الراب في تونس.. هراوات الشرطة تعزف على "الريتم السريع"

24 يوليو 2017
(مغنّي الراب التونسي كلاي بي بي جي)
+ الخط -
لم يكن يخطر ببال أحمد بن أحمد فنان "الراب-RAP" التونسي المعروف بـ"كلاي بي بي جي" أن انتقاده للمنظومة الأمنية والنظام السياسي خلال حفل جماهيري، سيكون وبالًا عليه في صيف ينتظره كل الفنانين لإحياء عروض فنية والمشاركة في المهرجانات الدولية والجهوية التي تشرف على تنظيمها وزارة الثقافة التونسية كل عام.

فخلال عرض فنّي احتضنته محافظة المهديّة الساحلية قبل أسبوع، ظنّ "كلاي بي بي جي" أن تونس تنعم بمناخ ديمقراطي أساسه الحريّات بعد 14 يناير/ كانون الثاني 2011، لكنّه نسي أو ربّما تناسى أن هذه الحرّيات قد أصبحت مهدّدة أكثر من أي وقت مضى بسبب عودة المنظومة القديمة إلى سالف عهدها في مراقبة وقمع كلّ صوت حرّ، يغرّد خارج سرب الأحزاب والمنظومة الإعلامية والثقافية التي لا تقبل الرأي المخالف.

صعد فنان "الراب-RAP" التونسي الشاب على مسرح المهديّة الأثري لإمتاع جمهوره الذي توافد بالمئات، فبدأ بإلقاء أغانيه التي يحفظها الآلاف من متابعيه عن ظهر قلب، إلى أن وصل لأغنية اعتبرها أعوان الأمن المكلّفون بتأمين الحفل "مسيئة" لـ"حماة الوطن" فانسحبوا على الفور ثم انهالوا بالضرب على "كلاي" والوفد المرافق له، وفق تصريحاته.

المؤامرة على "كلاي" لم تكن خلال الحفل فقط، بل شهدت أوجّها بعد نشر وسائل إعلام محلية أخبارا مغلوطة عن إيقاف الحفل من قبل الجماهير الحاضرة وعدم الإشارة إلى الاعتداءات اللفظية والجسدية التي نالها الفنّان الشاب، ما استوجب خروج ابن حي "باب الجديد" بالعاصمة لكشف حقيقة ما حدث، وليؤكد أن جماهير المهديّة لم توقف الحفل وإنما أمّنته بعد الاعتداءات الأمنية عليه وعلى رفقائه إثر انتهاء الحفل.

الاعتداء على "كلاي بي بي جي" وانسحاب الأمن المفاجئ بسبب ما اعتبروه إساءة في حقهم، صار حديث الشارع التونسي ووسائل الإعلام بمختلف أصنافها خلال الأسبوع الماضي وإلى يومنا هذا، حيث قرّرت إدارات مهرجان سليمان وتوزر وبنزرت وقرطاج الدولي وغيرها إلغاء عروض فنان "الراب-RAP" التونسي بعد إعلان النقابات الأمنية عدم استعدادها لتأمين الحفلات التي سيشارك فيها، وهو ما رآه مراقبون محاولة جديدة من وزارة الداخلية لإدخال فنان الراب المعروف بانتقاداته اللاذعة للسلطة، إلى بيت الطاعة بعد فشل المحاولة السابقة عام 2013.

الاعتداء على أحمد بن أحمد، ومنعه من المشاركة في العروض الصيفية التي كان يخطّط من خلالها لتغطية جانب من مصاريف أغنياته المستقبليّة، لم تكن رسالة إليه فقط، وإنما تأتي في سياق شبه إجماع المجتمع المدني على تغوّل المنظومة الأمنية وتحكّم النقابات الأمنية فيها والتي أصبحت الآمر الناهي الذي يقرّر ما ينفّذه الآخرون، وهو ما دفع حقوقيين وسياسيين لإطلاق صيحة الفزع في أكثر من مناسبة للتحذير من المساس بحريّة التعبير التي أصبحت "شادّة في خيط" و"في شعرة" كما عبّر عن ذلك ناشطون.

"كلاي بي بي جي" وعد متابعيه بأن ردّه لن يتجاوز حدود القلم والغناء بقوله "ردعتمونا بالقانون سنردعكم بالقلم" في إشارة إلى رجوعه لـ"الإندرقراوند" وهو نوع من أنواع "الراب-RAP" الهجومي، ما سيزيد من حدّة التوتر بين الأمنيين و"كلاي" الذي سبق أن أوقفت حفلاته وأودع السجن صيف 2013 للأسباب نفسها التي تكرّرت هذه الصائفة.

من نافلة القول إن "الراب-RAP" في تونس دائمًا ما كان مستهدفا منذ عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي هزّت أغنية "رئيس البلاد" أركان نظامه بعد أن تلقّفها التونسيون بترحيب شديد، وردّدها الكبار والصغار في السرّ والعلن، ما مثّل شرارة ساهمت في خروج المضطهدين للمطالبة بحقوقهم المغتصبة من نظام حكم البلاد بالحديد والنار طوال 23 عامًا.

أغنية "رئيس البلاد" التي غنّاها فنان "الراب-RAP" الشاب حمادة بن عون المعروف بـ"الجنرال" لم تكن الوحيدة التي فضحت النظام البوليسي، بل نجح "فريد المازني" المعروف بـ"الاكسترانجيرو" الذي يحترف حاليًا مع مجموعة "ديلاهوجا" الإسبانية وصاحب أغنية "العباد في تركينة" سنة 2005 والتي شهدت نجاحًا باهرًا، إضافة إلى محمد الجندوبي المعروف بـ"بسيكو آم"، في استخدام "الراب-RAP" كسلاح قويّ في مواجهة نظام بوليسي مدعوم بإمبراطورية إعلامية لا وظيفة لها سوى التطبيل وتغييب الحقائق وتحريف الوقائع إلى حدّ اللحظة.

ختاما يمكننا القول، إن المتأمل في عدد القضايا التي تخصّ حريّة التعبير في تونس خلال السنتين الأخيرتين خاصّة، سيتأكّد بما لا يدع مجالًا للشك أن السلطة الحالية لا تنوي ترك رعاياها أحرارًا يعبّرون بحرية في كنف احترام القانون مثلما يحدث في الدول الديمقراطية المتقدّمة، بل إنها تراهن على قمع الفكر والرأي الحرّ، فتراها تهرع للتحقيق مع مدوّنين وناشطين وصحافيّين وفنّانين بسبب تدوينات أو مقالات أو أغنيات منشورة، وتلاحقهم بقوانين الإرهاب وفصول تجاوزها الزمن بهدف إخافتهم وإرعابهم مثلما فعلت الأنظمة السابقة تمهيدا لإعلان أمجاد الدكتاتورية التي ثار عليها التونسيون ذات شتاء 2010.

المساهمون