انتقدت جمعية البنوك اليمنية السياسة النقدية التي ينتهجها البنك المركزي في عدن بعد قيامه بوضع ما يزيد عن 250 مليار ريال إضافية في التداول، وهي زيادة غير مبررة من دون أن تكون هناك حاجة في السوق، ومن دون أن تقابلها زيادة في الإيرادات العامة أو في الناتج المحلي الإجمالي.
وأكد رئيس جمعية البنوك محمود ناجي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك علاقة وثيقة بين الناتج الإجمالي وكمية النقد المتداول في السوق في أي بلد، ولا بد أن تبقى تلك العلاقة عند نقطة التعادل بين الإنتاج والنقد المتداول، وكلما انخفض النقد المتداول عن حاجة السوق كلما انخفض التضخم وتراجعت الأسعار وارتفع سعر صرف العملة الوطنية.
وأضاف أن العكس صحيح أيضاً، فكلما زادت كمية النقد المتداول عن حاجة السوق كلما زاد التضخم وارتفعت الأسعار وانخفض سعر صرف الريال، الذي تراجع أكثر من 30 في المائة حتى اليوم، والتطورات التي حدثت أخيراً في السوق تعزز الحالة الثانية، حسب ما رأى ناجي، أي زيادة النقد المتداول عن حاجة السوق.
وقد أدت التطورات إلى توسيع الاختلال القائم في العلاقة بين النقد المتداول وحجم الإنتاج أو الإيرادات العامة المحققة، وتسببت بضغوط إضافية على العملة الوطنية أدت إلى انخفاض سعرها أمام العملات الأجنبية في السوق المحلي، وسيخلق ذلك حالة من عدم الاستقرار في السوق تقود إلى ارتفاعات متتالية في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية.
وقال ناجي إن تهافت عدد من المضاربين على شراء العملة الأجنبية من السوق تحسباً لارتفاع سعرها، وتحقيق أرباح عند بيعها في ما بعد بأسعار مرتفعة أدى إلى تسارع انخفاض العملة الوطنية، مرجحاً مشاركة بعض المستوردين في عملية شراء العملة من السوق بسعر أعلى لتمويل وارداتهم المستقبلية.
وأشار الخبير في معهد الدراسات المصرفية اليمنية، فهد درهم، إلى التبعات الكارثية لجائحة كورونا التي أضرت كثيراً بالريال اليمني، نظراً لتخلي دولتي التحالف عن مسؤوليتهما، خصوصاً السعودية، في دعم البنك المركزي اليمني في عدن بعد نفاد الوديعة السعودية المقدرة بنحو ملياري دولار.
وفي ما يتعلق بالاختلاف القائم في سعر الصرف بين صنعاء وعدن، واستقراره النسبي في صنعاء، أوضح درهم لـ"العربي الجديد"، أن ذلك يعود إلى نجاح السلطات في صنعاء في تحييد المضاعفات المتعلقة بالزيادة في النقد المتداول.
هذه الزيادة كانت من فئات الطبعة الجديدة، والتي كان البنك المركزي في صنعاء والخاضع لسيطرة الحوثيين قد فرض حضراً على تداولها في المحافظات التي تقع في النطاق الجغرافي لإشرافه. ويعاني النشاط الاقتصادي في اليمن من تضخم بحكم تضاؤل الاحتياطيات الأجنبية التي كانت تساهم في تغطيتها الوديعة السعودية البالغة ملياري دولار، التي بدأت الحكومة اليمنية السحب منها في 2018.
لكن مع بداية العام 2020 كانت الوديعة قد شارفت على النفاد، الأمر الذي يهدد بموجة جديدة من التضخم. ورأى الباحث الاقتصادي، عبد الواحد العوبلي، أن استنفاد الوديعة معناه انهيار جديد للريال اليمني أمام العملات الأجنبية، خصوصاً أن الإيرادات من النفط بالأسعار الحالية أصبحت لا تغطي حتى تكاليف الاستخراج.
وأشار في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن مؤتمر المانحين رغم أنه خصص مبلغ مليار وثلاثمائة مليون دولار إلا أن الاقتصاد اليمني لن يستفيد من هذه الأموال بسبب رفض المنظمات الأممية توريد هذه المبالغ إلى البنك المركزي اليمني والمصارفة عبره. وتساءل العوبلي عن جدوى ذهاب الحكومة إلى أخذ قرض عالي الفائدة رغم أن هناك مليارات من أموال المساعدات كانت كافية لتغطية اعتمادات الاستيراد.
ورأى أن الأموال التي خصصها مؤتمر المانحين عبر البنك المركزي اليمني خطوة كفيلة بحل مشكلة السيولة من العملة الصعبة وتدعيم وضع الريال اليمني الذي كان سيبقى في مستويات دون 300 ريال للدولار على أقل تقدير. لكن ما يحدث حالياً أن المنظمات الأممية تحتفظ بمبالغ المساعدات خارج اليمن، وإذا حصل وتم شراء شيء لليمن فيتم عبر الدفع للموردين في حساباتهم خارج اليمن كذلك.
واعتبر أن النتيجة ألا تصل إلى اليمن إلا مواد عينية يتم شراؤها عبر مناقصات، وبحكم معاناة اليمن من شح في العملة الصعبة، فإن استمرار ازمة كورونا معناه التأثير على الاقتصاد العالمي عموماً وقدرة اليمن خصوصا على مواجهة آثاره. وتتزايد احتمالات التوقف عن استخدام الريال اليمني للتعامل بشكل كامل، مقابل تداول الريال السعودي والدرهم الإماراتي والدولار.