا الإقامة. كنا نعاني نقصاً في السيولة المالية في ظل تأخّر الرواتب". لكنّه يحمد الله على عودة أسرته سالمة. "لم يتضرر بيتنا كثيراً على غرار بيوت جيراننا. لكن أشعر أنني في مكان مهجور. اشتريت مولداً كهربائياً، وأشتري المياه. كذلك، توليت تأمين الكثير من الاحتياجات الملحة بنفسي".
حليمة فوناس، وهي أرملة وأم لثلاثة أطفال، تقول: "ما أصعب الحياة حين لا تملك ما يعينك عليها. لا زوج ولا مال ومنزل نصفه مهدّم. أحاول العيش فيه على الرغم من الدمار، وأتمنى من الجهات المسؤولة أن تنظر إلينا بعين الاعتبار. نحن بشر ولسنا حجرا".
غير مكترثة بما آلت إليه الأوضاع في منطقة الصابري من دمار وخراب، بعدما فقدت فلذة كبدها ووحيدها الذي كان يحارب في جبهات القتال، تقول فاطمة فتحي التي عادت إلى الحي: "لا يهمّني منزلي المهدّم، ولا أغراضي. ابني رحل وحياتي انهارت بعد موته، وليس هناك أي تحرك من الدولة لمساعدتنا، غير إزالة الأبنية المهدمة، وعودة الكهرباء إلى بعض الشوارع، وتصليح أنابيب المياه الذي لم يكتمل بعد على الرغم من عودتنا قبل عام ونصف العام".
بحزن، تتحدّث جميلة، وهي جارة فاطمة، عن معاناة مشابهة. تقول: "مصيرنا غير معلوم وأكاد أجزم بأن الدولة غير مبالية بنا، على الرغم من أنني لا أنكر جهود البلدية، بل ومعاناتها لإزالة ركام المنازل المهدمة وقد عرّض المسؤولون حياتهم للخطر. خلال إزالة مخلفات الحرب، حدثت انفجارات ما أدى إلى موت البعض وإصابة آخرين. لكنّ العمل يسير ببطء شديد".
تبدو لهجة الرجل المسن محمود الشباح متفائلة، بل إنه يدعو جيرانه إلى التفاؤل. يقول: "يجب أن نستبشر خيراً. البلاد تمر في مرحلة صعبة جداً، إذ إننا في صدد إعادة الإعمار. تكفينا ويلات النزوح". على الرغم من ذلك، يتحدّث عن استمرار المعاناة. يقول: "ما زالت نسبة الجرائم مرتفعة. نشعر بأننا قد نموت في أية لحظة. لذلك، يجب أن نعمل على تقديم كل ما في وسعنا لتستقر بلادنا. الدمار والموت وضعف الإمكانيات لن تجعلني متشائماً".
أما سليمان الزوي، فيبدو غاضباً إلى درجة كبيرة. يقول: "عشنا معاناة استمرّت أربعة أعوام، من دون أن يلتفت إلينا أحد من المسؤولين. عرفنا التشرّد والنزوح. بعضنا أقام في مدارس، أو استأجر مساكن، أو مات حزناً". ويشير إلى أنه على الرغم من كل تلك المعاناة، لم يلتفت المسؤولون في البلدية إلينا، وكانت المساعدة الوحيدة هي منح النازحين صكوكاً مالية بدل إيجار، لم نتمكن من صرفها مع غياب السيولة النقدية في المصارف".
في المقابل، ما زالت صفحة بلدية بنغازي تحفل بالوعود والتطمينات التي يبدو أنها لا تتجاوز حد الإعلانات، على الرغم من الإقرار بمعاناة أهالي الحي. تقول إنها "تعاني نقصاً في السيولة. المنطقة مساحتها شاسعة وحجم الأضرار كبير جداً، شأنه شأن الأحياء المدمرة الأخرى في وسط البلاد والليثي والقوارشة وبوصنيب وقنفودة وقاريونس".
وفي آخر تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، هناك أكثر من 26 ألف ومائة نازح، و189 ألفاً و25 يعانون في بنغازي بسبب صعوبة العيش من دون الحصول على مساكن آمنة، وغياب الخدمات الطبية والتعليمية وغيرها من الخدمات الأساسية، إضافة إلى الخطر الناجم عن مخلفات الحرب والقنابل غير المتفجرة.