توالت ردود فعل السلطات الكويتية ضد الحكومة الإيرانية وحزب الله اللبناني، بعد أن ثبّتت محكمة التمييز في حكمها النهائي أحكام السجن ضد خلية الحزب في الكويت، الشهيرة باسم "خلية العبدلي"، والتي تراوحت بين 5 سنوات و10 سنوات والحكم بالسجن المؤبد على أحد المتهمين.
وكانت السلطات الكويتية قد اعتقلت في أواخر عام 2015 أكبر خلية تجسسية في تاريخ البلاد شملت 25 كويتياً وإيرانياً واحداً، وبعتاد عسكري ضخم، شمل 19 ألف كيلوغرام ذخيرة و144 كيلوغراماً من المتفجرات و68 سلاحاً متنوعاً و204 قنابل يدوية، بالإضافة إلى عدد من قذائف "آر بي جي". وعلى الرغم من أن محكمة التمييز قد أصدرت حكمها في منتصف يونيو/حزيران الماضي، فإن السلطات الكويتية لم تصعّد لهجتها في الخطاب آنذاك نظراً لاشتداد وطأة الأزمة الخليجية وفرض دول محور الرياض – أبو ظبي الحصار على قطر ومحاولة إجبار الوسيط الكويتي على إنهاء وساطته والتخلي عن الحياد.
لكن رفض المتورطين في الخلية والذين سبق أن أخلت الحكومة سبيلهم بعد أن برّأتهم محكمة الاستئناف قبل إدانة التمييز، تسليم أنفسهم إلى السلطات وتواريهم عن الأنظار وسريان شائعات تفيد بهروبهم إلى إيران، عبر الزوارق البحرية أو اختبائهم داخل السفارة الإيرانية، أدى إلى قيام الخارجية الكويتية بطرد عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين وإغلاق الملحقين العسكري والثقافي ووقف كافة مجالات التعاون بين البلدين. وذلك بعد ثبوت تورط رجل استخبارات يدعى حسن أبو الفضل حسين زاده ويعمل في السفارة الإيرانية في الكويت، بتوريد أسلحة لصالح أعضاء الخلية واجتماعها في بعض الأحيان داخل مقر السفارة ومطالبتهم بمراقبة عدد من الكويتيين الداعمين للثورة السورية والمعادين لوجود حزب الله في دمشق، تمهيداً لاغتيالهم. وعلى رأس هؤلاء الداعية الإسلامي شافي العجمي.
كما أن وزارة الخارجية الكويتية وجهت كتاباً إلى نظيرتها اللبنانية طالبت فيها الحكومة اللبنانية بكبح جماح حزب الله، الذي يعدّ أحد مكوناتها، حفاظاً على "العلاقات الأخوية بين البلدين". وقال النائب وليد الطبطبائي لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة الكويتية مطالبة باتخاذ خطوات صارمة تجاه الحكومة اللبنانية، ووقف إمداد صندوق التنمية العربي التابع للكويت في مناطق حزب الله، جنوب لبنان، بمشاريع بناء المستشفيات والمدارس والمراكز، لحين اعتذار حزب الله عن أفعال هذه الخلية وتقديم تعهد بعدم تكرارها".
ونشرت وزارة الداخلية صور وأسماء المتهمين وعممتها على المراكز والإدارات الحكومية والمستشفيات والأسواق التجارية، وحذّرت المواطنين من مغبة التعاون معهم أو إيوائهم. كما انتشرت عناصر جهاز أمن الدولة في المناطق المشتبه فيها، فيما اعتقلت السلطات بحسب مصادر "العربي الجديد" ثلاثة من أقرباء المتهمين، ووجّهت لهم تهماً تتعلق بإخفاء معلومات عن أقربائهم الهاربين، وأحالتهم للنيابة العامة. كما أكدت المصادر أن "خيارات سحب الجنسية وفقاً لقانون الخيانة العظمى، لا تزال مطروحة ضد عائلات المتهمين، ما لم يقوموا بتسليم أنفسهم على الفور".
وأمرت القيادة السياسية في الكويت نواب البرلمان الإسلاميين المعارضين، بإرجاء طلبهم عقد جلسة مستعجلة لمجلس الأمة، وذلك لبحث قضية هروب المتهمين، فيما طلبت من النواب الشيعة التزام سياسة ضبط النفس وعدم إثارة الطائفة ضد الحكومة، لحين اعتقال المتهمين، وإلا فإن الحكومة قد تستخدم سلاح سحب الجنسية في وجههم، كما استخدمته في وجه المعارضين الإسلاميين قبل ثلاث سنوات.
وطالب نواب الكتلة الشيعية في البرلمان الحكومة الكويتية بـ"الإفراج عن أقرباء المتهمين"، مؤكدين أن "اعتقالهم وتهديدهم بسحب جنسياتهم هو ابتزاز غير مقبول قانونياً"، فيما قال زعيم الكتلة الإسلامية المعارضة جمعان الحربش، إن "التلويح بأمر سحب جنسيات عائلات الخونة هو أمر غير مقبول تماماً إذ لا ذنب للعائلات بأخطاء أبنائها".
وقال نائب الكتلة الشيعية عدنان عبد الصمد، إن "ما حدث هو أمر مؤسف ومخجل ويشي بانتهاء دولة القانون التي جبلنا عليها في الكويت، إذ تمّت مداهمة منازل المتهمين في الليل واعتقال النساء والأقرباء كرهائن، لابتزاز المتهمين حتى يسلموا أنفسهم من دون أن نسمع أي تعليق من الحكومة حول هذا الموضوع".
وأضاف: "نعلم بأن الأمور في المنطقة تسير بسرعة نحو التصعيد، لكننا تعودنا من قادتنا السياسيين وقوفهم على الحياد وعدم انجرارهم خلف الدول التي تتطرف في قراراتها ولا تقبل التعايش مع الأخرين في المنطقة".
من جهتهم، أفاد مراقبون بأن "التصعيد غير المسبوق في اللهجة الرسمية الكويتية تجاه إيران وحزب الله، هو رسالة واضحة لجميع الدول المحيطة بالكويت، مفادها أن هذه الدولة تتخذ قراراتها لناحية التصعيد أو التهدئة مع كل الأطراف، بناءً على حساباتها الخاصة ومصالحها الوطنية. وأنها لن تكون ساحة حرب وتصفية حسابات بين القوى الإقليمية خصوصاً في ظل تصاعد الخطابين السعودي والإيراني تجاه بعضهما البعض، ووعود ولي عهد السعودية محمد بن سلمان بنقل المعركة إلى داخل إيران".
وتخوّف مسؤولو وزارة الخارجية الكويتية من استغلال الدول المحيطة بالكويت المناخ السياسي التعددي فيها، لإجبار الحكومة عبر تيارات مقربة من عواصم إقليمية، على الانضمام لطرف دون الآخر، مما يفقدها قرارها السياسي المستقل الذي تميزت به منذ نشأتها أو يحيلها لساحة صراع بين الدول الإقليمية، بما يشبه النموذج اللبناني. وسبق للكويت أن تعرضت لهجمات عدة، فيما عرف بـ"الثمانينيات الدموية" من قبل حزب الله وحزب الدعوة العراقي، والتي شملت خطف طائرات مدنية وتفجير مقاهٍ شعبية ومحاولة اغتيال فاشلة لأمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح. وذلك عقاباً لها على وقوفها بجانب نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أثناء حربه على إيران.