28 يناير 2024
الرئيس في محنة
كان يمكن أن تتوقف ردة فعل السيد الرئيس عند مجرد الامتعاض والاستنكار، وهو يشاهد على التلفاز أحد أفراد شعبه يطعن عدواً، غير أن ما حدث بعد ذلك استوقف الحاشية كلها، حين رأوا الدم ينزف من خاصرة الرئيس، عند الموضع نفسه الذي نزف منه العدو.
وكان يمكن أن يطوي النسيان هذه الحادثة، لولا أنها راحت تتكرر مع كل طعنة جديدة، موجهة إلى صدر العدو، فاستنفر الرئيس طاقمه الطبي، لوقف هذه "المجزرة" التي ترتكب بحق العدو وجسده معاً، غير أن الأطباء وقفوا حائرين أمام هذه المعضلة، ولم تتعدّ مساعدتهم السيد الرئيس أكثر من وقف النزيف بعد كل طعنة.
اقترح أحد أفراد الحاشية، بعد طول تفكير وتمحيص، عزل السيد الرئيس عن كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، لإبعاده عن المشاهد "الخادشة لحيائه"، على اعتبار أنه زعيم حساس للغاية، حيال أي خدش يصيب جسد العدو، غير أن الفكرة أخفقت، منذ اليوم الأول الذي تم فيه العزل، وتحديداً في منتصف الليل، حين أفاق جميع من في القصر على صراخ السيد الرئيس الهستيري، وهو يضع يده على عينه المفقوءة، والدماء تخرّ منها بغزارة، ثم اكتشفوا، لاحقاً، أن ثمة عملية طعن جديدة لأحد أفراد العدو في عينه تماماً، على الرغم من أن السيد الرئيس لم يشاهد تلفازاً، ولا قرأ خبراً عن العملية.
ثم تكررت الحادثة في اليوم نفسه، حين خرج السيد الرئيس من المرحاض بلا سروال مذعوراً، والدماء تنفر من فخذه اليمنى، فيما كانت الأنباء تعلن خارج القصر عن طعنة جديدة أصابت فخذ العدو اليمنى.
كان واضحاً، وبما لا يدع مجالاً للتأويل، أن زمام الأمور قد أفلت من يد الرئيس، ولم يعد قادراً على لجم رعيته عن مهاجمة العدو، بعد أن ضاقت الرعية بالعسف المزدوج الذي يمارس ضدها، من السيد الرئيس والعدو معاً، فما كان منها إلا أن قرّرت أن تضرب عدوين بخنجر واحد، فهب فتيتها وفتياتها على قلب وطن واحد، يدفعهم جرح وقهر، وإرث طويل من خذلان الأخ والجار والصديق.
في المقابل، بلغ التدهور المتواصل في جسد السيد الرئيس حداً مروّعاً، بعد أن اضطر إلى شد عصابة جلدية سوداء على عينه المفقوءة، واستخدام عكازتين عوضاً عن قدميه المعطوبتين، عدا الضمادات البيضاء والجبائر التي لفت معظم أجزاء جسده، فيما كانت قروحه النفسية أشد وبالاً عليه، خصوصاً وهو يشاهد تمرد رعيته على هذا النحو الصادم، والذي أودى بكل ما كان يحسبها "إنجازات" في إخماد جذوة المقاومة في نفوسهم، والخنوع لسلطته الوليدة التي ظنها كفيلة بإخضاع شعب يعيش على خزّان لا ينضب من تجارب النضال ومقارعة العدو، كان يشاهد أن كل ما هدمه يعيد الشعب بناءه من جديد، وبأيدي جيل لا يعرف الخوف والرهبة، ولم يتخرّج من أكاديميات الدجاج والنعاج التي تخرج منها هو في جامعات "الجيران"، قبل أن يتسلم السلطة.
عموماً، ولأن المعضلة خرجت من دائرة العلم إلى فضاء يشبه السحر، اضطر السيد الرئيس إلى الاستعانة بأحد العرّافين الذي اشتهر في المدينة بقدرته على معالجة مثل هذه الحالات المستعصية.
وبعد أن قلّب العرّاف المشكلة على جميع أوجهها، توصل إلى صنع خلطة سحرية، مؤلفة من روث حمار وشعر خروف وذيل كلب، وطحنها جيداً، ثم أضاف إليها لترين من بول البعير، وطلب من السيد الرئيس أن يتناول من هذه الخلطة ثلاث ملاعق يومياً، مع وعد قاطع بأن يشفى الرئيس من محنة النزيف.
ما حدث بعد ذلك، كان مفاجئاً، صحيح أن السيد الرئيس نجا من النزيف، لكنه في المقابل صار "ينهق"، عند كل طعنة جديدة في صدر العدو، ويثغو عند كل حجر يصيب رأس العدو، وينبح عند كل عملية مسلحة ضد العدو.
وكان يمكن أن يطوي النسيان هذه الحادثة، لولا أنها راحت تتكرر مع كل طعنة جديدة، موجهة إلى صدر العدو، فاستنفر الرئيس طاقمه الطبي، لوقف هذه "المجزرة" التي ترتكب بحق العدو وجسده معاً، غير أن الأطباء وقفوا حائرين أمام هذه المعضلة، ولم تتعدّ مساعدتهم السيد الرئيس أكثر من وقف النزيف بعد كل طعنة.
اقترح أحد أفراد الحاشية، بعد طول تفكير وتمحيص، عزل السيد الرئيس عن كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، لإبعاده عن المشاهد "الخادشة لحيائه"، على اعتبار أنه زعيم حساس للغاية، حيال أي خدش يصيب جسد العدو، غير أن الفكرة أخفقت، منذ اليوم الأول الذي تم فيه العزل، وتحديداً في منتصف الليل، حين أفاق جميع من في القصر على صراخ السيد الرئيس الهستيري، وهو يضع يده على عينه المفقوءة، والدماء تخرّ منها بغزارة، ثم اكتشفوا، لاحقاً، أن ثمة عملية طعن جديدة لأحد أفراد العدو في عينه تماماً، على الرغم من أن السيد الرئيس لم يشاهد تلفازاً، ولا قرأ خبراً عن العملية.
ثم تكررت الحادثة في اليوم نفسه، حين خرج السيد الرئيس من المرحاض بلا سروال مذعوراً، والدماء تنفر من فخذه اليمنى، فيما كانت الأنباء تعلن خارج القصر عن طعنة جديدة أصابت فخذ العدو اليمنى.
كان واضحاً، وبما لا يدع مجالاً للتأويل، أن زمام الأمور قد أفلت من يد الرئيس، ولم يعد قادراً على لجم رعيته عن مهاجمة العدو، بعد أن ضاقت الرعية بالعسف المزدوج الذي يمارس ضدها، من السيد الرئيس والعدو معاً، فما كان منها إلا أن قرّرت أن تضرب عدوين بخنجر واحد، فهب فتيتها وفتياتها على قلب وطن واحد، يدفعهم جرح وقهر، وإرث طويل من خذلان الأخ والجار والصديق.
في المقابل، بلغ التدهور المتواصل في جسد السيد الرئيس حداً مروّعاً، بعد أن اضطر إلى شد عصابة جلدية سوداء على عينه المفقوءة، واستخدام عكازتين عوضاً عن قدميه المعطوبتين، عدا الضمادات البيضاء والجبائر التي لفت معظم أجزاء جسده، فيما كانت قروحه النفسية أشد وبالاً عليه، خصوصاً وهو يشاهد تمرد رعيته على هذا النحو الصادم، والذي أودى بكل ما كان يحسبها "إنجازات" في إخماد جذوة المقاومة في نفوسهم، والخنوع لسلطته الوليدة التي ظنها كفيلة بإخضاع شعب يعيش على خزّان لا ينضب من تجارب النضال ومقارعة العدو، كان يشاهد أن كل ما هدمه يعيد الشعب بناءه من جديد، وبأيدي جيل لا يعرف الخوف والرهبة، ولم يتخرّج من أكاديميات الدجاج والنعاج التي تخرج منها هو في جامعات "الجيران"، قبل أن يتسلم السلطة.
عموماً، ولأن المعضلة خرجت من دائرة العلم إلى فضاء يشبه السحر، اضطر السيد الرئيس إلى الاستعانة بأحد العرّافين الذي اشتهر في المدينة بقدرته على معالجة مثل هذه الحالات المستعصية.
وبعد أن قلّب العرّاف المشكلة على جميع أوجهها، توصل إلى صنع خلطة سحرية، مؤلفة من روث حمار وشعر خروف وذيل كلب، وطحنها جيداً، ثم أضاف إليها لترين من بول البعير، وطلب من السيد الرئيس أن يتناول من هذه الخلطة ثلاث ملاعق يومياً، مع وعد قاطع بأن يشفى الرئيس من محنة النزيف.
ما حدث بعد ذلك، كان مفاجئاً، صحيح أن السيد الرئيس نجا من النزيف، لكنه في المقابل صار "ينهق"، عند كل طعنة جديدة في صدر العدو، ويثغو عند كل حجر يصيب رأس العدو، وينبح عند كل عملية مسلحة ضد العدو.