لا تعتبر المباراة بين الأرجنتين وإنجلترا عادية، فلهيب "الكلاسيكو" أو الديربي يطغى على تلك المواجهة. ورغم البعد الجغرافي، يعتبر الصدام بين البلدين امتداداً لتاريخ طويل من الصراع الكروي في نسخ عديدة من بطولة كأس العالم تأجج بفعل الصراع السياسي على ملكية جزر فوكلاند.
وتقع جزر فوكلاند، أو (مالفيناس)، في أقصى جنوب الأرجنتين، وكانت تخضع لسيطرة بريطانيا منذ 1833، عندما طردت فرقة مدفعية بريطانية السلطات الأرجنتينية منها، واشتبكت بريطانيا والأرجنتين في حرب استمرت عشرة أسابيع في العام 1982.
وبعد أن غزت الأرجنتين تلك الجزر الواقعة في المحيط الأطلسي، وأسفرت المعارك عن مقتل وإصابة نحو إلفي شخص، يستمر الصراع حتى يومنا هذا، حيث ترفض لندن بدء أي محادثات بشأن السيادة مع بوينس آيرس ما لم يرغب في ذلك سكان الجزيرة البالغ عددهم ثلاثة آلاف نسمة.
ويتباهى الإنجليز بأنهم أول من أدخل كرة القدم إلى الأرجنتين، حيث أقيمت أول مباراة فيها بين فريقين بريطانيين، وأسس المعلم البريطاني واتسون هوتون أول بطولة كروية أرجنتينية العام 1891، لكن جمهور الأرجنتين يعتبر أن منتخب إنجلترا هو العدو اللدود الأول.
والتاريخ لا ينسى وقائع خالدة في تلك المواجهات اللاتينية الأوروبية، حيثُ يد مارادونا أو "يد الرب" سجلت هدف مارادونا المعجزة وأوين يرد بمعجزة أخرى وطرد بيكهام وركلة جزاء بيكهام، كله يأتي داخل سجل من الانتصارات والانكسارات للغريمين في ذاكرة المونديال.
والصدام المونديالي بين المنتخبين حصل خمس مرات، والغلبة كانت لإنجلترا لتفوقها ثلاث مرات مقابل مرتين للأرجنتين، المواجهة الأولى كانت في مونديال تشيلي 1962 وفيها فازت إنجلترا (3 – 1)، لتودع الأرجنتين البطولة، بينما خسر الإنجليز في ربع النهائي من البرازيل بطلة المسابقة.
بينما في نسخة 1966 على أرض إنجلترا، والتي توج فيها منتخب "الأسود الثلاثة" بلقبه المونديالي الوحيد، تعين عليه تجاوز "راقصي التانجو" في ربع النهائي، بعد الفوز بهدف جيوف هورست، وازدادت المواجهة شراسة في نسخة 1986 بالمكسيك، لكن هذه المرة في نصف النهائي.
لأنها جاءت بعد أربعة أعوام فقط من اندلاع حرب فوكلاند، وهي مباراة يتذكرها الجميع بالهدف المارادوني من لمسة يد بررها بأنها "يد الرب"، والهدف الأروع في تاريخ المونديال، أو "هدف القرن"، من نفس اللاعب الداهية بعد مراوغة معظم لاعبي إنجلترا وحارسها، ليفوز "الألبي سيليستي" (2 – 1)، ويتوج فيما بعد باللقب.
وفي نفس عام حرب فوكلاند أقيم مونديال 1982 في إسبانيا، ورغم الفصل بين منتخبي إنجلترا والأرجنتين في مجموعتين مختلفتين، وعزلهما في مدن متفرقة، الا أن أنصار المنتخبين دخلا في اشتباكات عنيفة وصلت حد إطلاق الرصاص في بلدة "زاراوتز" الإسبانية.
ليعود ويتجدد اللقاء على أرض فرنسا في مونديال 1998 بدور الـ16 في مباراة كانت غاية في الإثارة والمتعة، إذ سجل كلاهما هدفا في أول عشر دقائق عبر باتيستوتا وشيرار من ركلتي جزاء، قبل أن يعطي الفتى الذهبي الصاعد مايكل أوين الرد المثالي على هدف مارادونا بهدف على الشاكلة نفسها بعد تلاعب مبهر بدفاع الأرجنتين، وهو على الأرجح ثاني أجمل أهداف المونديال طيلة تاريخه.
لكن خافيير زانيتي أدرك التعادل قبل نهاية الشوط الأول من تنفيذ مخادع لضربة ثابتة، وكانت نقطة التحول طرد ديفيد بيكهام بعد استفزاز من سيميوني، لكن التعادل تواصل، وفاز لاحقا الأرجنتينيون بركلات الترجيح (4 – 2).
غير أن القدر منح بيكهام فرصة للثأر في النسخة التالية في كوريا الجنوبية واليابان 2002، ففي مباراتهما بدور المجموعات انتصر الإنجليز بركلة جزاء نفذها بيكهام ليرد الاعتبار لنفسه ولبلاده، خاصة أن إنجلترا واصلت رحلتها حتى خسارة ربع النهائي أمام البطلة البرازيل، فيما خرجت الأرجنتين من الدور الأول.
واستمرت فصول الصراع السياسي الكروي حتى اليوم، والمستفيد الأكبر هم عشاق الكرة الجميلة الذين يطمحون لمواجهات أكثر بين البلدين في المونديال، لإضفاء مزيد من المتعة وصناعة مزيد من الذكريات.