13 نوفمبر 2024
الرّئاسيات الجزائرية.. فولكلور أم رسائل سياسية؟
ما إن أعلن رئيس الجزائر، عبد العزيز بوتفليقة، استدعاء الهيئة النّاخبة لرئاسيات إبريل/نيسان المقبل، حتّى سارع جزائريون كثيرون إلى سحب استمارات الترشّح ليبلغ، في غضون أيام، عددهم زهاء سبعين مرشّحا، ركزت القنوات الخاصّة، من تصريحاتهم، على الطبيعة الفولكلورية لتلك التّرشيحات، وكأنّها تقول، بلسان حالها، إن اللّعبة الدّيمقراطية تحتاج إلى "نكت" و"شطحات" إلى حين صعود "الأوزان الثقيلة"، أو من يليق به الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية. ولعلّ ذلك كلّه رسائل سياسية مبطّنة ترمي إلى تهيئة الرأي العام لمسار رئاسيات كما تريدها المنظومة الحاكمة، على ما جرت عليه العادة، دوما.
هل تغيّر شيء، في سياق هذا الفولكلور، أم أنّ ثمّة ومضات، بلغة الإعلام، وُضعت على مسار هذه الرئاسيات، باعتبارها علامات إضاءة برّاقة لإقناع الرأي العام بأن السياسة شأن كبير، لا يليق به أي من كان من خارج هيئة القرار الحاكمة؟ في الحقيقة، مجرّد مشاهدة تلك الجموع من مرشّحي الشُّهرة يكفي لنعلم أن ذلك من باب الاتصال السياسي والتسويق العكسي لصورة انتخاباتٍ إمّا أن تكون على المقاس الذي تريده السّلطة، أو لعبة يتمكّن من دخولها كل من هبّ ودبّ، كما هي رسالة سياسية، وليس ثمّة سبيل ثالث نتوجّه به نحو الخيار الانتخابي الحرّ في أجواء تنافسية بقلوب وإرادات تهفو نحو الإصـلاح والتّغيير، ليس إلاّ.
تملي الظروف التي تجري فيها الانتخابات الصورة التي تم إخراج الفصل الأول منها على هذه
الصورة، وهي من جملة الومضات الأخرى التي قد يصل عددها إلى أربع: استدعاء الهيئة النّاخبة (إجرائية قانونية)، جموع المترشّحين الفولكلوريين مع تكبير عددهم، قدر الإمكان، مع تمكين الإعلام من تسجيل تلك الومضة وترسيخها في الأذهان، التّأكيد على أن الشأن السياسي حيوي، وأنّ ما جرى لعبة سياسية، ورسالة ضمنية تهيّئ الرّأي العام للومضة الإخراجية الأخيرة: الإعلان عن مرشّح النّظام التّوافقي، في صورة المنقذ من ذلك كلّه.
طبعا، من العبث الظن أنّ المنظومة الحاكمة فاقدة زمام سياقات التطوّرات الجارية على السّاحة السياسية. ويكفي تحليل مسارات ما جرى، منذ الصّيف الماضي، من إقالاتٍ، إحالات على المعاش ومقاضاة، وخصوصا التي طاولت عسكريين من ذوي الرتب الكبيرة، لفهم المنطق الذي سارت على أساسه الأمور إلى التاريخ الذي تم الإعلان فيه على توافقٍ بشأن تنظيم الرّئاسيات.
وبما أن هذا التّوافق إجرائي قانوني، فقط، أي تحديد موعد الرّئاسيات، فانّه يقتضي أن يُتبع بقرار بشأن المرشّح التّوافقي الذي سيتربّع على كرسي قصر المرادية (مقرّ الرّئاسة في الجزائر)، وهو موضوع تلك الومضات الإخراجية التي ستُتبع بخطوات أخرى، اعتدنا أن نراها في مضمون الثّقافة السياسية التي جرت العادة على إبداء جزئياتها وتغذيتها بعناصر مشوّقة، تتلاءم والظروف المحيطة بها، كلّما استدعت الحاجة ذلك.
وقد جرى، تحضيرا لإخراج تلك الومضات، الإخراج الذي يليق بالموعد وحيويته الكبرى بالنسبة للبلاد، تجهيز الرّأي العام من خلال تغييراتٍ مسّت بعض المؤسّسات التي لها دور حيوي في الانتخابات. وحريٌّ بنا، هنا، التّذكير بما حدث في البرلمان (الغرفة السُّفلى) والحزب الحاكم، جبهة التّحرير الوطني، واللّذين شهدا، في وقتٍ متقاربٍ جدّا، تغييرا في قمّتهما والسيناريو نفسه، إقالة، هنا للسّعيد بوحجّة من منصبه رئيسا للمجلس الشعبي، واستقالة، هناك، لجمال ولد عبّاس من منصبه أمينا عاما لحزب جبهة التحرير، على التّوالي.
كما تمّ إدخال جرعاتٍ من التّشويق الإعلامي - السيّاسي بشأن الرئاسيات، هل ستجري، في موعدها، أم لا، حيث لعب فاعلون كثيرون، على السّاحة الإعلامية - السياسية، دوره في ذلك إلى الدقيقة الأخيرة، عندما أُعلن عن الموعد، وليخرج علينا المشهد بالفلكلور السياسي بحبكةٍ إعلاميةٍ مُتحكّم فيها بشدة.
الآن، وقد شاهدنا الومضات الثّلاث الأولى، ينتظر الرّأي العام الومضة الأخيرة، مشهد الحبكة، أو ما تُعرف بالعقدة في الفنّ الروائي، حيث ينتظر الجزائريون اللحظة التي سيُعلن فيها عن المرشّح التوافقي الذي ستدور كلُّ الومضات المقبلة عليه، وسيكون هو الرئيس القادم، حتما، بعد حلّ تلك العقدة بإقناع الجميع بأنّ الرئاسيات شأنٌ خالصٌ للمنظومة الحاكمة، يتأكد مضمون الثّقافة السياسية، وملخصّها بقاء دار لقمان على حالها، والتّي معناها، بالنّسبة للجزائر، ضمان الاستقرار والإصرار على استئثار الهيئة القرارية بالخيار الحصري في بناء المؤسسات واختيار من يسوسها، هي وحدها بدون شريك لها ولا مشير.
وإذا عدنا إلى مسألة الثقافة السياسية للمنظومة الحاكمة، وإصرارها على عدم التغيير، وإبقاء دار لقمان على حالها، فإنّ الأمر لا يعدو أنها بمضمون ستاتيكي، أي جامدة لا تقبل الإضافة أو التحوّل، وخصوصا بشأن مؤسّسة الرّئاسة، والتّي لا يتقدّم لشغلها إلا من تريده السّلطة. ولذلك كانت تلك الومضات الإخراجية، وطريقة حبكها بسيناريو، لا يقبل النّقد من أحد أو كتابته، من غير من تختارهم تلك المنظومة.
هذه هي الانتخابات الرّئاسية والسّيناريو الذّي على أساسه ستجري وستنتهي إلى ما ذكرناه،
والإشكالية أن البلد هو من سيدفع الثمن، لأن استمرار هذه السياسة لا يعني إلا الغفلة/ التغافل عن أهمية التآلف، لبناء سياسةٍ عامةٍ، تهتم بالمسائل المحورية، بعد إجراء جردٍ لما تعانيه الجزائر من مشكلات، وتشخيص الأمراض، ثم رسم تفاصيل الوصفة العلاجية، وتصوّر مستقبل البلاد، في ظل إصلاح مجتمعي يرضي الكل، ويغنينا عن تلك الومضات الإخراجية المصطنعة، والتي تمّ حبكها بعيدا عن تلك الإشكاليات المجتمعية. ويُمكن لهذه الإشكاليات أن تكون متضمنةً في برامج مرشحين حقيقيين، يمثل كل منهم فئةً من الشعب، أو تيار فكري - سياسي معين، ينافح عن البلاد، ويرسم لها مستقبلها تحت راية قانونٍ، يتحاكم إليه الجميع، ينظم المجتمع، ويرتب تلك الأولويات، وعلى أساسها يتم التداول على السلطة، من دون استئثار لها من أحد، ولا من فئة.
بدأت المقالة بالفلكلور السياسي الذي صنعه مرشّحون من دون أبعاد ولا مستقبل، وانتهت إلى الإشكالات المجتمعية التي على أساسها يجب أن تجري الانتخابات. ونكون قد وصلنا، بذلك، إلى ومضة الختام، والتي أغفلها المخرج في حبكته لمسار رئاسيات إبريل/ نيسان المقبل. ولكن كان علينا واجب إتمام السيناريو، وإيصاله، بأمانة، إلى الرّأي العام، حتى تجهّز نفسها لانتخاباتٍ مصيريةٍ، تنتهي إلى صنع مستقبل زاهر للبلاد.
تكاد البرامج الانتخابية تكون جاهزةً لمن يريد حملها، وحمل آمال الناس معها لصنع التغيير، لأن المشكلات معروفة للجميع، وتشخيص العلاج معروف، أيضا، والكل ينتظر الاستيقاظ من الغفوة، أو من النوم، والجزائر تستحقّ من أبنائها ذلك، والتجسيد حتمي، طال الوقت أو قصُر.. وإنّ غدا لناظره لقريب.
هل تغيّر شيء، في سياق هذا الفولكلور، أم أنّ ثمّة ومضات، بلغة الإعلام، وُضعت على مسار هذه الرئاسيات، باعتبارها علامات إضاءة برّاقة لإقناع الرأي العام بأن السياسة شأن كبير، لا يليق به أي من كان من خارج هيئة القرار الحاكمة؟ في الحقيقة، مجرّد مشاهدة تلك الجموع من مرشّحي الشُّهرة يكفي لنعلم أن ذلك من باب الاتصال السياسي والتسويق العكسي لصورة انتخاباتٍ إمّا أن تكون على المقاس الذي تريده السّلطة، أو لعبة يتمكّن من دخولها كل من هبّ ودبّ، كما هي رسالة سياسية، وليس ثمّة سبيل ثالث نتوجّه به نحو الخيار الانتخابي الحرّ في أجواء تنافسية بقلوب وإرادات تهفو نحو الإصـلاح والتّغيير، ليس إلاّ.
تملي الظروف التي تجري فيها الانتخابات الصورة التي تم إخراج الفصل الأول منها على هذه
طبعا، من العبث الظن أنّ المنظومة الحاكمة فاقدة زمام سياقات التطوّرات الجارية على السّاحة السياسية. ويكفي تحليل مسارات ما جرى، منذ الصّيف الماضي، من إقالاتٍ، إحالات على المعاش ومقاضاة، وخصوصا التي طاولت عسكريين من ذوي الرتب الكبيرة، لفهم المنطق الذي سارت على أساسه الأمور إلى التاريخ الذي تم الإعلان فيه على توافقٍ بشأن تنظيم الرّئاسيات.
وبما أن هذا التّوافق إجرائي قانوني، فقط، أي تحديد موعد الرّئاسيات، فانّه يقتضي أن يُتبع بقرار بشأن المرشّح التّوافقي الذي سيتربّع على كرسي قصر المرادية (مقرّ الرّئاسة في الجزائر)، وهو موضوع تلك الومضات الإخراجية التي ستُتبع بخطوات أخرى، اعتدنا أن نراها في مضمون الثّقافة السياسية التي جرت العادة على إبداء جزئياتها وتغذيتها بعناصر مشوّقة، تتلاءم والظروف المحيطة بها، كلّما استدعت الحاجة ذلك.
وقد جرى، تحضيرا لإخراج تلك الومضات، الإخراج الذي يليق بالموعد وحيويته الكبرى بالنسبة للبلاد، تجهيز الرّأي العام من خلال تغييراتٍ مسّت بعض المؤسّسات التي لها دور حيوي في الانتخابات. وحريٌّ بنا، هنا، التّذكير بما حدث في البرلمان (الغرفة السُّفلى) والحزب الحاكم، جبهة التّحرير الوطني، واللّذين شهدا، في وقتٍ متقاربٍ جدّا، تغييرا في قمّتهما والسيناريو نفسه، إقالة، هنا للسّعيد بوحجّة من منصبه رئيسا للمجلس الشعبي، واستقالة، هناك، لجمال ولد عبّاس من منصبه أمينا عاما لحزب جبهة التحرير، على التّوالي.
كما تمّ إدخال جرعاتٍ من التّشويق الإعلامي - السيّاسي بشأن الرئاسيات، هل ستجري، في موعدها، أم لا، حيث لعب فاعلون كثيرون، على السّاحة الإعلامية - السياسية، دوره في ذلك إلى الدقيقة الأخيرة، عندما أُعلن عن الموعد، وليخرج علينا المشهد بالفلكلور السياسي بحبكةٍ إعلاميةٍ مُتحكّم فيها بشدة.
الآن، وقد شاهدنا الومضات الثّلاث الأولى، ينتظر الرّأي العام الومضة الأخيرة، مشهد الحبكة، أو ما تُعرف بالعقدة في الفنّ الروائي، حيث ينتظر الجزائريون اللحظة التي سيُعلن فيها عن المرشّح التوافقي الذي ستدور كلُّ الومضات المقبلة عليه، وسيكون هو الرئيس القادم، حتما، بعد حلّ تلك العقدة بإقناع الجميع بأنّ الرئاسيات شأنٌ خالصٌ للمنظومة الحاكمة، يتأكد مضمون الثّقافة السياسية، وملخصّها بقاء دار لقمان على حالها، والتّي معناها، بالنّسبة للجزائر، ضمان الاستقرار والإصرار على استئثار الهيئة القرارية بالخيار الحصري في بناء المؤسسات واختيار من يسوسها، هي وحدها بدون شريك لها ولا مشير.
وإذا عدنا إلى مسألة الثقافة السياسية للمنظومة الحاكمة، وإصرارها على عدم التغيير، وإبقاء دار لقمان على حالها، فإنّ الأمر لا يعدو أنها بمضمون ستاتيكي، أي جامدة لا تقبل الإضافة أو التحوّل، وخصوصا بشأن مؤسّسة الرّئاسة، والتّي لا يتقدّم لشغلها إلا من تريده السّلطة. ولذلك كانت تلك الومضات الإخراجية، وطريقة حبكها بسيناريو، لا يقبل النّقد من أحد أو كتابته، من غير من تختارهم تلك المنظومة.
هذه هي الانتخابات الرّئاسية والسّيناريو الذّي على أساسه ستجري وستنتهي إلى ما ذكرناه،
بدأت المقالة بالفلكلور السياسي الذي صنعه مرشّحون من دون أبعاد ولا مستقبل، وانتهت إلى الإشكالات المجتمعية التي على أساسها يجب أن تجري الانتخابات. ونكون قد وصلنا، بذلك، إلى ومضة الختام، والتي أغفلها المخرج في حبكته لمسار رئاسيات إبريل/ نيسان المقبل. ولكن كان علينا واجب إتمام السيناريو، وإيصاله، بأمانة، إلى الرّأي العام، حتى تجهّز نفسها لانتخاباتٍ مصيريةٍ، تنتهي إلى صنع مستقبل زاهر للبلاد.
تكاد البرامج الانتخابية تكون جاهزةً لمن يريد حملها، وحمل آمال الناس معها لصنع التغيير، لأن المشكلات معروفة للجميع، وتشخيص العلاج معروف، أيضا، والكل ينتظر الاستيقاظ من الغفوة، أو من النوم، والجزائر تستحقّ من أبنائها ذلك، والتجسيد حتمي، طال الوقت أو قصُر.. وإنّ غدا لناظره لقريب.