الرئيس النبيل

23 مايو 2015

محمد مرسي رئيساً

+ الخط -
لن نحتاج سنوات مضافة، قليلة أو كثيرة، كي يقول لنا التاريخ، إن واحداً من خلاصة هذا الشعب الصابر النبيل وطينه قد تم انتخابه من شعبه، كأول رئيس منتخب شرعي، كأول فلاح نبيل، مصري الأبوين والأرومة، من طين هذا البلد. لم يتحدر من صلب فئة ما، أي فئة، عسكرية، أو بلقانية، أو مملوكية أو عثمانية، أو من أبناء غزاة وتجّار ودم خليط. سيقول التاريخ، إن فلاحاً مصرياً خالصاً، وصافياً من أبناء الشرقية، لم يكن له (خال) في البرلمان أو (أميرلاي) في الجيش العثماني، أو خالة أرضعت الملك، أو وصيفة كانت لها كرْمة على نهر الملك الصالح، بل فلاح من طين هذه الأرض، ومن لونها تماماً في أوان حصاد قمحها وتحاريقها.
فلاح لامس شظف العيش في قراها وعاشه. ابن فلاح له أبناء وبنات عديدون، ومثل أغلب المصريين، لا يمتلك قصراً، بل بيتاً متواضعاً، ورأسين من الماشية وأفدنة قليلة، ومعظم مرحه في حقله مكافحاً ومربياً، اضطر في يوم أن يبيع بقرته في بداية السبعينيات من القرن الماضي، لكي يأخذ ثمنها ابنه للسفر إلى أميركا للحصول على دكتوراه الدولة في الهندسة، لأن ترتيبه المتفوق أوصله إلى أن يكون معيداً في كلية الهندسة.
لم يأكل من (ميز ضباط)، ولا من ميراث خاتون هانم، ولا تواسطت له تجارة أبيه، كي يدخل الكلية الحربية، لأنه من أصحاب المجاميع الضعيفة في التوجيهية، ولا أكل من (وقْف الست وسيلة) بفي الجمالية، ولم يسافر إلى أميركا على حساب المعونة الأميركية للضباط، لعمل أبحاث تضحك عليها العسكرية هناك، وتظل أضحوكة في مكتبات العلوم العسكرية.
سيقول التاريخ، إن هناك رئيساً من طين هذا الشعب تولى، بعد ثورة نقيّة، حكم مصر، ثورة لا مثيل لها في تاريخ الثورات في سلميتها.
ثورة اشترك فيها الجميع، في 18 يوماً، كانت أكثر من أعياد سماوية للبسطاء والفقراء والمعوزين ودكاترة الجامعة والمهندسين وكل فئات المجتمع، وجاءت برئيس شرعي، لا بدسائس كيلوباترا، ولا بمؤامرات مخنثي الرومان من خلف ظهر الملك، ولا بعد توافقات أثينا وأسبرطة مع مخبريها في شمال أفريقيا، أو من خلال عصابات المماليك ومذبحة القلعة، ولا بعد وضع السم للخليفة السابق في الكنافة، وتدخل الجاريات بالاتفاق مع عبيد القصر وخصيانه.
سيقول التاريخ، إن هناك حاكماً نبيلاً جاء إلى مصر، فحرّضوا عليه، حتى الفقراء الذين من أبناء جلدته بليل، لكنه ظل نبيلاً. لم يُدخل طالباً معتقلاً، وكانت أول قراراته إلغاء الحبس الاحتياطي عن الصحافيين الذين كالوا له جبال السباب والأسى، وظل كما هو نبيلاً. ويوم أن أخطأ فصيل شبابي ثوري، ووضعوا حِزم البرسيم أمام بيته، لم ينتقم لنفسه من أي أحد منهم، وظل نبيلاً، بل تناسى الأمر برمته، لأنه كان يدرك حجم التغرير بهم، وبُعد وغور المؤامرة التي تُحاك.
هذا اليوم أتى الآن، بل لمسناه، حينما رأينا رجلاً في قمة الصبر والعزة، وهو في القفص، يرفع يده عزيزاً، والقاضي من على الكرسي يتلجلج في نطق الأسماء العادية، مثل صبي في كتّاب القرية لا يجيد نطق الحروف، وحينما ينتهي القاضي من النطق بالحكم، يسأل: لماذا يتم إعدام أناس هم أسرى في السجون الإسرائيلية من 18 سنة، فيرد على السائل: وأنا مالي؟
ستكون إجابة القاضي تلك، بعد قرون عدة، بمثابة نكتة التاريخ لألف سنة قادمة، تجعلنا، نحن الأحياء الشهود الآن، في خجل شديد، وقد تُخجلنا ونحن موتى، إن كان هناك ثمة خجل في القبور مما يتم على الأرض من أناسٍ تمشي بقبورها، وتجلس على كراسي القضاء، تتلجلج في نطق الأسماء المعتادة.