الدول المانحة شريكة في تهجير الفلسطينيين

23 سبتمبر 2014
تبرّر السلطة دعم المخططات بمنع الهدم الإسرائيلي (فرانس برس)
+ الخط -
باشرت مجموعة من الدول المانحة، في مقدّمها دول الرباعية وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وبلجيكا، قبل أكثر من ثلاث سنوات، تقديم ملايين الدولارات لإعداد مخططات هيكليّة في الأراضي الفلسطينيّة، المصنّفة "ج" وفق اتفاقية "أوسلو". 

ووجدت وزارة الحكم المحلّي في الدعم الذي مُنح بشكل مفاجئ، ورحّبت به السلطة الفلسطينية، طريقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من منشآت فلسطينيّة وتجمّعات سكنيّة، يقوم الاحتلال إما بهدمها أو إرسال إخطارات لهدمها بشكل دائم.

وبما أن السلطة الفلسطينية لا تملك أي نوع من السيطرة أو السيادة على هذه الأراضي، كان لا بدّ لهذه المخططات الهيكليّة أن تمرّ عبر قنوات الإدارة المدنيّة، وتخضع لجميع لجانها التي يرأسها خبراء في مجالات متعددة، مثل المياه والسياحة والآثار والبنى التحتية، فضلاً عن خبراء من وزارة الدفاع الإسرائيليّة، علماً أن جميع هؤلاء يحملون رتباً عسكريّة في جيش الاحتلال.

ويطلب الضباط تعديلات تراعي مصادر المياه ووجود المستوطنات، التي تشكّل 75 في المئة من الأراضي المصنّفة "ج" والشوارع الالتفافيّة التابعة لها، والمحميات الطبيعيّة والموارد الطبيعية الفلسطينية، تبعاً للمصلحة الإسرائيلية.

بعد ثلاث سنوات على صرف ملايين الدولارات على المخططات الهيكليّة، واعداد عشرات النماذج منها، بات المشهد أكثر وضوحاً، إذ يسعى الاحتلال من خلال هذه المخططات إلى تفريغ الأرض من سكّانها الفلسطينيين، الذين أعدوا بأنفسهم مخططات هيكيلية لتجمّعاتهم، إما عبر المجالس المحليّة بالتعاون مع وزارة الحكم المحلي، أو عبر عطاءات طرحتها الإدارة المدنية في صحيفة "القدس" الفلسطينية اليوميّة، وتقدّمت لتنفيذها مكاتب فلسطينية خاصة، من دون تنسيق مسبق مع الوزارة.

تنوّع مصير هذه المخطّطات الهيكلية، بين الرفض المطلق من الإدارة المدنيّة، أو خضوعها لتعديلات قاسية لا تكون قابلة للتطوّر والنمو، لتكون مسألة تفريغها من سكانها نحو مناطق "أ" و"ب"، حسب تصنيفات أوسلو، مسألة وقت لا أكثر، في حين تجد العشرات من هذه المخططات مصيراً معلّقاً على رفوف الإدارة المدنيّة في مستوطنة "بيت إيل".

ويقول خبير دولي، متابع لهذا الموضوع، لـ"العربي الجديد": "حذرنا وزارة الحكم المحلي أكثر من مرّة، عبر حديث مباشر، من أنّ الهدف من هذه المخططات غير بريء، وبأن إسرائيل تسعى، بدعم من الدول المانحة، لأن يصنع الفلسطينيون قيودهم حول رقابهم بأنفسهم، عبر مخططات هيكليّة لن تتجاوز مساحتها مجتمعة 1 في المئة من أصل 61 بالمئة، وهي مساحة مناطق "ج".

ويضيف متسائلاً: "كيف يمكن تفسير تنبّه الدول المانحة لأهمّية وجود مخططات هيكليّة لأراضي فلسطينية محتلّة منذ 40 عاماً، وتتعرّض لعملية سلب وتهويد وتهجير قسري بشكل يومي؟".

ويشير مسؤول في وزارة التخطيط الفلسطينية، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "هناك مخطط وطني مكاني، هدفه التخطيط لجميع الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، على أساس أنها حدود الدولة المستقبليّة، لكنّ الدول المانحة تمتنع عن دعمه، والسلطة لا تطلب منها ذلك، ولا تقوم بتخصيص الميزانيّة اللازمة له".

ويؤكّد المصدر ذاته أنّ "الدول المانحة فضّلت دعم الهيئات المحليّة بشكل فردي وجزئي، مع الحفاظ على أن يكون عصب هذا الدعم بقاء مرجعيّة المخططات الهيكليّة في يد ضبّاط الإدارة المدنيّة الإسرائيليّة".

وتطرح المعايير، التي يفرضها الاحتلال لضمان مصالحه عبر هذه المخطّطات، أسئلة حول قبول وزارة الحكم المحلي تقديم الدعم الفنّي، فضلاً عن تبنّي دعم المجالس المحليّة، لإنجاز المخطّطات في الأراضي الفلسطينية المصنّفة "ج".

وفي هذا السياق، يوضح المدير العام للإدارة العامة للتنظيم والتخطيط العمراني في وزارة الحكم المحلي، عزام الحجوج، لـ"العربي الجديد"، أنّ "قيام التجمّعات السكانية الفلسطينيّة بإعداد مخططاتها الهيكليّة، يعتبر اختراقاً كبيراً لقرار إسرائيلي بتهميشها وعزلها عن بقيّة الأراضي الفلسطينية".

وتنطلق وزارة الحكم المحلي بدعمها المخططات الهيكليّة، من زاوية حماية الممتلكات الفلسطينيّة من قرارات الهدم الإسرائيليّة، إذ إنّ المخططات ستساهم في إنقاذ المنشآت الفلسطينيّة التي جرى إخطار أصحابها بهدمها، عبر تجميد الإخطارات لحظة تقديم المخطّط الهيكلي للإدارة المدنيّة، ودعوة المواطنين إلى تصويب أوضاعهم، بعد الموافقة عليه.

وعلى الرغم من أنّ وزارة الحكم المحلي تؤكّد وجود 149 تجمعاً سكانياً مشيدة على ما نسبته 5 في المئة من إجمالي مساحة الأراضي المصنّفة "ج"، لكنّ معطيات الواقع تختلف كلياً، تبعاً لموازين القوّة على الأرض، والتي تنفرد فيها إسرائيل كقوة احتلال، تقوم بالهدم كيفما تريد، كما حصل مع ممتلكات أهالي "فصايل" الوسطى، في الأغوار، العام الماضي.

ولم يشفع لأهالي هذه المنطقة، المخطّط الذي قدموه، وخصوصاً أنّ الإدارة المدنيّة انحازت لمخطط هيكلي آخر قدّمه مكتب هندسي فلسطيني، ووافقت عليه، لأنه يلبّي معاييرها.

وتشهد مناطق "ج"، بشكل يومي، عمليات هدم وتهجير قسري، أو فرض مخططات هيكليّة من الإدارة المدنيّة، لم يجرِ التشاور مع الأهالي بشأنها، كما حدث في "النويعمة" و"مدينة القمر"، أو رفض مخطّطات بشكل قطعي، كما هو الأمر مع قرية "العقبة"، في الأغوار، حيث طلبت الإدارة المدنيّة من سكانها الرحيل، للعيش في بلدة "تياسير" المجاورة، وتحديداً في أجزائها "أ" و "ب"، وليس "ج"، لأنّ هذه واحدة من البلدات التي تمزّقت أراضيها بين تصنيفات أوسلو الثلاثة.

وبحسب المدير العام للإدارة العامة للتنظيم والتخطيط العمراني في وزارة الحكم المحلي، فقد "نالت خمسة مخططات مصادقة الإدارة المدنيّة الإسرائيليّة، فيما نُشرت سبعة مخططات  للاعتراضات، مقابل وجود 100 مخطط هيكلي آخر قيد التجهيز والنقاش الفنّي".

واللافت أن وزارة الحكم المحلّي، وكذلك المجالس والهيئات المحلّية، لا تملك أي إثبات من الإدارة المدنيّة على موافقتها على المشاريع التي أعطتها الضوء الأخضر للعمل فيها، بعد التعديلات عليها، حيث لا يتمّ توثيق أي شيء مكتوب، بين الإدارة المدنيّة والفلسطينيين بشكل مطلق، علماً أن الوزارة تشارك في ملفّ المخططات الهيكليّة كمراقب وداعم فني ومؤمِّن لتمويل المجالس المحلّية.

يوضح الحجوج أنّ "القانون الساري المفعول، ينصّ على أنّ التخطيط مهمّة المجالس المحلّية التي تقدّمه، بجانب مكتب هندسي يتابع المسائل الفنّية، مع وجود حكم محلي ليضمن الجودة". ويضيف: "نذهب إلى الإدارة المدنيّة، ضمن الوفد المتّفق عليه، عن طريق الإدارة المدنيّة، وهناك ممثل عن وزارة الشؤون المدنية. ونشارك في الاجتماعات كجانب فني، ولتقديم النصح للمجالس المحلية في الأمور الفنّية".

وعن جدوى وجود ممثل فني عن الوزارة، في حين لا توافق الإدارة المدنيّة على أيّ مخطط لا ينسجم مع معاييرها التوسّعية، يجيب الحجوج: "هذا غير صحيح، نحن نواجه صعوبة في الحوار التقني مع الإدارة المدنيّة، وصعوبة في تحقيق ما نريد، لكن في النهاية، الحد الأدنى موجود، واستطعنا الحصول عليه، والعملية عبارة عن صراع بيننا وبين الإدارة المدنيّة الإسرائيليّة".

من جهته، يؤكّد أحد المسؤولين المطلعين على الملف، لـ"العربي الجديد"، أنّ "ضباط الإدارة المدنيّة، بالكاد سمحوا لممثلي وزارة الحكم المحلي بحضور هذه الإجتماعات، لمرتين أو ثلاثة وليس بشكل دائم".

ويوضح أنّ "هناك سذاجة سياسيّة ورغبة لوقف الهدم الإسرائيلي في هذه الأماكن، كانت نتيجتها أن خسر الفلسطينيون مواقف سياسية هامة بالدفاع عن الأراضي"ج" كجزء من الدولة الفلسطينية المستقبليّة، كما خسرت السلطة موقفاً قوياً، بسبب قبولها بدعم مالي حسب اشتراط وأجندة الداعمين وليس أجندتها الوطنية، لأنّ المخططات الهيكليّة ليست أولويّة في أرض محتلّة تخطط إسرائيل لاحتلال كل شبر فيها".

ويبدو أن ما تسمّيه بعض الأوساط الرسميّة الفلسطينيّة، بالإنجازات و"إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الهدم"، ليس إلا طعماً بائساً، لضمان استمرار تقديم المخطّطات الهيكليّة. قرية "تعنك" مثال واضح على ذلك، إذ تبلغ مساحة أراضيها 1500 دونماً، لكنّ المخطط الهيكلي الذي وافقت عليه الإدارة المدنيّة الإسرائيليّة لم يتجاوز 300 دونم.

وتتوزع مكاسب إسرائيل من هذه المخططات، بحسب الخبير الدولي، بين الاستفادة من مخطّطات هيكليّة صنعها الفلسطينيون بأنفسهم للتجمّعات الفلسطينية، وبين ترسيم حدود الدولة الفلسطينيّة في مفاوضات الحلّ النهائي مع الفلسطينيين.

وكان تقرير خاص، أعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2013، تحت عنوان: "الخطة الرئيسية للآثار المترتّبة على التنمية"، قد أشار إلى أنّ "المخطّطات وضعت بإحكام حول المناطق المبنية بدون أي اعتبار للاحتياجات المستقبليّة، والحاجة للتطوير وكسب الرزق، ولم يكن الوصول للبنية التحتيّة فيها، شرطاً مسبقاً مثل شبكات المياه والكهرباء". وأوصى التقرير، بـ"وضع التخطيط بأيدي الفلسطينيين بدون قيود إسرائيليّة".

وكان متوقعاً أن يشكّل تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إحراجاً للسلطة الفلسطينيّة، التي حذفته عن موقع وزارة التخطيط، بعد ساعات من نشره، قبل أن يظهر مجدداً في زاوية مهمّشة على الموقع. كما طلبت بعض الدول المانحة من برنامج الأمم المتحدة، الذي أعد التقرير، عدم نشره، لكنه لم ينصَع للضغوط.

ويبقى السؤال الأساسي، بحسب ما طرحه خبير محلي لـ"العربي الجديد": "هل السذاجة السياسية وقلّة الوعي، يقفان وراء مرور هذه المخططات، أم أنّ البعض كان حريصاً على تدفّق عمولات لبعض المنتفعين والمكاتب الهندسيّة، بغضّ النظر عن المصلحة الوطنيّة؟". ويضيف: "هذه المخطّطات الهيكلية وملايين المانحين، التي صُرفت عليها، لم تحمها من قرار الكنيست الذي نوقش في تموز/ يوليو الماضي، بتوسيع صلاحيات اللجان الدائمة في الكنيست الإسرائيلي لتشمل الأمور المدنيّة للمدنيين في الضفّة الغربيّة، تمهيداً لمشروع ضمّ أراضي الضفّة الغربيّة".

المساهمون