يكرّر بائع أوراق اللوتو إعلان حجم الجائزة، وقد باتت كبيرة. وأنت يمكن أن تكون الرابح. هذه الكلمات ربّما تخرج منه إلى مخيّلات السامعين. حامل الأوراق لا يترك لهم خياراً، وإن كانت الحظوظ ضئيلة، وتشبه البحث عن "إبرة" وسط كومة من القش. الحظّ ضئيل، لكن ربّما يصيب هذه المرّة. رقمٌ بأصفارٍ كثيرة. رقمٌ يعني حياة جديدة. يعني القدرة على خلقها من دون الحاجة إلى أحد. عليك فقط أن تخرج ما في جيبك وتبدأ.
يحكي عن ملايين. كلّها موجودة في واحدة من هذه الأوراق. يهزّها أمامك، حتّى لتظنّ أنّ الأموال ستسقط منه، وتصعد إلى جيبك وحدك. في لبنان، يعلّق كثيرون آمالاً وأحلاماً على أوراق الحظ هذه. فإذا ما أصبت ستة أرقام، قد تملك الدنيا. ومع الوقت، يصير الأمر عادة، ويستمر الحلم.
"السحب اليوم". لا يحتاج سامر إلى من يذكّرة. لا يمكن ليومي الإثنين والخميس أن يسقطا من ذاكرته. في هذين اليومين، لا يملّ من اختيار أرقام قد تدرّ عليه أرقاماً، طالما "هناك أمل بأن أفوز". برأيه، قد يكون هذا الأمل الكبير "حالة مرضيّة، خصوصاً أنه حقيقي". وإن كان يستبدل الألم بـ "الوهم" أحياناً، إلّا أنّ سحب اللوتو هو أحد عوامل الأمان بالنسبة إليه. "كأنّني أقول لنفسي بأنّ الأمور على ما يرام لأنّ ورقة اللوتو بين يديّ".
دائماً ما يرافق سامر (30 عاماً) شعور بالاطمئنان، لأنّه سيربح اللوتو، وهذا ليس قابلاً للنقاش. يوضح أن خسارته يومي السحب، أي الإثنين والخميس، لا تعني خيبة أمل. "الأمل موجود ولن ينتهي، فهناك فرصة أخرى". وإذا لم تصب الأرقام التي اختارها، لا يحزن. أصلاً "ما من مصيبة لأهوّنها على نفسي"، باستثناء خسارة دولارات قليلة هي ثمن شبكات الأرقام التي يختارها عشوائياً. يشير إلى أنّ "اللوتو مخدّر لطيف. والأهمّ أنه ما من آثار جانبية خطيرة". والأجمل من كل ذلك هو شعوره الدائم بالسعادة، بمجرّد أن يفكّر أنه قد يربح مليون دولار مثلاً.
يقول إنه يعرف كيف سيقسّم الجائزة حين يربح، إلا أن الأمر يعتمد على حجمها. في حال كانت كبيرة، سيحتفظ لنفسه بنصفها فقط، على أن يوزّع النصف الآخر على عائلته وبعض المشاريع الإنسانية التي يؤمن بها. أما إذا ربح 300 ألف دولار مثلاً، فسيحتفظ بالمبلغ كاملاً لنفسه. "التقسيم في هذه الحالة لن يغيّر شيئاً في حياته أو حياة الآخرين".
وهذا السحب أو الأمل، كان جزءاً من حياة سامية (60 عاماً). في ثمانينيات القرن الماضي، لم يقاطع زوجها أوراق "اليانصيب" أبداً. وبعدها ظهر اللوتو، ولم يقاطعها أيضاً. تذكر أنه كان يختار الشبكات بحسب تواريخ ميلاد عائلته، ولم يغيّر الأرقام يوماَ. توفي قبل نحو خمس سنوات. في غرفته، وجد ابنه ورقة تحمل الأرقام المعتادة، بالإضافة إلى أرقام أخرى كانت تعني له شيئاً ربّما. حمل الورقة وورث العادة، أو أنّه أراد أن يرثها. ومثل والده، لم يربح بعد، إلّا أنه ما زال يأمل.
سامية التي اعتادت متابعة نتائج السحب مع زوجها، تذكر أنه أيام اليانصيب "كان الناس يظنون أنهم سيدخلون الجنّة إذا ما ربحوا". تضيف أنه "ليس للأمر علاقة بالأوضاع المادية. هو مجرّد أمل. وحين مررنا بظروف مادية صعبة، كانت ورقة اللوتو مثل أمل. ربّما تكبر الأحلام خلال الظروف الصعبة".
لدى دينا (40 عاماً) قصّة أخرى. هذه المرأة عرفت الربح. مع ذلك، توقّفت عن سحب الأوراق مؤخراً من دون أن تعرف السبب. هل هو اليأس؟ كانت قد بدأت هذه العادة بعد تخرجها من الجامعة وبدء العمل. واللوتو بالنسبة إليها، كان ذلك الحلم بمال غير متوقّع، غير ذلك الذي تتقاضاه شهريّاً. تذكر أنه في عام 2003، اختارت وصديقتها ورقة تضم أرقامها المفضّلة، و"ربحنا". الأرقام الخمسة الأولى كانت متطابقة. ولا يعقل أن يخذلها الأخير.
صرخت وصارت تقفز في المنزل. هاتفت صديقتها. "ربحنا". لم تصدّق. حقاً، خذلهما الرقم السادس. مع ذلك، ربحت الجائزة الثالثة وكانت عبارة عن أربعة آلاف دولار تقاسمتاها. "كان شعوراً جميلاً حينها"، تقول.
بعدها، لم تتوقّف. في بعض الأحيان، كانت تختار أوراقاً وصديقتها من مناطق مختلفة، علّ منطقة معينة تجلب لهما مزيداً من الحظ. اليوم، تضحكان على هذه الفكرة الغريبة. لكنّ مجرّد الأمل كان شعوراً جميلاً. توقّفت اليوم بعد سنوات من عدم الربح. لا تعرف إذا ما كانت ستعود إلى عادتها. "ربّما". أحلامها ما زالت كثيرة. على الأقل، المال يجعلها أقوى من المستقبل.
وبعدما اكتشف نادر (35 عاماً) أنه لا يمكن تحقيق الثراء من خلال العمل، بدأ سحب أوراق اللوتو. منذ العام 2002، عرف أن "الثراء يحتاج إلى الحظ. واللوتو هو باب الحظ الوحيد الذي أعرفه". مع تكرار الخسائر، انتبه إلى أن الحظ لن يأتي أيضاً. لكنه مستمر. "ربما هو إدمان أو إيمان ضئيل جداً في إمكانيّة الربح والتغيير". يضيف: "في حال ربحت، لن أنفق دولاراً واحداً في لبنان. أنوي أخذ المال والسفر مباشرة. وربما أشتري جنسية".