28 سبتمبر 2016
الزهد في الحكم في تونس
شهرزاد بن جدو (تونس)
قدمت تونس للعالم نموذجا للثورات السلمية وكيفية حدوثها. وها هي اليوم تقدم نموذجا آخر في الزهد بالحكم، والرغبة في مشاركة الآخرين فيه.
في بلد عاش عقوداً طويلة في ظل الحزب الواحد والفكر الواحد والزعيم الأوحد، وفي الوقت الذي يقتل فيه بشار الأسد شعبه لمجرد البقاء في الحكم، وفي الوقت الذي يحكم فيه العسكر مصر بقبضةٍ من حديد، خوفا على السلطة وحبا فيها، وفي وقتٍ يعجز فيه الفرقاء في ليبيا عن التوافق، يبدي السياسيون في تونس تعففا عن السلطة، كالذي أبداه يوسف حين راودته امرأة العزيز.
اقترح رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، تكوين حكومة وحدة وطنية، يشارك فيها كل من الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصناعة والتجارة وبقية مكونات المعارضة الراغبة في تحمل أعباء الحكم، على حد قوله، يتضح أن السبسي لا يرغب في تحمل ''أعباء الحكم'' كما أسماها وحده. بل يرغب في مشاركة الآخرين له في السلطة. الأمر الذي خبره السبسي، إذ على الرغم من تقدم حزبه، نداء تونس، في الانتخابات التشريعية، فضل إشراك حركة النهضة وحزبين آخرين، هما حزب آفاق تونس وحزب الوطني الحر، مع أن الأمر كلفه انشقاقات عديدة في صفوف حزبه.
وفي الوقت الذي أعرب فيه السبسي عن رغبته مشاركة الآخرين معه في الحكم، أبدت أطراف عديدة زهدها في السلطة والحكم معا. ذلك أن الاتحاد العام التونسي للشغل صرح إنه لن يشارك في حكومة الوحدة الوطنية، على الرغم من دعمه مبادرة تشكيلها. كما رفض كل من الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وحزب الجبهة الشعبية المشاركة في الحكومة.
ويدفعنا الزهد في ممارسة السلطة إلى التساؤل: هل الحكم في تونس لم يعد مغرياً إلى هذا الحد؟ هل فقدت السلطة بريقها ورونقها إلى هذه الدرجة؟ أم أن وراء هذا التزهد الظاهري خفايا وخلفيات؟
علمتنا السياسة ودروسها وشواهد التاريخ القديم منه والمعاصر أن الأحزاب السياسية ليست جمعيات خيرية، وأن وراء كل بادرة اقترحها زعيم سياسي، هنالك حتما مصلحة وخلفيات وأسباب ومسببات.
يبدو أن مبادرة السبسي لم تأت رغبة في إشراك الآخرين لينعموا بنعيم الحكم، وليست دليلاً أيضا على أن تونس أصبحت ديمقراطية أكثر حتى من الديمقراطيات العريقة، بل يلاحظ المتأمل لمبادرة الرئيس التونسي أن الأخير يرغب في توزيع الفشل توزيعاً عادلا، على كل الأحزاب والمنظمات في البلد. يريد السبسي الإقناع بأن كل الخيارات لم تجد نفعاً. وأن ما من حزب قادر اليوم على حسن إدارة البلد، بدليل أن الكل شارك، والكل عجز عن إيجاد حلول ومخارج. هذا ما يرنو السبسي الوصول إليه من مبادرته، حتى لا يتحمل حزب نداء تونس وحده مسؤولية الأزمة الخانقة التي تعيشها تونس هذه الفترة، والتي قد تتفاقم إذا ما استمر الوضع على هذا النحو.
كما تعد مبادرة السبسي دليلاً على أن أزمة تونس اليوم أكبر من أن يتحملها حزب واحد أو حزبان. لذلك، يرغب السبسي في إشراك الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأولى في تونس، حتى تتحقق هدنة اجتماعية مباشرة، فبإشراك الاتحاد في الحكم تتخلص الحكومة من الاحتجاجات والإضرابات التي كان ينفذها، كما سيكون الأمر وسيلة غير مباشرة لإبعاده عن بعض الأحزاب السياسية التي كانت تستند عليه بصفة غير مباشرة.
ويفسر الخوف من الانفراد بالحكم والزهد فيه بتعدّد الأزمات التي تمر بها تونس، والتي ورثت جلها عن النظام السابق. تركة ضمت مشكلات عديدة في جل القطاعات تقريبا، انضاف إليها بعد الثورة عامل جديد، هو الإرهاب.
ويكاد لا يختلف اثنان على أن الأزمة في تونس ليست في طريقها إلى الانفراج، فكل المعطيات والأرقام تثبت ذلك، فالوضع الاقتصادي يزداد سوءا مع كل يوم يمر، كما أن نسب البطالة في ارتفاع، بل وتصاحبها احتجاجات عطلت خصوصاً إنتاج الفوسفات، ما كبد الدولة خسارة قدرت بخمسة مليار دينار.
ولا ننسى أن الإرهاب في تونس زاد الوضع تأزماً، نظرا للكلفة الباهظة لمكافحته، إذ تقدر كلفة مقاومة الإرهاب في تونس بثمانية مليارات دينار. هذا إلى جانب تأثيره المباشر على القطاع السياحي الذي تضرّر بشكل ملحوظ، خصوصاً بعد عمليتي باردو وسوسة، إذ بلغت الخسائر 1,7 مليار دينار.
وخوفا من استفحال الأزمة الاقتصادية والفشل في إدارتها، يجد سياسيون في تونس أنفسهم مجبرين على تقاسم أعباء الحكم ومشاركة الآخرين فيه، في حين يرفض آخرون ممارسة الحكم، خوفاً من التورط فيه، وخشية من ثقل أعبائه.
في بلد عاش عقوداً طويلة في ظل الحزب الواحد والفكر الواحد والزعيم الأوحد، وفي الوقت الذي يقتل فيه بشار الأسد شعبه لمجرد البقاء في الحكم، وفي الوقت الذي يحكم فيه العسكر مصر بقبضةٍ من حديد، خوفا على السلطة وحبا فيها، وفي وقتٍ يعجز فيه الفرقاء في ليبيا عن التوافق، يبدي السياسيون في تونس تعففا عن السلطة، كالذي أبداه يوسف حين راودته امرأة العزيز.
اقترح رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، تكوين حكومة وحدة وطنية، يشارك فيها كل من الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصناعة والتجارة وبقية مكونات المعارضة الراغبة في تحمل أعباء الحكم، على حد قوله، يتضح أن السبسي لا يرغب في تحمل ''أعباء الحكم'' كما أسماها وحده. بل يرغب في مشاركة الآخرين له في السلطة. الأمر الذي خبره السبسي، إذ على الرغم من تقدم حزبه، نداء تونس، في الانتخابات التشريعية، فضل إشراك حركة النهضة وحزبين آخرين، هما حزب آفاق تونس وحزب الوطني الحر، مع أن الأمر كلفه انشقاقات عديدة في صفوف حزبه.
وفي الوقت الذي أعرب فيه السبسي عن رغبته مشاركة الآخرين معه في الحكم، أبدت أطراف عديدة زهدها في السلطة والحكم معا. ذلك أن الاتحاد العام التونسي للشغل صرح إنه لن يشارك في حكومة الوحدة الوطنية، على الرغم من دعمه مبادرة تشكيلها. كما رفض كل من الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وحزب الجبهة الشعبية المشاركة في الحكومة.
ويدفعنا الزهد في ممارسة السلطة إلى التساؤل: هل الحكم في تونس لم يعد مغرياً إلى هذا الحد؟ هل فقدت السلطة بريقها ورونقها إلى هذه الدرجة؟ أم أن وراء هذا التزهد الظاهري خفايا وخلفيات؟
علمتنا السياسة ودروسها وشواهد التاريخ القديم منه والمعاصر أن الأحزاب السياسية ليست جمعيات خيرية، وأن وراء كل بادرة اقترحها زعيم سياسي، هنالك حتما مصلحة وخلفيات وأسباب ومسببات.
يبدو أن مبادرة السبسي لم تأت رغبة في إشراك الآخرين لينعموا بنعيم الحكم، وليست دليلاً أيضا على أن تونس أصبحت ديمقراطية أكثر حتى من الديمقراطيات العريقة، بل يلاحظ المتأمل لمبادرة الرئيس التونسي أن الأخير يرغب في توزيع الفشل توزيعاً عادلا، على كل الأحزاب والمنظمات في البلد. يريد السبسي الإقناع بأن كل الخيارات لم تجد نفعاً. وأن ما من حزب قادر اليوم على حسن إدارة البلد، بدليل أن الكل شارك، والكل عجز عن إيجاد حلول ومخارج. هذا ما يرنو السبسي الوصول إليه من مبادرته، حتى لا يتحمل حزب نداء تونس وحده مسؤولية الأزمة الخانقة التي تعيشها تونس هذه الفترة، والتي قد تتفاقم إذا ما استمر الوضع على هذا النحو.
كما تعد مبادرة السبسي دليلاً على أن أزمة تونس اليوم أكبر من أن يتحملها حزب واحد أو حزبان. لذلك، يرغب السبسي في إشراك الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأولى في تونس، حتى تتحقق هدنة اجتماعية مباشرة، فبإشراك الاتحاد في الحكم تتخلص الحكومة من الاحتجاجات والإضرابات التي كان ينفذها، كما سيكون الأمر وسيلة غير مباشرة لإبعاده عن بعض الأحزاب السياسية التي كانت تستند عليه بصفة غير مباشرة.
ويفسر الخوف من الانفراد بالحكم والزهد فيه بتعدّد الأزمات التي تمر بها تونس، والتي ورثت جلها عن النظام السابق. تركة ضمت مشكلات عديدة في جل القطاعات تقريبا، انضاف إليها بعد الثورة عامل جديد، هو الإرهاب.
ويكاد لا يختلف اثنان على أن الأزمة في تونس ليست في طريقها إلى الانفراج، فكل المعطيات والأرقام تثبت ذلك، فالوضع الاقتصادي يزداد سوءا مع كل يوم يمر، كما أن نسب البطالة في ارتفاع، بل وتصاحبها احتجاجات عطلت خصوصاً إنتاج الفوسفات، ما كبد الدولة خسارة قدرت بخمسة مليار دينار.
ولا ننسى أن الإرهاب في تونس زاد الوضع تأزماً، نظرا للكلفة الباهظة لمكافحته، إذ تقدر كلفة مقاومة الإرهاب في تونس بثمانية مليارات دينار. هذا إلى جانب تأثيره المباشر على القطاع السياحي الذي تضرّر بشكل ملحوظ، خصوصاً بعد عمليتي باردو وسوسة، إذ بلغت الخسائر 1,7 مليار دينار.
وخوفا من استفحال الأزمة الاقتصادية والفشل في إدارتها، يجد سياسيون في تونس أنفسهم مجبرين على تقاسم أعباء الحكم ومشاركة الآخرين فيه، في حين يرفض آخرون ممارسة الحكم، خوفاً من التورط فيه، وخشية من ثقل أعبائه.
مقالات أخرى
18 سبتمبر 2016
27 يونيو 2016
11 يونيو 2016