هل أصبح المجتمع التونسي مجتمعاً استهلاكياً بامتياز؟ كل المؤشرات تقود الى تأكيد ذلك، فكبرى شركات الاستهلاك تتنافس لوضع موطئ قدم في البلاد. والمؤسسات التجارية الأوروبية الكبرى تبحث عن سبل التوسع في مختلف المدن التونسية. ويكفي ان تتجول في بعض الأسواق ليلاً او نهاراً، في أول الأسبوع أو نهايته، عندما يتم صرف الرواتب أو قبل ذلك، لتجد هذه الأسواق عامرة بمئات الزوار. سؤال يتبادر إلى الذهن فوراً: متى يذهب التونسي إلى العمل؟ ومن أين يأتي بالمال؟
الإجابة واضحة ومنطقية: انها الديون، ديون البنوك، وديون الشركات المشغلة والديون الشخصية، كلها طرق تؤدي الى "روما" الإنفاق وإثقال كاهل المدينين.
القروض الاستهلاكية
تقدر القروض المقدمة من قبل البنوك التونسية إلى المؤسسات والأفراد سنة 2012 بـ 53 ألف مليون دينار تونسي، مسجلة ارتفاعاً بنسبة 21 في المئة في مقارنة مع سنة 2010. والاستدانة عنصر لا يغيب عن النمط الاستهلاكي لأكثر من مليون و130 ألف تونسي، وهو ما جعل معدل دين كل تونسي للبنوك يصل إلى 4 آلاف دينار.. حيث تقدر القروض التي يحصل عليها التونسي للاستهلاك أو لشراء مسكن بـ14614 مليون دينار تونسي سنة 2012.
وحسب ما تفيد أرقام البنك المركزي التونسي فقد شهدت حصيلة القروض الاستهلاكية ارتفاعاً بنسبة 2.7 في المئة في مقابل تراجع القروض المقدمة للمؤسسات والمهنيين.
كذلك أفاد البنك المركزي بأن قروض الاستهلاك ارتفعت من 2326 مليون دينار سنة 2010 إلى 8295 سنة 2012 في حين تراجعت قيمة قروض السكن بنسبة 25 في المئة.
مشكلات في السداد
يقدر قسم مركزية المخاطر في البنك المركزي التونسي حجم القروض الممنوحة للعائلات حتى أيلول/ سبتمبر 2013 بحوالى 15.794 مليون دينار. كما أنّ أكثر من 900 ألف عائلة تعاني المديونية.
وتفيد أرقام البنك المركزي بأن هناك أزمة سداد للقروض حيث بلغ حجم القروض غير المدفوعة والمستحقات التي تعتبر محل نزاع في 2013 حوالى 423 مليون دينار، مرتفعاً بنسبة 21.9 في المئة سنة 2011 في مقارنة مع سنة 2010، ومرتفعاً 11.9 في المئة عن سنة 2012.
ويؤكد البنك المركزي أنّ البنوك أقدمت على الحد من دعم القروض الاستهلاكية، مع عدم استبعاد رفع الفائدة ووضع سقف جديد للإقراض المصرفي خلال الأيام المقبلة. ودعا البنك المركزي إلى كبح جماح معدل التضخم الذي ارتفع بسبب زيادة الاستهلاك.
محاولات لحصر الاستهلاك
البنك المركزي الذي أكد أن الاقتصاد الوطني لا يحتمل نسبة تضخم أكثر من 5 في المئة، أجبر المصارف التجارية على وضع احتياطي إلزامي لتقليص القروض الاستهلاكية، معتبراً أنّ هذا الأمر يساعد على احتواء التضخم، خصوصاً أنّ نمو عمليات التسليف المصرفي يسير نحو 10 في المئة، 80 في المئة من هذه النسبة مخصصة للاستهلاك والباقي نحو المعدات والاستثمار.
كذلك تشير أرقام المعهد الوطني للإحصاء إلى أنّ نسبة القروض المقدمة للأسر التونسية، بما في ذلك القروض المهنية والقروض المسنودة من الدولة وقروض الصناديق الاجتماعية، وصلت إلى ما يزيد على 50 في المئة من الدخل الفردي للأسرة.
يقول الخبير المالي والاقتصادي معز الجوديفي في حديث لـ"العربي الجديد" إنّ التونسي يلجأ إلى الاستدانة والقروض نتيجة انخفاض مستوى الأجور التي لا تمكّنه من تلبية نفقات باقي الشهر، إضافة إلى انخفاض القدرة الشرائية التي بلغت 11 في المئة لاسيما بعد الثورة، مشيراً إلى أنّ أغلب القروض هي قروض استهلاكية بالأساس.