دخلت الحملة ضد قطر مرحلة تصعيد جديد من قبل السعودية وحلفائها، مع انضمام دول حليفة لها إلى دائرة إجراءات المحور السعودي ــ الإماراتي، في ظل مواصلة أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، جهوده للتهدئة، وقد عاد إلى بلده بعد لقاء جمعه بالملك سلمان بن عبد العزيز في جدة، وينتقل اليوم إلى أبو ظبي، قبل التوجه إلى الدوحة مساءً. وفي حين كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يضع "شروط" الرياض من باريس، وهي كما اختصرها الدبلوماسي السعودي بوقف الدعم لتنظيمات مثل "حركة حماس والاخوان المسلمون"، كانت دولته، بالإضافة إلى الإمارات، تقابل مساعي التهدئة الكويتية، وإعراب الدوحة عن موافقتها على وساطة للحدّ من التوتر، برفع مستوى الإجراءات التصعيدية، اقتصادياً وسياسياً. كما كان لافتاً اختيار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التغريد خارج سرب المواقف الأميركية الرسمية الصادرة حتى عصر الثلاثاء، والتي عبّرت عنها كل من وزارة الخارجية والجيش الأميركي ووزارة الدفاع "البنتاغون". وكتب ترامب، على حسابه في موقع "تويتر"، مجموعة تغريدات يتوقع أن تُثير كثيراً من التفسيرات والردود. وبدأ ترامب سلسلة تغريداته بالكشف عن تحريض دول عربية لدى الإدارة الأميركية ضد قطر من بوابة "تمويل الفكر المتطرف والإرهاب"، وهو ما أوضحته، ولا تزال، فصول تسريبات البريد الإلكتروني لسفير أبوظبي في واشنطن، يوسف العتيبة، بالتنسيق مع دوائر صهيونية أظهرت في صحافة إسرائيل، أمس الثلاثاء، مدى غبطتها للإجراءات المتخذة ضد قطر. وكتب ترامب على تويتر: "خلال زيارتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، ذكرتُ أنه ليس هناك من إمكانية في مواصلة تمويل الفكر المتطرف، فأشار الزعماء هناك إلى قطر. كل الدلائل تشير إلى قطر، وربما تكون هذه بداية نهاية رعب الإرهاب". كلام سارع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى الرد عليه، عبر قناة "سي أن أن"، قائلاً إن "قطر تحارب بالفعل تمويل الإرهاب".
في المقابل، بادر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الاتصال بأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ليعرب له عن "رغبته في تطوير العلاقات بين البلدين"، مؤكداً "عزمه القيام بمساع لإيجاد حل للأزمة الخليجية". اتصال آخر رفيع المستوى تلقاه أمير قطر كان من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي شدد على ضرورة حل الخلاف عبر الحوار. ويعتبر اتصال كل من ماكرون وبوتين، أولى الإشارات إلى تدخل قوى دولية في اتجاه مخالف لما أوحت به تغريدات ترامب، التي رفضت وزارة الدفاع الأميركية التعليق عليها، بموازاة إصرارها على أن قاعدة العديد الأميركية في قطر باقية، وأنه "لا وجود لخطط لنقلها". وكررت وزارة الدفاع موقفها "الممتن لقطر لدعمها الوجود العسكري الأميركي والتزامها المستمر بالأمن الإقليمي"، وهو كلام يصدر للمرة الثانية عن "البنتاغون" في غضون 24 ساعة.
على ضوء هذه المواقف، تكون تغريدات ترامب قد جاءت متناقضة بالكامل مع تصريحات واضحة صدرت عن كل من البيت الأبيض لناحية الاستعداد للتوسّط بين الأطراف، ووزارة الخارجية الأميركية التي أعربت عن رغبتها في طي صفحة التوتر سريعاً، بموازاة امتنان وزارة الدفاع الأميركية لدولة قطر. وبخلاف مضمون تغريدة ترامب، قال مسؤولون أميركيون حاليون لوكالة "رويترز" إن الولايات المتحدة ستحاول بهدوء تخفيف التوتر بين السعودية وقطر، وإنه "لا يمكن عزل الدولة الخليجية في ضوء أهميتها بالنسبة للمصالح العسكرية والدبلوماسية الأميركية". وأضافوا أن مسؤولي الإدارة "شعروا بالصدمة لقرار السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر". موقف متضامن آخر صدر عن ألمانيا، التي قال وزير خارجيتها، زيغمار غابرييل، ترامب بتأجيج النزاعات في الشرق الأوسط، عبر محاولة "عزل قطر كليا وضرب وجودها"، وذلك في حديث لصحيفة "هاندلبلاست" الألمانية، ينشر اليوم الأربعاء. وقال غابرييل إن ترامب "تسبب في توتير العلاقات في منطقة تشهد أصلًا أزمات خطيرة جدًّا".
في هذا الوقت، كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يعتبر أن الإجراءات التي فرضت ضد قطر "غير صائبة"، متعهداً بـ"الاستمرار في توسيع علاقاتنا مع قطر". وعلى وقع بدء تنفيذ الإجراءات ضد قطر، من إغلاق المجالات الجوية أمام رحلات الخطوط الجوية القطرية، وإغلاق الحدود البرية مع السعودية، والطلب من رعايا قطر المقيمين والزائرين في السعودية ودولة الإمارات والبحرين، مغادرة أراضيها في مهلة 14 يوماً، قررت الأردن تخفيص مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وسحب رخصة قناة "الجزيرة". كذلك التحقت موريتانيا بقرار السعودية وقطعت علاقاتها مع قطر. وقد واصلت السعودية والإمارات إجراءاتها التصعيدية، فألغت الرياض رخصة الخطوط القطرية وأغلقت مكاتبها في المملكة، وبدأ عدد من البنوك السعودية والإماراتية في المنطقة تعليق تنفيذ معاملات مع قطر بالريال.
وعاد أمير الكويت إلى بلده، مساء الثلاثاء، ليتجه اليوم الأربعاء إلى أبو ظبي، وينتقل منها إلى الدوحة في إطار مواصلة مساعيه للتهدئة. وكان أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قد تجاوب مع طلب الشيخ صباح الأحمد الصباح وأجّل خطابه الذي كان مقرراً مساء الإثنين، إفساحاً في المجال أمام الوساطة الكويتية، وهو ما أكّده وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والذي أوضح، في حوار مع فضائية الجزيرة، مساء الإثنين، أنه "لن تكون هناك إجراءات تصعيدية مقابلة من قطر، لأنها ترى أن مثل هذه الخلافات بين الدول الشقيقة يجب أن تحل على طاولة حوار". كل ذلك على عكس التصعيد السياسي الذي تولاه من جهة أبوظبي وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، ومن ناحية الرياض، وزير الخارجية، عادل الجبير. وكتب قرقاش على حسابه في "تويتر": "لا بد من إعادة بناء الثقة بعد نكث العهود، لا بد من خريطة طريق مضمونة". أما الجبير، فكان ينقل الحملة ضد قطر إلى باريس، أمس الثلاثاء، بموازاة زيارة مماثلة مقررة إلى العاصمة الفرنسية لمبعوث من ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد.
في المقابل، أجرى وزير الخارجية القطري مباحثات هاتفية مع نظرائه في 9 دول أبرزها تونس والسودان والجزائر والمغرب وباكستان. كذلك تلقّى اتصالات هاتفية من كل من نظيره الروسي سيرغي لافروف، والإيراني محمد جواد ظريف، والسريلانكي رافي كارونوناياكي، والماليزي الداتو سري حنيفة حاج أمان. وفي السياق، أعربت الدوحة، يوم الثلاثاء، عن "استنكارها واستغرابها البالغين" للبيان الذي أصدرته الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي يوم الإثنين، وطالبت فيه الأمانة العامة للمنظمة، والتي تتخذ من جدة السعودية مقراً لها، الدوحة، بـ"الالتزام بتعهداتها وقف دعم الجماعات الإرهابية وأنشطتها والتحريض الإعلامي". وقال البيان القطري إن كلام "التعاون الإسلامي" يستند إلى "ادعاءات وتهم غير صحيحة وجاحدة ضد دولة قطر". وأعربت قطر عن أسفها "لأن أمانة المنظمة قد أخلّت إخلالاً جسيماً بعملها، وتجاوزت الدور المنوط بها بموجب الميثاق، وانحازت بشكل واضح لمواقف دول معينة أعضاء في المنظمة".
وكانت الدوحة والكويت قد شهدتا ليلة الإثنين ــ الثلاثاء، تحركات دبلوماسية كويتية وعُمانية، واتصالات رفيعة المستوى، في محاولة الخروج من المأزق الذي تسببت به قرارات أبوظبي والرياض والمنامة والقاهرة، فأجرى أمير الكويت اتصالاً مع أمير قطر، "وتمنّى فيه العمل على تهدئة الموقف وعدم اتخاذ أي خطواتٍ من شأنها التصعيد، والعمل على إتاحة الفرصة للجهود الهادفة إلى احتواء التوتر"، كما أفادت بذلك وكالة الأنباء الكويتية الرسمية (كونا). كذلك استقبلت الدوحة ليل الإثنين وزير الشؤون الخارجية العُماني، يوسف بن علوي، والذي التقى أمير قطر ووزير الخارجية، ليكون أول مسؤول خليجي يزور الدوحة، بعد إعلان السعودية والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى مصر، قراراتها ضد قطر. كذلك تلقّت القيادة القطرية، ممثلة بالأمير ووزير الخارجية عدداً من الاتصالات الهاتفية، بعضها من أنقرة، إذ أعلن رئيس الحكومة التركية، بن علي يلدريم، موقفاً متضامناً مع الدوحة إزاء الأزمة، عندما قال، أمام نواب حزبه، إنه "يجب ألا تتضرر العلاقات بين الدول بسبب أخبار لا أساس لها من الصحة"، في تذكير بأن الإجراءات التصعيدية ضد قطر بُنيت في الأساس على حملة إعلامية عنيفة بعذر واهٍ هو نسب تصريحات مفبركة إلى أمير قطر.