تعيش ضاحية "فولمسوسه" في "أودنسه" (وسط)، المدينة الدنماركية الرابعة مساحة وسكانا، ظروفا صعبة نتيجة تهديدات أطلقها بعض شبان المنطقة من المهاجرين.
وتعرض سعاة بريد خلال الأيام الماضية لعملية سطو على سيارة "بريد الشمال"، من قبل اثنين من الشبان، تزامنا مع تهديدات واضحة بحق العاملين في البريد تقول حرفيا "لا تأتوا إلى هنا، نحن نراقبكم ونعرف متى تأتون".
حالة من الغضب انتشرت في الدنمارك بسبب تلك الممارسات، التي يؤكد عدد من السكان لـ"العربي الجديد" أنها "صادرة عن قلة من شبان ضاحية "فولسموسه" على مدى الأيام الماضية".
تلك الاعتداءات وعمليات التهديد دفعت إلى مزيد من التشدد الأمني وإلى إنزال "قوات من الدفاع" (الجيش) ونشرها في الضاحية. وتعد "فولسموسه" في أودنسه، ( يتحدث ساكنوها 80 لغة مختلفة)، الأكثر اكتظاظا بالمهاجرين ومن ينحدر منهم. فمن بين 9200 نسمة فيها تصل نسبة المهاجرين إلى 73 بالمائة. إلى جانب نحو 250 طالبا جامعيا دوليا، يدرسون في جامعتها.
وزير العدل الدنماركي، سورن باب بولسن، جزم يوم أمس الثلاثاء قائلا "لن أقبل أن يكون هناك مكان في البلد لا يستطيع الإنسان فيه القيام بواجباته بسلام". وأكد في تصريحات متلفزة أن "المزيد من قوات الشرطة ستنشر في المنطقة لمزيد من المراقبة مع تزايد مستوى التهديدات، ونحن نريد أن نجعل العيش في (ضاحية) فولسموسه آمنة وسليمة للمواطنين"، لافتا إلى "الحاجة لتشريعات جديدة وصارمة لفرض استراتيجية تطمئن المواطنين على حياتهم".
وبالرغم من أن المتحدث باسم "بريد الشمال"، ميكائيل فلوريك، قال في تصريحات نسبت له اليوم الأربعاء إن "المضايقات تصدر عن فئة قليلة. وحدث أن أوقفنا مؤقتا توزيع البريد في المنطقة عام 2013 بعد مضايقات مشابهة"، إلا أن هذه القضية هيمنت أمس واليوم على وسائل الإعلام، والتصريحات السياسية والأمنية في الدنمارك.
واعتبرت الشرطة الدنماركية أن القضية "تحد خطير" للقوانين الصارمة المتعلقة بالاعتداء اللفظي والجسدي على "موظفين في الخدمة". وذهب كبير مفتشي شرطة "فوُن"، لارس بريمسهوي، باعتبار ما يجري "أمراً لا يمكن التسامح معه والقبول به".
ودفعت أحداث ترتكب من قبل شبان من أصل مهاجر في ضواحي المدن الدنماركية الكبيرة إلى اندلاع سجال كبير، وصل إلى حدّ اقتراح المستشارة في مجلس بلدية المدينة من الحزب الليبرالي الرئيس في الحكومة (يمين وسط)، يانه يغنيد، "إنزال قوات الجيش للسيطرة على الوضع في فولسموسه". دعوة لاقت تأييدا من زميلها، عضو البرلمان، كريستيان لورينزن، الذي صرّح غاضبا "إذ كانت الشرطة تحتاج لدعم الجيش فيجب استخدام كل الوسائل لفرض الأمن ودعم الشرطة".
بيد أن كبير مفتشي الشرطة، لارس بريمسهوي، رفض الأمر قائلا "الشرطة قادرة على حل هذه المعضلة، ولا نفكر بنشر الجيش لحلها".
وتحركت الشرطة إثر تناول تلك الأحداث في وسائل الإعلام، تزامنا مع ممارسات موازية لعصابات من شبان مراهقين في ضواحي عدد من المدن "وصلت حد إشهار السلاح وإطلاق النار في غرب مدينة أرهوس (وسط غرب البلاد) خلال الأيام الأخيرة"، وفقا للإعلام المحلي.
وتثير هذه الأحداث المستمرة منذ نهاية مايو /أيار الماضي غضب الرأي العام، وتُستغل من ساسة اليمين المتشدد لتعزيز شعبيتهم قبيل انتخابات بلدية وعامة. في المقابل يرى بعض المهاجرين أن هذه التصرفات "تسيء وتؤلب الإعلام والرأي العام علينا"، بحسب ما يلخص لـ"العربي الجديد" عيسى مرعي العامل في الحقل الاجتماعي في أودنسه.
وتعترف الدنمارك بوجود مشاكل اجتماعية وخلل متراكم في سياسات الدمج في مناطق الضواحي التي تطلق عليها تسمية "غيتوهات". وتنبش الصحف المحلية ووسائل الإعلام تاريخ مشاكل هذه الضاحية (فولسموسه) منذ أكثر من 15 عاما، عندما وقعت مواجهات متكررة بين مراهقين مهاجرين والشرطة استخدم فيها "إطلاق النار والحجارة وقنابل مولوتوف وحرقت السيارات وحاويات القمامة وتعرض سائقو سيارات الأجرة لأعمال سطو".
ويتأثر الرأي العام بسلبية الربط بين أحداث ماضية وأخرى مستمرة حتى فجر اليوم الأربعاء في أحياء أخرى في البلاد، خصوصا في غرب مدينة آرهوس، حيث بات السكان والتجار يشكون من انتشار العصابات وتهديداتها، ما ينفّر الزبائن من دخول أكبر سوق للمهاجرين "بازار فيست".
وفي غرب الدنمارك استيقظت اليوم مدينة "هيرننغ" على مواجهات بين عصابة "بلاك آرمي" (الجيش الأسود)، التي يغلب عليها شبان من أصل مهاجر، ورجال الشرطة، حرقت فيها حاويات قريبة جدا من سكن المواطنين، ما اعتبرته الشرطة تهديدا خطيرا لسلامة السكان، واعتقلت بضعة شبان من هذه العصابة.
الأحداث الأخيرة، وفقا لمختصين في شؤون الهجرة والدمج، تلقي الضوء على مزيد من "الشحن والتوتر في علاقة المؤسسات والمجتمع الدنماركيين بالشبيبة المهاجرة"، في عدد من ضواحي مدن البلد.